في خطوة أثارت الكثير من التساؤلات والتكهنات، طلبت المملكة العربية السعودية من الحكومة المصرية إصدار تشريع قانوني يحفظ سلامة الاستثمارات السعودية في مصر. هذا الطلب يأتي في ظل وجود قوانين مصرية بالفعل تصون حقوق المستثمرين الأجانب والمصريين، ما يدفعنا للتساؤل: ما الهدف الحقيقي وراء هذا الطلب، وما هي الأبعاد الخفية التي قد تترافق معه؟
قراءة أولية: الطلب السعودي بين الغموض والوضوح
عند الحديث عن الاستثمار، تكون القوانين الاستثمارية المصرية واضحة ومباشرة في حماية حقوق المستثمرين، سواء كانوا أجانب أو مصريين. هذه القوانين تهدف إلى تشجيع الاستثمارات الأجنبية وحمايتها من أي قرارات تعسفية قد تضر بالمستثمرين. إذاً، لماذا يأتي هذا الطلب السعودي؟ هل هو تعبير عن رغبة المملكة في الحصول على ضمانات إضافية تتجاوز القوانين الموجودة؟
الحقيقة أن الطلب السعودي يكتنفه الكثير من الغموض، خاصة أنه يأتي في توقيت حساس تمر فيه مصر بتحديات اقتصادية كبيرة. ربما تسعى السعودية لضمانات استثنائية أو مزايا خاصة لمستثمريها قد لا تتوفر لهم ضمن الإطار الحالي للقوانين المصرية. ومن هنا قد يتبادر إلى الذهن سؤال آخر: هل هناك ضغوط أو مطالب أخرى وراء الكواليس تتعلق بملكية الأراضي أو الأصول الاستراتيجية في مصر؟
تمليك الأراضي المصرية: خط أحمر
إن تمليك الأراضي المصرية لأي دولة أو شخص هو خط أحمر لا يجب تجاوزه تحت أي ظرف. التاريخ أثبت مرارًا أن السيادة على الأرض هي من أهم الثوابت الوطنية التي لا تقبل المساومة. وهذا المبدأ لا يتغير بتغير الزمن أو الظروف، بل يجب أن يكون راسخًا في ضمير كل مصري.
مصر، بتاريخها وجغرافيتها، ليست سلعة يتم تداولها أو مقايضتها من أجل الاستثمارات. بل هي أرض ذات سيادة يجب حمايتها بكل الوسائل القانونية والدستورية. وإذا كان هناك نية لدى السعودية أو غيرها في الحصول على امتيازات خاصة تتعلق بملكية الأراضي، فإن هذا الأمر يجب أن يواجه بالرفض القاطع.
الاستثمار بين المصلحة المشتركة والحفاظ على السيادة
لا شك أن الاستثمارات السعودية في مصر تلعب دورًا هامًا في تعزيز العلاقات الاقتصادية بين البلدين، وهي مصدر لدعم الاقتصاد المصري في هذه الأوقات الصعبة. ولكن يجب أن تُدار هذه الاستثمارات وفق قواعد واضحة تحفظ مصالح الطرفين دون المساس بالسيادة الوطنية أو منح امتيازات استثنائية قد تفتح الباب أمام تداعيات خطيرة على المدى البعيد.
مصر تحتاج إلى استثمارات جادة وطويلة الأمد تسهم في تحسين بنيتها الاقتصادية وتوفير فرص عمل لشبابها، ولكنها تحتاج أيضًا إلى حماية مواردها وأراضيها من أي محاولات للاستحواذ أو السيطرة.
دعوة للحوار المفتوح والشفاف
على الحكومة المصرية أن تتعامل مع هذا الطلب السعودي بحذر شديد، وأن تفتح باب الحوار مع الجانب السعودي لبحث مخاوفه وأهدافه من هذا التشريع. وفي الوقت نفسه، يجب أن تضع مصر في الحسبان حماية مصالحها الوطنية وعدم تقديم أي تنازلات قد تضر بسيادتها أو مقدراتها.
كما أن على الشعب المصري أن يكون واعيًا ويقظًا تجاه هذه التحركات، وأن يرفض أي محاولات للمساس بأرضه أو مقدراته مهما كانت المبررات.
الطلب السعودي بتشريع قانون يحفظ سلامة الاستثمارات السعودية في مصر قد يكون بداية لنقاشات واسعة حول شكل العلاقة الاقتصادية بين البلدين في المرحلة القادمة. ولكنه في نفس الوقت يجب أن يُنظر إليه بعين الحذر، لأن الحفاظ على السيادة الوطنية والموارد المصرية يجب أن يكون فوق كل اعتبار.
الاستثمارات مرحب بها طالما أنها تصب في مصلحة الطرفين، ولكنها لن تكون على حساب الأرض أو السيادة. مصر قوية بأبنائها، وستظل دائمًا عصية على محاولات السيطرة أو التفريط في مواردها، مهما كانت الضغوط أو الإغراءات.
--------------------------------
بقلم: محمد عبدالمجيد هندي
* قيادي عمالي مستقل، مؤسس ورئيس المجلس القومى للعمال والفلاحين تحت التأسيس