من زار يومًا السيرك ورأى فقراته فقد رأى من ذلك الرجل اللاعب بالكرات والكؤوس، ورآه وهو يضع كرسيًّا ثم يقوم فوقه ثم يأخذ آخر فيضعه فوق الأول ويرقى فوقه، ثم يأخذ آخر وآخر حتى تكون الكراسى طوابق بعضها من فوق بعضها وهو فوقها جميعًا، ثم إنه ليزيد إعجاب النظَّارة يأخذ أسطوانة صغيرة فيجعلها فوق أعلى الكراسى ثم يبسط فوقها لوحًا من خشب فيقف عليه فتذهب به الأسطوانة ذات اليمين وذات الشمال حتى يظن الناس أنه سيقع من أعلى هذه الكراسى لكنه يتوازن عليها توازنًا عجيبًا!
ثم إنه ليزيد عجب النظَّارة فوق عجبهم ويأخذ بنفوسهم فإنه يُخرج من بعض جيوبه بعض الكرات أو تُرفع إليه بعض الأطباق أو الكؤوس فيلعب بها وهو فوق ذلك الموضع المائج المائد فيقذفهن تباعًا ويلقفهن تباعًا فلا يبطئ عن إحداها ولا يعجل، ولا يزيد فى رمية ولا يقصر فى أخرى، ولا تختلط عليه الكرات والكؤوس بل يقيسهن بالمللى والثانية، فيده وبصره معلق بهن، ورجله توازن اللوح فوق الأسطوانة فوق الكراسى، وجسده يدافع الجاذبية!
وإنى قد أبصرت حال المعلم بالمدارس تحت حكم القرار القراقوشى (١٣٦ تقييمات) فوجدت حاله أشبه بحال لاعب السيرك هذا، غير أن المعلم لا يقف على كراسى مائجة بل على دقائق متفلتة، وليس بين يديه بضع كرات يقذفها بل أعداد من المهام ينقشها على السبورات لينسخها التلاميذ فى دفاترهم فإذا فرغ منها التفت ليصحح ما كتبوا، ثم يرجع إلى سبورته فيمحو الذى كتب لينقش غيره فينسخها التلاميذ فى دفاترهم، فيلتفت مسرعًا ليصحح ما كتبوا، فإذا فرغ من ذلك عاد إلى الكتاب فشرح وأجابوه، ثم يرجع عليهم بالتصحيح، كل ذلك وفوق رأسه مخاوف من (المتابعة الوزارية) أن يأخذوا عليه تقصيرًا أو تفريطًا، فهو يسأل الله ألا يمروا بمدرسته، وألا يقفوا ببابها! فإذا انقضى يومه من غير أن تناله يد المتابعة الوزارية أو دون الوزارية حمد الله وذهب يتصفح موقع الوزارة، فإن فُتح له استنزل منه دروس الغد وتقييماته وواجباته، فإذا أصبح أعاد الكَرَّة، فإذا أوشك الأسبوع أن يتفلت دخل موقع الوزارة فاستنسخ منه التقييمات الأسبوعية فأثبتها فى دفتره، ثم أصبح إلى مدرسته يكتب منها فى كل فصل على السبورة ثلاث نسخ مختلفات ليتخير التلميذ أحدها فيجيبه، ثم يجمعها فيقيمها ويعطى كل درجته فى هذا التقييم وفى غيره من الأداءات الصفية والمنزلية والأنشطة، ثم يرصدها، ثم يتهيَّأ لأسبوع آتٍ!
وإننى لأعرف بعض المعلمين من يعرض على معالى وزير التعليم أن يأخذ المائة دقيقة، ويومية مائتى جنيه، ثم يقوم هو بتنفيذ القرار (١٣٦ تقييمات) فى إحدى المدارس العامة ليوم واحد، وليرى جماهير المعلمين كيف سيجعل هذه المائة دقيقة تكفى لما يكلف به المعلمين، فإن أطاق معاليه هذا الذى ذكرت فليُمْضِه، وإلا فليفض هذا السيرك؟!
-------------------------------
بقلم: محمد زين العابدين
[email protected]