08 - 05 - 2025

بيت جدتي !

بيت جدتي !

بمناسبة هدم قصر « توفيق باشا أندراوس» بالأقصر ، كتبت قبل عدة أعوام أنني تذكرت رحلة لي في ميامي عام ١٩٨٤، حين اشتركت في برنامج سياحي لزيارة معالم المنطقة..

وكانت المرشدة السياحية سيدة طاعنة في السن ، وفي إحدي المشاهد أبتعدت عن المجموعة كي أستمتع بتنوع ألوان الزهور في حديقة قصر منيف ، بينما كانت المرشدة تشرح تاريخ " فازة " ضخمة كان صاحب القصر قد استوردها من إيطاليا ، وفوجئت بها تناديني غاضبة لأنني ابتعدت وهي تقول مؤنبة لي :" هل تعرف كم يبلغ عمر هذه الفازة .. عمرها 200 عاما" ، أجبتها بإقتضاب أن بيت جدتي عمره يزيد عن 200 عاما ، فسألتني مندهشة من أي بلد أنت ، فقلت لها مبتسما " من مصر " ، فأشاحت بيدها معتذرة وهي تقول " اذهب حيث تشاء ، عندك حق ، مصر حالة مختلفة " .

وفي الأتوبيس عند العودة حرصت أن تجلس إلي جواري كي أحكي لها عن بيت جدتي الذي يزيد عمره عن مائتي عاما ، ورويت لها عن بيوت وشوارع ومساجد وكنائس وأزقة اعمارها تناطح آلاف الأعوام ..

أن ما يحدث من هدم لبعض المباني العتيقة في مختلف المناطق، وخاصة في القاهرة الإسلامية هو تجريف لا يقتصر علي الماضي ، وإنما المخيف أنه يشتمل علي الحاضر ، ويزحف إلي المستقبل .

أنه اعتداء علي جزء من هويتنا الثقافية ، ومحو لبصمة تاريخية تذكارية تفخر بها أمم أخري ، لقد مشيت في شوارع وحواري ضيقة في مدن أوروبية عتيقة ، حافظوا فيها علي سمتها الموروث عبر القرون ، ولم يشتك أحد من ضيق المرور أو اقترح مطور عقاري الإعتداء علي ذلك الموروث التاريخي .

أرجو الحفاظ علي ثرواتنا العقارية التاريخية ، فقد يأتي السياح ذات يوم كي يتفرجوا علي بيت الجدة !! .
-----------------------------------
بقلم السفير: معصوم مرزوق
مساعد وزير الخارجية السابق


مقالات اخرى للكاتب