تابعت على مدى شهور تصريحات فضيلة الإمام الأكبر الدكتور أحمد الطيب، شيخ الأزهر، وبيانات مؤسسة الأزهر الشريف بشأن العدوان الصهيوني، الذي أودى بحياة أكثر من 50 ألف شهيد ومئات الآلاف من الجرحى والمصابين إصابات مستديمة، والمفقودين تحت الأنقاض، وخسائر بعشرات المليارات من الدولارات.
تصريحات شيخ الأزهر، جاءت كلها تعبر عن موقف رجل مسؤول ومواطن مصري عربي مهموم بقضايا وطنه وأمته وقومه، علاوة على موقعه على راس أكبر مؤسسة إسلامية سنية في العالم
وفي هذا المقال ومقال آخر، نحاول أن تقرأ فيما أعلنه شيخ الأزهر من مواقف، لم يصدر نظير لها من أي مؤسسة رسمية، او دولة أو منظمة محلية أو عربية أو إقليمية أو دولية، ليقف في خانة مختلفة عن الجميع، وهو ما أسهم في احترامه وإجلاله.
لم يترك شيخ الأزهر مناسبة أو لقاء إلا وعبر خلاله عما يحدث من إبادة وتدمير لشعب فلسطين، وما بعده في لبنان، وما هو قادم قد يكون أفظع وأكثر إيلاما في ظل حالة صمت من الجميع.
وتصريحات الدكتور الطيب، وكانت واضحة بشأن ملف القضية الفلسطينية، خلال استقباله الدكتور القس أندريه زكي، رئيس الطائفة الإنجيلية بمصر، ووفد مجلس كنائس جنوب إفريقيا والكنائس الأمريكية، برئاسة الدكتورة القس ماي إليس كانون، المديرة التنفيذية لمنظمة "كنائس من أجل السلام في الشرق الأوسط"، والأسقف مالوسي مبوملوانا، الأمين العام لمجلس كنائس جنوب إفريقيا؛ لمناقشة تأسيس تحالف القيادات الدينية للمطالبة بإقامة الدولة الفلسطينية.
اختار شيخ الأزهر كلماته بدقة، مؤكدا أن القضية الفلسطينية والعدوان على غزة ولبنان كشف للعالم ظاهرةً جديدةً يمكن تسميها بالانفصام السياسي، التي أبرز معالمها النفاق العالمي الذي تمارسه الدول الكبرى بالمطالبة بوقف العدوان على غزة والتباكي على شهداء غزة من الأطفال والنساء،
وهذا يتناقش كليا مع مواقف تلك الدول، حيث تستمر في تصدير السلاح والمتفجرات، ودعم الكيان الصهيوني لمواصلة عدوانه الإرهابي، وقتل المزيد من الأبرياء، وهؤلاء الذين يمارسون هذا النفاق العالمي من صنَّاع القرار السياسي العالمي؛ لا يريدون بحال من الأحوال تحقيق سلام عادل، أو نصرة المستضعفين في غزة ولبنان.
وفقد كل هؤلاء الإحساس بالضعفاء، ومات ضميرهم، ويوجهون العالم في اتجاه معاكس لاستعادة عصر العبيد وسياسة الاستعباد، مشددًا على أن حضارة العصر الحديث تحاول إقصاء الدين الإلهي وإبعاده عن حياة الإنسان، وأن عالم اليوم تقوده مجموعة متبلدة المشاعر لا قلب لها.
شيخ الأزهر لم يخف كرهه للصهاينة، ومَن خلفهم ومَن يعاونهم هم ظلمة معتدون، وأن الله - جل وعلا - يمهل لهم ليطبق فيهم قول رسوله (ص) ولكن سيظل الله هو العدل، وفي ذات الوقت فإن عالمنا العربي والإسلامي قصر كثيرًا في إعداد نفسه لمواجهة هذه التحديات المعاصرة، وانشغل بما مرره أعداؤه له من تحديات مذهبية وفتن طائفية.
ونتخيل لو امتلك الشعب الفلسطيني واللبناني واحدًا بالمائة مما يملكه الكيان الصهيوني من سلاح وعتاد، بالفعل ما جرؤ هذا المحتل على التعامل بهذا الشكل غير الإنساني.
وجاءت تصريحات شيخ الأزهر امتدادا لمواقفه على مدى أكثر من عام، فمنذ عملية طوفان الأقصى، فقد أكد أن ما يمارسه الاحتلال الإسرائيلي الغاشم في غزة من قصف مكثف وقتل وقطع الكهرباء والإنترنت وتدمير لكل مظاهر الحياة وحجب كل مصادر الحقائق والمعلومات حول ما يحدث من مجازر وجرائم وحشية.
ولم يتخلّ شيخ الأزهر عن مسؤوليته على رأس مؤسسة كبرة، فقد رحَّب شيخ الأزهر بقرار مجلس الأمن في نهاية الربع الأول من 2024، بوقف إطلاق النار في قطاع غزة وطالب بمضاعفة الجهود للتوصل إلى وقف دائمٍ لجرائم الكيان المحتل، كمار رحب لاحقا بإعلان النرويج وأيرلندا وإسبانيا الاعتراف بالدولة الفلسطينية.. ويشجع باقي الدول لاتخاذ خطوات مماثلة.
وفي مناسبة دينية، قال "إن تعاملنا مع قضية فلسطين والقدس الشريف لا يعكس حجم ما أنعم الله به علينا من ثروات بشرية وطبيعية هائلة، ومن طاقات جبارة لا تنفد، ومن عقول خلاقة في كل ميادين الحياة المعاصرة.
وجاء تعبير مهم لشيخ الأزهر عندما وجه حديثه للقادة العرب قائلا "رد العدوان عن إخوتنا في فلسطين واجب ديني وشرعي ومسؤوليتكم أمام الله"، بل طالب سفارات الدول الإسلامية والعربية بالتعريف بقضية المسلمين والعرب والأولى وهي القضية الفلسطينية وفضح الانتهاكات التي يتعرض لها الأبرياء في قطاع غزة المحاصر وبيان الموقف العربي والإسلامي الداعم لحقوق الشعب الفلسطيني الصامد.
حالة التشتت والضعف التي أصابت أمتنا العربية أفقدتها توازنها وقدرتها على مواجهة أزماتها المتلاحقة، ومن يتدبر الوضع العربي الحالي يُصاب بألمٍ شديد لما آل إليه حال عديدٍ من بلادنا ليس في فلسطين ولبنان فقط، بل في دول عديدة، وفي ظل هذا الخذلان لن يستطع عالمنا العربي استعادة قدراته للنهوض والتقدم..
حقا هذا واقع مرير شيخنا الكبير.
------------------------------------
بقلم: محمود الحضري