07 - 05 - 2025

لماذا مصر في صدمات متلاحقة؟

لماذا مصر في صدمات متلاحقة؟

مصر، البلد الذي طالما كان رمزا للتقدم والحضارة، البلد الذي كان في يوم من الأيام يُعتمد عليه في الزراعة والصناعة، نراه اليوم يعيش في ظل أزمات متتالية لا تنتهي. من كان يتخيل أن مصر، التي كانت تُعتبر سلة غلال العالم، أصبحت اليوم عاجزة عن توفير احتياجاتها الأساسية؟ بل وصلنا إلى نقطة لم نعد نحقق فيها الاكتفاء الذاتي، بل نعتمد على استيراد السلع من مختلف الدول. إذاً ما الذي حدث؟ كيف تحولت هذه القوة الزراعية والصناعية إلى بلد يصارع للبقاء؟ هل العيب في الشعب الذي عمل واجتهد على مر السنين، أم في سياسات الدولة التي أوقعت البلاد في هذه الأزمات؟

علينا أن نكون واضحين وصريحين. المشكلة لا تكمن في الشعب، بل في السياسات التي تم اتخاذها دون تخطيط حقيقي أو دراسة للعواقب. مصر تعيش في تراجع مستمر منذ سنوات، وكلما ظننا أننا نخرج من أزمة، نجد أنفسنا في قلب أزمة جديدة. هذا التراجع لم يأت من فراغ، بل نتيجة لغياب رؤية واضحة للتنمية والاعتماد على سياسات اقتصادية فاشلة تزيد من الفجوة بين الشعب والدولة.

في ظل هذه الظروف، لا بد من وقفة جادة وشجاعة لمراجعة كافة الخطط التنموية. استمرارنا في نفس النهج سيؤدي إلى كارثة أكبر. علينا أن نتحلى بالجرأة للاعتراف بالأخطاء والعمل على تصحيحها. كل ابن آدم خطاء، وخير الخطائين التوابون. لا عيب في الاعتراف بالأخطاء، بل العيب هو الاستمرار فيها والتغاضي عنها. مصر بحاجة إلى إعادة تقييم شامل لكل ما تم اتخاذه من قرارات وإجراءات، لأن الوضع الحالي لم يعد يحتمل المزيد من الصدمات.

إن السياسات الاقتصادية الحالية التي تعتمد بشكل مفرط على القروض الخارجية وتجاهل المشكلات الأساسية كالتنمية الصناعية والزراعية، ليست الحل. كيف يمكن لبلد مثل مصر أن يعتمد على الواردات لسد احتياجاته الأساسية؟ علينا أن نعود إلى جذورنا، إلى قدراتنا المحلية، إلى استغلال مواردنا الطبيعية والبشرية بأفضل طريقة. نحن لا نفتقر إلى القدرات، بل نفتقر إلى التخطيط السليم والإدارة الرشيدة.

الاتفاقات مع صندوق النقد الدولي لم تجلب سوى مزيد من الديون، وهي ديون يتحملها المواطن البسيط من خلال ارتفاع الأسعار وتدهور مستوى المعيشة. إلى متى سيظل المواطن المصري يعاني تحت وطأة تلك الاتفاقيات التي تفرض شروطًا تخدم مصالح الدول الكبرى والشركات العالمية على حساب الشعب المصري؟ آن الأوان لإلغاء هذه الاتفاقات والبحث عن حلول محلية تضع مصلحة المواطن المصري أولاً.

الأجور والمعاشات الحالية لم تعد تكفي لتأمين حياة كريمة للمواطنين. في كل يوم نرى ارتفاعًا في الأسعار، في السلع الأساسية، في الخدمات، بينما يبقى دخل المواطن ثابتًا أو حتى يتراجع. لا يمكن أن نبني مجتمعًا مستقرًا ومزدهرًا إذا كانت الغالبية العظمى من الشعب تعيش تحت خط الفقر. تحسين الأجور والمعاشات ليس رفاهية، بل هو حق أصيل يجب أن يُمنح لكل مواطن.

وعندما نتحدث عن الأمن القومي، لا يمكن أن نتجاهل ملف سد النهضة. هذا الملف الذي طالما تم التعامل معه بالتساهل والانتظار، لا بد أن يتم حله بالقوة. عندما يكون الأمن المائي لمصر مهدداً، لا مجال للتهاون. مياه النيل هي شريان الحياة لمصر، وأي تهديد لها يجب أن يُقابل برد قوي وحاسم. السيادة المصرية لا تقبل المساس، وأمننا المائي لا يمكن أن يكون محل تفاوض.

على الصعيد الزراعي، نحن بحاجة إلى سياسات جديدة تمنح الفلاحين الصغار الأرض والموارد اللازمة للزراعة. تمليك الأراضي الزراعية لصغار الفلاحين مجاناً سيعزز الإنتاج المحلي، ويزيد من الرقعة الزراعية، ويُسهم في تحقيق الاكتفاء الذاتي. لا يمكن أن نستمر في تجاهل هذه الشريحة الأساسية من المجتمع، فهم العمود الفقري للاقتصاد الزراعي، وإذا تم دعمهم بالشكل الصحيح، سيقودون نهضة زراعية جديدة.

أما على مستوى الصناعات الصغيرة والمتوسطة، فهي مفتاح التنمية المستدامة في البلاد. هذه المشروعات تُعتبر المحرك الأساسي للاقتصاد في كثير من الدول، ولكن في مصر، لم تُعطَ هذه المشروعات الدعم الكافي أو الاهتمام الذي تستحقه. علينا مراجعة كافة الخطط المتعلقة بهذه الصناعات، وإيجاد سبل جديدة لدعمها وتطويرها لتكون قادرة على المنافسة في الأسواق المحلية والدولية.

مستقبل مصر لن يتحقق إلا بإرادة حقيقية للتغيير. علينا أن نتوقف عن الاعتماد على الخارج، ونعتمد على أنفسنا. لدينا من الموارد والإمكانيات ما يكفي، ولكننا بحاجة إلى قيادة جريئة ورؤية واضحة تضع مصلحة مصر والشعب المصري فوق كل اعتبار. الأمر يتطلب اتخاذ قرارات صعبة، ولكنها ضرورية. إنقاذ البلاد من الأزمات المتلاحقة لن يكون سهلاً، ولكنه ليس مستحيلاً إذا توحدنا جميعًا خلف هدف واحد، وهو إعادة مصر إلى مكانتها الطبيعية كقوة زراعية وصناعية واقتصادية.

هذه ليست دعوة للثورة أو الفوضى، بل دعوة للتفكير والتغيير. مصر تستحق الأفضل، والشعب المصري يستحق حياة كريمة ومستقبلًا مشرقًا. لن يتحقق هذا المستقبل إلا إذا بدأنا الآن، وبجرأة، في إعادة بناء ما تم تدميره، وتقديم الحلول التي تستند إلى إمكانياتنا الحقيقية وليس إلى أوهام الدعم الخارجي أو الاستدانة المستمرة.
---------------------------------------
بقلم: محمد عبدالمجيد هندي
* قيادي عمالي مستقل، مؤسس ورئيس المجلس القومي للعمال والفلاحين تحت التأسيس

مقالات اخرى للكاتب

يوم الشهيد.. ملحمة الوفاء وتاج العزة للوطن