20 - 04 - 2024

الشعب عماد التغيير والنهضة في الفهم الثوري لصحيح الإسلام 2 - 2

الشعب عماد التغيير والنهضة في الفهم الثوري لصحيح الإسلام 2 - 2

(أرشيف المشهد)

19-1-2015 | 16:52

الغرض هنا تلمس بدايات للفهم الثوري التحرري للإسلام، الذي اعتبره روح الإسلام الحق، بما يؤسس لمرجعية إسلامية تحتضن غايات الثورة الشعبية العظيمة وتعمل من أجل نيلها. ومن قبيل إرجاع الفضل لأهله، فقد اهتديت في كتابة هذا المقال بكتابات للمفكر الشيعي المستنير، والمناضل الثوري الإيراني علي شريعتي (1933-1977). ومن يتمعن في الأفكار الواردة فيما يلي فسيجد مقومات متينة للتقارب بين الفكر السني والشيعي في الإسلام حول فهم ثوري للإسلام يضع الشعب في موقع الصدارة من التغيير والنهضة في المجتمع، وهو أمر يسير متى التزم المفكر بروح قويم الإسلام. ويتفرع عن هذا الفهم خطل العداء الذي ينشره غلاة السلفيين المتشددين للشيعة في معاركهم السياسية الزائفة التي يشنون على ساحة بسطاء العامة، موهمين بخطر التشيع.

1- الإسلام تحرر من العبودية لغير الله

يقصد بالحرية قدرة الإنسان على فعل شيء أو تركه بإرادته الذاتية، بعيداً عن أي قهر أو إجبار من آخرين، بل يأتي الأمر راضياً غير مجبر، مختاراً غير مكره.

وقد بلغ من تعظيم الإسلام لشأن الحرية أن جعل السبيل إلى إدراك وجود الله تعالى والإسلام له هو العقل الحر، غير المتأثر بقوى خارجية قاهرة، كالخوارق والمعجزات. قال تعالى:"لَا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ قَدْ تَبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِّ فَمَنْ يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِنْ بِاللَّهِ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَىٰ لَا انْفِصَامَ لَهَا وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ" (البقرة 256). إن نفي الإكراه في الدين، هو أعلى درجات حرية الإنسان في الإسلام. 

كذلك يظهر إعلاء مفاهيم الحرية في الإسلام في توحيد الله عز وجل، حيث تتحرر النفس البشرية والعقل الإنساني من القيود الوثنية وعبادة الفرد لغير الله. فالحرية في الإسلام نقيض العبودية، وضد الرق والوثنية والظلم. ولذا قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه لعمرو بن العاص رضي الله عنه": متى استعبدتم الناس وقد ولدتهم أمهاتهم أحرارا". وقال علي بن أبي طالب رضي الله عنه: "لا تكن عبد غيرك وقد جعلك الله حرا".

هكذا بدأ الإسلام بتحرير الإنسان من داخله، فحرره من العبودية لغير الله، وجعل العبودية لله وحده، ووفق ذلك لا يهون الإنسان ولا يذل ما دامت عزته بالله. فالحرية هي أساس عزة المؤمنين المستمدة من عزة الله سبحانه وتعالى، وفي ذلك يقول الله عز وجل: "وَلِلهّ العِزَّة وَلِرَسُولِه و للمؤمِنِينَ وَلَكِنَّ المُنَافِقِينَ لَا يَعلَمُونَ" (المنافقون، 8). 

2- الإنسان خليفة الله في الأرض، وهو مخلوق ذو بعدين 

في البدء، "قال ربك للملائكة إني جاعل في الأرض خليفة" (البقرة،30). ومن هنا تبرز رسالة الإنسان العظيمة حسب الإسلام، فالإنسان يؤدي رسالة الله وينوب عنه، فهو ممثل الرب وخليفته في الأرض. 

ولعل الفضيلة الرئيسية للإنسان هي تحمله لعبء الأمانة الإلهية التي عرضها الله على جميع الموجودات فرفضوا جميعا تحملها، إلا الإنسان. والمقصود بالأمانة هي الإرادة أو القدرة على الاختيار. فالإنسان هو المخلوق الوحيد الذي يملك حرية الإرادة حتى يستطيع التصرف خلافا لغرائزه الطبيعية، في حين نرى الجماد محكوما بقوانين ثابتة والنبات والحيوان أسيرة غرائزها بالكامل. أما الإنسان فقادر على تحدي الطبيعة التي خلق فيها والفعل فيها إنفاذا لغرض الله من خلقه.

إن امتلاك الإرادة هي أهم ميزة في الإنسان وهي التي تشير إلى الصلة بين الإنسان والله باعتبارها أهم التجليات عن بعض روح الله التي اودعها في الإنسان، حيث ينبؤنا القرآن أن الباري عز وجل خلق كائنا من طين، ثم نفخ فيه من روحه، فكان الإنسان.

وهكذا أصبح الإنسان مخلوقا يجتمع فيه نقيضان: الطين، النازع للحضيض، وبعض من روح الله، أرقى ما في الوجود، النازع للعلياء ناشدا االرقي ولكمال. والمسافة الشاسعة التي تفصل بين هذين النقيضين هي مجال فعل إرادة الإنسان ونطاق حركته التي إما تنزع إلى الدرك الأسفل أو تسمو إلى العُلى. من خضم هذا الصراع الدائر بين النزعتين داخل الإنسان تتبلور إرادة الإنسان وحركته، وتقرران مصيره ومآله في مسئوليته أمام خالقه.

3- الله والناس قطبا الوجود

ليس صدفة أن يبدأ التنزيل العزيز بالكلام عن الله في فاتحة الكتاب وينتهي بالحديث عن الناس، صيغة الجمع للإنسان. عامة الناس، من دون أي تفرقة طبقية او عنصرية أو أي خصوصية أخرى.

فالقرآن يختتم بسورة الناس: "قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ * مَلِكِ النَّاسِ * إِلَهِ النَّاسِ" [الناس: 1-3].

وفيها يصف العلى القدير نفسه بأنه رب الناس، وملك الناس وإله الناس. فليس يعني الله في المجتمع البشري إلا الناس، وهو في الوقت ذاته ملكهم وربهم وإلاههم، الواحد الأحد. فالله لا ينشئ علاقة محورية إلا مع الناس. ليس مع الملوك أو العلماء أو أي نخبة أخرى، سواء اتصلت بالدين أو بأي سلطة دنيوية. ولهذا فليس في الإسلام كهنة أو كهنوت.

إن كلمة الناس لها معنى عميق ومدلول مميز في الإسلام. حتى أن لفظي الله والناس يكادا يكونا مترادفين في القرآن. فالكعبة "بيت الله" ولكن القرآن يطلق عليها ايضا "بيت الناس". وعندما يقال "الحكم لله" فإنما هذا يعني أن الحكم للناس، وليس لهؤلاء الذين يعتبرون أنفسهم، من دون أي تكليف إلهي، ممثلين لله على الأرض. وعندما يقال "الملك لله" فالمعنى هو أن كل المال للناس جميعا وليس لفئة محظوظة. وعندما يقال "الدين لله" فإنما هذا يعني أن بنية الدين بأكملها مكرسة للناس، وليست احتكارا تسيطر عليه مؤسسة ما أو افرادا بذواتهم ولو كانوا الأنبياء. فالأنبياء ليسوا إلا رسلا من الله للناس مسئولين عن تبليغ رسالة وليسوا مسئولين عن موقف الناس منها. الناس هم المسئولين عن موقفهم أمام خالقهم الذي نفخ فيهم من روحه. ولهذا فإن العلاقة بين الله والناس في الإسلام مباشرة من دون أي وسيط. وهذا هو سر عدم وجود كهنة أو كهنوت في الإسلام.

فالإنسان يحمل بعضا من روح الله، ما يضعه في مكانة أرقى من باقي المخلوقات، حتي الملائكة. "فَإِذَا سَوَّيْتُهُ وَنَفَخْتُ فِيهِ مِنْ رُوحِي فَقَعُوا لَهُ سَاجِدِينَ" (الحجر، 29).

الناس إذا خلفاء الله في الأرض ويحملون بعضا من روحه. وهذه النفحة الإلهية للإنسان تمنع استعباده من قبل أي أحد غير الله وتعطيه حرية الإرادة.

ولهذا، فإن الناس في الإسلام مسئولين كافراد، ومن ثم كجماعة، عن تعيين مصيرهم فكل نفس "بما كسبت رهينة"، "لها ما كسبت ولكم ما كسبتم". 

وبناء عليه، فإن الإنسان، الفرد والمجتمع الإنساني، مسئولان عن اعمالهما ويقرران مصيرهما، وهما مسئولان امام الخالق عن ذلك التكليف-الأمانة.

4- الناس صناع التاريخ والنهضة، والمعرفة سبيلهم إلى ذلك

منطقي في ضوء ما سبق أن تكون الجماعة التي يخاطبها الإسلام ويتوجه إليها كل نبي هي المسئولة في نظر الإسلام عن حركة التاريخ. 

وعلى حين خاطبت الأديان الدنيوية ذوي السلطان، فإن الأديان الإبراهيمية جميعا خاطبت عامة الناس عن طريق رسل الله. فالله يخاطب الناس، والرسل مبعوثون للناس من أجل الهداية وصلاح البشرية، وهم الناس مسئولين عن أفعالهم، مباشرة أمام لله خالقهم. 

ومن هنا يسهل أن نستخلص أنه في منظور الإسلام، فإن عامة الناس أو الشعب هم المكلفين بالتغيير في المجتمع وبصناعة التاريخ. ليس الملوك، وليس العظماء والقادة، وليس أي نخبة مختارة ما أيا كان معيار اختيارها، وبالتأكيد ليس رجال الدين، فليس في الإسلام كهنة أو كهنوت، وإن ادعى البعض أنهم "دعاة". 

وصحيح أن المجتمع، كما الطبيعة، يسير وفق الإسلام حسب سنن معينة تشكل ركائز للحياة على الأرض. ولكن هذا لا يعني حتمية جبرية تحدّ من إرادة الإنسان. فالقرآن الذي يقر بأن المجتمع كائن حي يسير وفق سنن منتظمة لم ينف مسئولية الإنسان في حركة المجتمع. فالإنسان مسئول عن معرفة تلك السنن وعن تسخيرها لمصلحة كامل المجتمع. ولكن بأي وسيلة؟ بمعرفته بها. 

ففي القرآن الكريم أن أمر العليم الحكيم الملائكة بالسجود لآدم بعد أن أعطاه مفاتيح المعرفة، رغم أن آدم خلق من طين والملائكة من نور" :وعلّم آدم الأسماءَ كلها ثم عرضَهُم على الملائكة فقال أنبئوني بأسماء هؤلاء إن كنتم صادقين. قالوا سبحانك لا علمَ لنا إلا ما علّمتنا إنّك أنت العليمُ الحكيم. قال يا آدم أنبئهم بأسمائهم، فلمّا أنبأهم بأسمائهم قال ألم أقل لكم إني أعلم غيبَ السماواتِ والأرض، وأعلم ما تُبدون وما كنتم تَكتمون" (البقرة، 31-33).

وهكذا يبيّن لنا القرآن كيف ان مكانة الإنسان تنبع من المعرفة حيث يعترف لآدم بالأفضلية على الملائكة، رغم أفضلية عنصرهم، فهو خلق من طين وهم من نور. أي أن الأفضلية في المخلوقات جميعا تتوقف على العلم والمعرفة، وليس على الجنس أو العرق. ورغم الخلق من طين، إلا ان قدرة الإنسان على المعرفة تستمد من بعض روح العلي القدير الذي نفخ فيه.

ولذلك فإن لدى الإنسان، متوسلا المعرفة، حرية الاختيار والإرادة للتدخل في تلك السنن الكونية عند العلم بها واكتساب المعرفة عنها، بما يمكنه من من ان يخطط ويضع اسسا لمستقبل أفضل للفرد وللمجتمع.

من ناحية يوجدالإنسان (الإرادة والاختيار) ومن ناحية ثانية هناك المجتمع (وفيه بعض من السنن الثابتة). والجمع بينهما هو عماد الخليقة. الإنسان حر في عمله واختياره، ومسئول عن عواقبهما، وهو مجبر في ممارسة هذه الحرية على أن يحترم السنن والنواميس المنظمة للمجتمع والطبيعة التي عليه واجب المعرفة بها وقدرة التدخل فيها باعتباره خليفة الله في الأرض. 

ومصداقا لذلك يخبرما العلي القدير في التزيل الحكيم: "إِنَّ اللَّهَ لا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنفُسِهِمْ" [الرعد:11]

5- استخلاص: الديمقراطية الشعبية 

إن كان جوهر الديمقراطية هو حكم الشعب بالشعب ومن أجل صالح الشعب فإن قصرها على نتائج صندوق الانتخاب وحده في مرحلة زمنية معينة ينطوي على قصور فادح. 

من ناحية، هذا فهم قاصر للديمقراطية بالمعني المعاصر، الذي يعتبر صندوق الانتخاب واحدا من الآليات الإجرائية للتعبير عن الرأي العام، وباعتباره مكونا من نسق قيمي ومؤسساتي متكامل، لا يحجر على الناس في صناعة التغيير.

وهكذا، في المنظور التاريخي، ووفق صحيح الإسلام، يمكن أن يكون الفعل الثوري الشعبي أحد أهم آليات الديمقراطية، ولو بالخروج على حكم منتخب بواسطة صندوق الاقتراع. وهذا هو منطق الفهم الثوري لقويم الإسلام.

مقالات اخرى للكاتب

والذكرى تنفع الثوار





اعلان