ثارت مؤخرا مناقشات عديدة حول مرور سفينة حربية للعدو في قناة السويس .
بعض الآراء ذهبت إلي أهمية منع هذه السفينة من العبور ، بحجة العمليات العسكرية التي تقوم بها دولة العدو ضد غزة ودول عربية أخري ، أو بحجة تهديد ذلك للأمن القومي المصري .
ابدي البعض ملاحظات حول رفع العلم المصري علي تلك السفينة إلي جانب علم دولة العدو ، علي اعتبار أن ذلك متعمد لإهانة مصر أو لخلق عادة وجود العلمين معا ، كإشارة لتضامن سياسي ما بين مصر وبين ذلك الكيان .
يهمني في البداية أن أعيد التأكيد علي موقفي الثابت من رفض عدوانية النظام الصهيوني ، وإعتباره كيانا مارقا لا يحترم القانون الدولي أو القانون الدولي الإنساني ، وكذلك انتهاكه لإلتزاماته التعاقدية نصاً وروحاً ، بما يعطي للأطراف المتعاملة معه الحق في التحلل من أي التزام حياله .
أؤكد كذلك أيضاً علي أن العمليات العسكرية التي ينفذها العدو بوحشية في غزة ولبنان واليمن ، هي جرائم حرب موصوفة ، وأن ما تقوم به في غزة علي وجه الخصوص هي جريمة إبادة يحرمها القانون الدولي .
أن مسألة العبور من قناة السويس في إطار المسألة المطروحة ، تخضع لإلتزامات مصر وفقا لمعاهدة القسطنطينية التي وقعت عام 1888 ودخلت حيز النفاذ عام 1904.
ودون الدخول في تفصيلات ومماحكات قانونية ، ومن واقع خبرتي الدبلوماسية والقانونية ، أؤكد أن مصر ملتزمة بهذه المعاهدة ، وقد كررت التزامها بها سواء أثناء أزمة السويس عام 1956 ، أو فيما بعد في بيانات وتصريحات رسمية مختلفة .
ولا يقدح في ذلك أن بعض مواد هذه المعاهدة لم تعد قابلة للتطبيق لأسباب تتعلق بتغير ظروف الموقعين عليها أو عدم انطباق بعض أحكامها علي الواقع ( ربما يكون من المناسب النظر في تعديلها وإعادة تحديثها كي تناسب هذا العصر ، ولكن هذا موضوع آخر ).
وسواء نشأ الإلتزام المصري من الإقرار المتواتر لسريان هذه المعاهدة ، أو لإنطباق قواعد التوارث الدولي ، فأن مصر لا تملك بشكل عام منع أي سفينة سواء مدنية أو حربية إلا لشروط خاصة مثل أن يمثل مرور هذه السفينة أخطارا صحية أو أمنية ، وهي إستثناءات علي القاعدة لا يجوز التوسع فيها أو القياس عليها .
ومن ناحية أخري ، تضمنت معاهدة السلام إلتزاما مصريا بالسماح بعبور قناة السويس ، حيث كانت الحجة التي تتمسك بها مصر قبل ذلك هي وجود حالة حرب مع الكيان الصهيوني يخول لمصر وفقا لمعاهدة القسطنطينية منع سفنه من المرور ، أما وقد انتهت حالة الحرب بين البلدين ، بل وتوقيع معاهدة سلام ، فقد انتفت الحجة المصرية .
وفيما يتعلق بمسألة رفع العلم المصري إلي جانب العلم الإسرائيلي علي السفينة الحربية الإسرائيلية أثناء مرورها في قناة السويس ، فتجدر ملاحظة أنه بشكل عام ، عند دخول أي سفينة أجنبية المياه الأقليمية لدولة ما و طوال فترة مكوثها فيها، تقتضي التقاليد و الأعراف البحرية أن ترفع على الجانب الأيمن من ساريتها الأولى علم الدّولة المضيفة، وهو ما يسمّى "courtesy flag".
ويجب أن أقول في النهاية ، بقلب حزين ، أن مصر العريقة ، لا يليق بها أن تنتهك التزاماتها القانونية الدولية ، حتي مع الكيان السفاح إلا في إطار ترتيبات سياسية وعسكرية وقانونية معينة ، وهو ما لا يتوفر حاليا .
أن المجتمعات المتحضرة تلتزم بتطبيق قواعد القانون حتي في مواجهة أعتي المجرمين ، ولا يصح أن نتعامل مع مجرم بأسلوبه ، ولكن يجب أن تتم معاقبته بما نمتلكه من وسائل لا تخالف القانون .
-------------------------------
بقلم : معصوم مرزوق
مسعد وزير الخارجية السابق