اللواء أركان حرب نوال سعيد الشافعي أحد مؤسسى هيئة الإمداد والتموين بالقوات المسلحة، حيث كان يرأس عشر إدارات هامة وحيوية منها: الأشغال العسكرية، الخدمات الطبية، وإدارة المهندسين، وإدارة النقل، وإدارة المياه، وإدارة الأسلحة والذخيرة، وإدارة الوقود؛ وإدارة المساحة العسكرية وإدارات أخرى تطورت، وأصبحت بعد ذلك هيئات مثل الهيئة الهندسية.. ويعتبره الكثيرون من أبناء القوات المسلحة بمثابة الأب الروحى للإمداد والتموين..
وللشئون الإدارية دورٌ مهم في معركة الأسلحة المشتركة الحديثة، فهي تعاون كل سلاح، فعلى سبيل المثال لا يمكن للطائرة أن تغادر الأرض في طريقها للقتال إلا بعد معاونة من الفنيين والمهندسين والعمال والجنود، والطيار نفسه لا يمكنه الطيران إلا بعد كشف طبي متكرر من فريق طبي يخدم الطيارين، ومن فريق من الطهاة لإعداد طعام صحي ومناسب للطيران، كما أن الجندي في المعركة لا يكون مستعداً للقتال إلا إذا توفرت له كل الإمكانيات الإدارية من التسليح والذخيرة والمهمات والتعيينات التي تكفيه في أوقات السلم والحرب، وينسحب هذا على كل فروع وأسلحة القوات المسلحة، وفي هذا الشأن يجب أن نتذكر أن هزيمة نابليون وهتلر في حملة روسيا كانت بسبب نقص الإمداد والتموين، وهزيمة روميل في شمال أفريقيا كانت لنفس السبب، وهزيمة الجيش الثامن البريطاني في معارك شمال أفريقيا في مطلع عام 1942 أيضاً لنقص الامدادات.. أما في حرب أكتوبر فيكفي للتدليل علي حجم الإمداد الذي تحتاجه القوات المصرية شرق القناة، فقد عبرت 800 عربة نقل ضخمة تحمل إمدادات للجنود ليلة 8 أكتوبر 1973 فقط، فما بالنا بطول فترة الحرب..
وقائدنا اللواء أركان حرب نوال سعيد الشافعي كا نله دور في حرب أكتوبر 1973، لا يقل عن دور قادة الأفرع الكبار، كان رئيساً لهيئة الإمداد والتموين ونجح إلى أقصى حد في توفير احتياجات الجيش من النقل والوقود والتعيينات والمهمات والمياه، ولم تحدث أزمة إطلاقاً أثناء أيام الحرب التي استمرت حوالي 22 يوماً، ورغم دوره العملاق في كل حروب مصر المعاصرة منذ أن تخرج من الكلية الحربية عام 1942وحتى آخر أيام حياته عام 2014، كان يعطي بلا حدود.. ورغم هذا الدور الجبار إلا أن كتب التاريخ لم تذكره بما يستحق إلا عرضاً، ولم تسلط عليه الأضواء كما ينبغي، وقد اعتمدنا في كتابة هذا المقال على المعلومات الوفيرة التي أمدني بها نجله المهندس والمؤرخ شريف الشافعي.
كان اللواء نوال سعيد الشافعي من أصغر اللواءات سناً في الجيش المصري عندما ترقى إلى رتبة اللواء كترقية استثنائية تكريماً له عام 1968، وكان يبلغ من العمر 44 عاماً.. ومثلما كان أصغر اللواءات سنا كان أيضاً أصغر الضباط سناً عند تخرجه من الكلية الحربية وسنه لما يتجاوز ثمانية عشر ربيعا.
حياته:
ولد نوال سعيد الشافعي في 12 مارس عام 1924، بحي العباسية بمدينة القاهرة لأسرة تمتد جذورها إلى محافظة الشرقية، وتعلم في مدرسة الظاهر الابتدائية وحصل على الشهادة الابتدائية عام 1935، ثم على الشهادة التوجيهية (القسم الأدبي) من مدرسة فؤاد الأول عام 1940، ويُذكر أن شيخ الفلاسفة زكي نجيب محمود كان يدّرس له في هذه المدرسة، وعندما حصل على الشهادة الثانوية التحق بالكلية الحربية (مصنع الرجال) وتخرج فيها عام 1942، وكان من المتميزين بين أقرانه، تفوق في التدريب واستيعاب العلوم العسكرية، إضافة إلى أنه كان ماهراً في ممارسة الرياضة، مثل: كرة القدم والملاكمة والاسكواش التي ظل يمارسها حتى سن 44.
وفي الكلية الحربية درس له بعض الضباط الذين تسنموا المناصب الرفيعة في القوات المسلحة بعد ذلك، من أمثال: اللواء مصطفى صادق باشا، والأميرالاي محمد بك متولي، والقائمقام حسين بك فريد (الذي تولى منصب رئيس أركان حرب القوات المسلحة قبيل ثورة يوليو)، والبكباشي الشهيد أحمد عبد العزيز قائد الفدائيين في حرب فلسطين 1948، ومن مشاهير دفعته التي بلغ عددها 191 ضابطاً: الفريق أول كمال حسن علي (وزير الدفاع بعد ذلك)، والفريق حسن التهامي من كبار الضباط الأحرار، واللواء محمد سعيد علي، واللواء حسن الجريدلي، وغيرهم..
عين الملازم ثان نوال سعيد ضابطاً في سلاح المشاه فور تخرجه، وخدم في الكتيبة الأولى بنادق مشاة في الخرطوم بالسودان، وانتقل معها في عدة أماكن مثل: منشية البكري بالقاهرة، ومعسكر خيام بألماظة، وقد ظل نوال سعيد في سلاح المشاه قرابة الخمسة أعوام، ثم انتقل بعدها إلى سلاح خدمة الجيش (هيئة الإمداد والتموين بعد ذلك) بعد أن ترقى إلى رتبة الملام أول وذلك في 11 فبراير عام 1947 فى النشرة العسكرية، وكان يوافق يوم عيد ميلاد الملك فاروق، وكان سلاح خدمة الجيش يختص بالتعيينات (فى مخازن التموين الاساسية – المستودعات الرئيسية للتعيينات) والوقود، والنقل، وقد خدم في التخصصات الثلاثة، واستمر به حتى نهاية عام 1948.. وتعلم الكثير من قائده البكباشي مصطفى كامل عبد العظيم (الذى وصل إلى مدير السلاح برتبة لواء)، وفي أول يناير 1949 انتقل نوال سعيد ليخدم بالاسماعيلية حيث تم تعيينه قائداً لوحدة الوقود بمنطقة القرش (شمال الاسماعيلية)، وفى عام 1950 تم تعيينه أركان حرب سرية نقل في ثكنات العباسية.
دورات في أعظم الأكاديميات العسكرية:
وكان نوال سعيد دوماً ينزع إلى التعليم والحصول على دورات عسكرية في مصر والدول الكبرى، فقد التحق بالدورة 12 بكلية أركان الحرب فحصل عليها عام 1952، ثم أراد أن يستزيد من العلم فذهب إلى الولايات المتحدة الأمريكية وحصل على دورة إمداد وتموين في "فورت لي فرجينيا" بالولايات المتحدة في مايو 1954، وقد حققت الدورة عدداً من المزايا التي استفاد منها نوال سعيد طوال مدة خدمته بالقوات المسلحة، وأول هذه المميزات دراسة وتفهم أسلوب التأمين الإدارى في الجيش الأمريكي، وأسلوب اختيار وتقييم الدارس، وحرية التعبير عن الرأى، وأسلوب التعامل مع المشاكل الحياتية وحلها، إضافة إلى اتقانه اللغة الانجليزية، والجدير بالذكر أنه كان أول مصري يحصل على هذه الشهادة، كما حصل على دورة إمداد وتموين تعبوية في "ليننجراد" بالاتحاد السوفيتي في مايو 1962، ولشغفه بالدراسة والتعلم المستمر، حصل على ليسانس الحقوق من كلية الحقوق جامعة عين شمس في مايو 1957، كما حصل على دبلوم معهد الدراسات الإسلامية في مايو 1977.
سنوات في سوريا:
انتدب المقدم أركان حرب نوال سعيد للعمل فى سوريا مع عشرة من الضباط مصريين من أمثال: أحمد منير عبد الرحيم، وسعد سليم، وأمير الناظر، ومحمد نيازي، ويوسف عفيفي، وأبو الفتح محرم.. وقد شغل منصب رئيس فرع التخطيط الإدارى بالشعبة الرابعة بالجيش الأول بدمشق الذي كان يقوده الفريق جمال فيصل من أكتوبر 1957 حتى مارس عام 1961، ثم أعلنت الوحدة بين مصر وسوريا فى فبراير 1958، وقد ربطته أواصر الصداقة مع العديد من الضباط السوريين، من أمثال: عبد الحميد السراج، ومصطفى حمدون، وميشيل المصري، ودريد المفتي..
من المؤسسين لهيئة الإمداد والتموين:
وبحلول عام 1959 وبعد أن تم كسر احتكار استيراد السلاح الذي كان قاصراً على المعسكر الغربي وحده، فتم التنوع في مصادر السلاح، من الكتلة الشرقية وكانت تتزعمها الاتحاد السوفيتي، وتم اعتماد الأسلوب والعقيدة الشرقية في القتال، وعلى هذا الأساس أعيد تنظيم أجهزة القيادة العامة للقوات المسلحة، ومنها سلاح خدمة الجيش إلى مسمى "تنظيم هيئة الامداد والتموين" بشكلها الحالي، وكانت تتشكل من الرئاسة وتتبعها ثمانية إدارات، وقد التحق المقدم أ.ح. نوال سعيد بالخدمة بإدارة الوقود.
بعد عودة نوال سعيد من البعثة في مايو 1962 عُيِّن مدرساً بمعهد الشئون الادارية، وقد استفاد من بعثاته السابقة في أمريكا وروسيا وأكسبها لتلاميذه.. وفي تلك الأثناء رُقّي إلى رتبة عقيد فى يوليو 1962.
في حرب اليمن:
سافر العقيد أ.ح. نوال سعيد إلى اليمن، وكانت حرب اليمن هي الاختبار الأول لهيئة الإمداد والتموين وإداراتها في مهمة تأمين القوات المصرية في مسرح العمليات باليمن، وشغل نوال سعيد هناك منصب رئيس شعبة إمداد وتموين العملية 9000 فى الفترة من أكتوبر 1962 إلى ديسمبر 1963، وفي تلك الأثناء حصل نوال سعيد على ترقية استثنائية فرقي إلى رتبة العميد بعد سنة من ترقيته إلى رتبة العقيد، كما شارك في التخطيط وإدارة أعمال التأمين الإداري والطبي للقوات المصرية باليمن..
ويعتبر نوال السعيد أن حرب اليمن هي فترة استثنائية للغاية نظراً لاختلاف طبيعة اليمن الجبلية ووعورة الطرق عن أي مكان آخر، وبالتالي فإن تعامل الإمداد والتموين مع ظروف الحرب هناك كان مختلفاً تبعاً لطبيعة المكان واختلاف مسرح العمليات عن أي مكان آخر.. إضافة إلى بُعد اليمن عن القاهرة، وازدياد عدد الجنود المصريين هناك من عام 1962 إلى عام 1963 بسرعة عالية، ثم تضاعفت الأعداد - فيما بعد- وزاد على ذلك قلة الموارد المحلية التي كان الجيش المصري يحصل عليها باليمن، فكانت باقي المهمات تنقل إلى اليمن بحراً وجواً..
بعد عودته من اليمن عين العميد أركان حرب نوال سعيد كبيراً للمعلمين بمعهد الشئون الادارية في أول يناير 1964، ثم في نوفمبر من هذا العام عين مدرساً للشؤون الإدارية بكلية القادة والأركان، بعدها حضر نوال سعيد الدورة الثانية بكلية الحرب والتي عقدت من اكتوبر 1966 وحتى أخر مايو 1967.. وقام بالتدريس فيها مدرسون روس يرافقهم المترجمون، وخلال هذه الدورة زار الكلية الفيلد مارشال برنارد مونتجومري، وألقى محاضرة بمناسبة مرور 25 عاماً على معركة العلمين 1942 وتمنى لو كان الفيلد مارشال روميل حاضراً ليعرض وجهة النظر الألمانية.
وفي حرب الاستنزاف عين العميد أركان حرب نوال سعيد لفرع التخطيط الإداري بهيئة الإمداد والتموين في الفترة من من يونيو 1967 حتي يناير 1970 وشارك فى إعداد خطط وأعمال التأمين الاداري في مرحلة الصمود والردع والاستنزاف، وقد رُقي إلى رتبة اللواء في الأول من يوليو عام 1968 وكان عمره 44 عاما، وكان أصغر اللواءات سناً في تاريخ القوات المسلحة -كما ذكرنا- كما حصل علي زمالة كلية الحرب العليا بأكاديمية ناصر العسكرية العليا عام 1969، ثم عين رئيساً لأركان هيئة الامداد والتموين من يناير 1970 حتي 16 مايو 1971، ثم رئيسا للهيئة من 16 مايو 1971 حتى عام 1975.
دور هيئة الإمداد والتموين في حرب أكتوبر 1973:
بدأت هيئة الإمداد والتموين بإداراتها المختلفة في تجهيز مسرح العمليات وإعداد الدولة للحرب فى شكل مشروعات مخططة وممتدة لفترات زمنية اعتباراً من ميزانية عام 1968، وقد ارتبط الإعداد الإداري ارتباطاً وثيقاً بفكر وهدف العمليات، وتم ذلك على ثلاث مراحل في الفترة من 1970 وحتى عام 1970، مرحلة الدفاع والصمود، ومرحلة الردع، ومرحلة حرب الاستنزاف، وبعد انتهاء حرب الاستنزاف عام 1970 إثر قبول الرئيس جمال عبد الناصر لمبادرة روجز ثم الدخول في مرحلة اللاسلم واللاحرب، وفي تلك الفترة تم الإعداد ليوم الكرامة وتحرير الأرض المحتلة، وكان العمل في كل أجهزة القوات المسلحة يتم على قدم وساق، وتم التدريب المكثف على خطة العبور، ونجحت الهيئة في تهيئة كل الظروف ولم تتعثر في مرحلة ما حتى تم النصر المؤزر في حرب أكتوبر 1973، وفي الأيام الأولى للحرب لم يكن هناك تحميل كبير على الإمداد والتموين، لأن كل شيء كان معداً ومجهزاً بدقة، كتخزين وانتشار وتعبئة وامداد ونقل، وعلى عدة انساق سواء النسق التكتيكى، أو النسق التعبوى..
وكانت أكثر إدارات الهيئة اتصالاً بالقتال: التعيينات، والمهمات، والمياه، والوقود، والنقل، والخدمات الطبية، وكان قوة الهيئة أكثر من مائة ألف مقاتل أي 10 % من قوة الجيش المصري، من مستوى الكتيبة وحتى مستوى القيادة العامة.
وقامت هيئة الإمداد والتموين بدور بطولي خارق أثناء حرب أكتوبر 1973، بالمحافظة على إمداد الجيش المستمر بكل وسائل الإعاشة والقتال من غذاء وكساء وماء ووقود وأسلحة وذخيرة وخدمات طبية دون توقف مهما كانت الصعوبات والتحديات بمنتهى المرونة والقدرة على الابتكار لمواجهة أصعب الظروف وساعدت هذه العوامل قدرة قواتنا على الاستمرار فى القتال وتحقيق المعجزات الخارقة للقدرات البشرية على القتال المعتاد..
واستمر اللواء أركان حرب نوال سعيد رئيساً لهيئة الإمداد والتموين حتى شهر مايو عام 1975، ثم عين رئيساً لجهاز الخدمات للقوات المسلحة من 1975 وحتى سن التقاعد عام 1984، ولم يخلد إلى الراحة أو الدعة، وكان محباً لمصر ولجيشها العظيم.. فقام بإلقاء المحاضرات وعمل الدورات التدريبية ونقل خبراته فى كلية القادة والأركان التي عمل مستشاراً لها من عام 1996، وحتى وفاته عام 2014.
وقد حصل اللواء أركان حرب نوال سعيد على العديد من مظاهر التكريم خلال مدة خدمته بالقوات المسلحة التي استمرت ثلاثة وثلاثين عاماً، فقد حصل علي أكثر من عشرين وساماً ونيشان، أبرزها: وسام الاستحقاق السوري من الدرجة الثانية (بمناسبة الوحدة بين مصر وسوريا) برتبة بكباشى أ ح فى 20 فبراير 1958، ونوط الترقية الاستثنائية الى رتبة عميد أ. ح في حرب اليمن في يونيه 1963، ونوط الجمهورية العسكري من الطبقة الأولى (بمناسبة انتهاء الخدمة بهيئة الامداد والتموين) في 24 يونيه 1975.
------------------------
بقلم: أبو الحسن الجمال
* كاتب ومؤرخ مصري