23 - 05 - 2025

عرفت هؤلاء من أبطال حرب أكتوبر 1973 | اللواء مصطفى عفيفي.. بين الحرب والتنمية

عرفت هؤلاء من أبطال حرب أكتوبر 1973 | اللواء مصطفى عفيفي.. بين الحرب والتنمية

علم من أعلام العسكرية المصرية- مصنع الأبطال وعرين الوطنية في كل العصور- اللواء أركان الحرب مصطفى محمد عفيفي، الذي أبلى بلاءً حسناً منذ أن تخرج في الكلية الحربية في الدفعة (43) حربية عام 1962 في سلاح المشاة، وحتى تقاعد في أرفع المناصب عام 1997، وهو من الضباط الكبار الذين كانت لهم جهود ملموسة في الجيش وفي التنمية أيضاً عندما تولى محافظة جنوب سيناء، وظل في منصبه هذا قرابة تسعة أعوام ونصف.. وترك بصمة في هذه المحافظة ودرتها مدينة "شرم الشيخ" وصارت مقصد السائحين والسياسيين من كل أنحاء العالم.. كانت تعقد فيها المؤتمرات السياسية والاجتماعية لعبقرية مكانها، والتغيير الذي أوجده المحافظ مصطفى عفيفي، وهو في هذا يشبه الفريق يوسف عفيفي الذي نحت في الصخر حتى حول مدن البحر الأحمر ودرته مدينة "الغردقة" جنات عدن يؤمها الخلائق من كل مكان.

عرفت اللواء مصطفى عفيفي من خلال أعماله في الجيش وفي الحكم المحلي.. واقتربت منه أكثر بعدما التقيت ابنه الدكتور أحمد عفيفي، الخبير العالمي في مجال الدواء، والذي قص لي الكثير عن حياة أبيه ونشأته والتحاقه بالكلية الحربية ومشاركته في حروب مصر في اليمن وفي 1967، وفي حرب الاستنزاف وفي حرب أكتوبر ثم واصل المسيرة وتولى المناصب الرفيعة. 

ولد مصطفى محمد عفيفي في 23 يناير 1943 في حي سموحة بمدينة الإسكندرية لأب كان يعمل مديراً في سكك حديد مصر بمحافظة الإسكندرية، ومازال منزل الأسرة موجودا إلى الآن في منطقة سموحة، توفيت والدته وهو في سن الحادية عشرة بعد أن تركت له ثمانية أولاد كانت أصغرهم في سن الثامنة وهي السيدة أميمة متعها الله بالصحة والعافية، وقد رفض الأب أن يتزوج مرة أخرى، وتفرغ لتربية أولاده الذين تعلموا تعليماً عالياً، ووصلوا إلى مناصب رفيعة في الشرطة والجيش والأعمال الأخرى، ومن أولاده نذكر: اللواء شرطة كمال محمد عفيفي، والعميد أ.ح. سمير عفيفي، ومحمود عفيفي وكان مديراً لأحد البنوك، ومن البنات: آمال، ونعمات وأميمة.

 نشأ مصطفى عفيفي وتعلم في مدينة الإسكندرية الساحرة؛ حيث عبقرية المكان والزمان، هذه المدينة الكوزموبوليتانية - ابنة التاريخ- فهي عنوان التسامح وتنوع المعرفة والحضارة منذ أسسها الإسكندر الأكبر في القرن الثالث قبل الميلاد وبها الآثار الجميلة من كل العصور، وأرض المتاحف الفريدة والعريقة، وحاضنة المعابد اليهودية والكنائس القبطية والمساجد الإسلامية، وبيت مكتبة الإسكندرية العالمية، درة التاج قديمًا وحديثًا وأبدًا، ومتحف آثارها وروائعه الأثرية والفنية البديعة الجميلة الفريدة. وقد حباها الله موقعا جميلا ساحرا يحتضن البحر ويمنحه الدف والعشق، فقد وقع في عشقها كل من زارها وعاش بها واتخذها مقاما.. وكان يوجد بها أجانب من أصول عربية وتركية وأوروبية، مثل يهود إسبانيا وفرنسا، واختلط مع هؤلاء الكثير من التجار والسياح والبحارة وغيرهم من فرنسيين وألمان وأسبان ومجريين وهولنديين وبلجيك (فلمنك) وبرتغاليين وروس ونمساويين، بالإضافة لليونانيين.. كل هذه العوامل أثرت في قائدنا اللواء مصطفى عفيفي. 

تعلم مصطفى عفيفي في مدارس الإسكندرية في كل المراحل الإبتدائية والإعدادية والثانوية وكان يبز أقرانه في كل هذه المراحل، وعندما حصل على الشهادة الثانوية عام 1960 التحق بكلية طب الأسنان بجامعة الإسكندرية، ومكث بها أسبوع بعدما تم قبوله بالكلية الحربية، وكان الزخم الثوري يسيطر على كل نفس، الكل يتسربل بالوطنية وبالانتماء إلى مصرنا المجيدة بعد عشرة سنوات من قيام ثورة 23 يوليو 1952 التي أعادت الروح للوطن.

وتعلم مصطفى عفيفي في الكلية الحربية الضبط والربط والحزم من أساتذته، وأشهرهم: اللواء محمد فوزي مدير الكلية الحربية، والنقيب حسين طنطاوي، وغيرهم وكل منهما قد وصل إلى منصب القائد العام للقوات المسلحة بعد ذلك. 

تخرج مصطفى عفيفي برتبة ملازم في الدفعة (43) عام 1962 ومن مشاهير دفعته: اللواء أ.ح. سعد حسن أبو ريدة رئيس هيئة العمليات ومحافظ البحر الأحمر الأسبق، وبطل الصاعقة اللواء علي عثمان، والعميد أ.ح ماجد محمد مندور بهيئة عمليات القوات المسلحة والذي لقى حتفه مع المشير أحمد بدوي في مارس 1981.

بعد تخرجه حصل على الفرقة الأساسية بمدرسة المشاة ثم انضم إلى وحدة مشاه سافرت إلى اليمن للاشتراك في القوات التي أرسلتها مصر لمناصرة ثورة اليمن ضد الاستعمار وذيوله من الرجعيين وقد ساهمت مصر في انتصار الثورة هناك وانتشال اليمن من العصور المتخلفة السحيقة، وهناك استفاد خبرة في حروب الجبال والعصابات هناك، وهناك تعرض للفقد أثناء عملية الربيع التي قادها المشير عبد الحكيم بنفسه، وكان والده يذهب يومياً إلى وزارة الحربية للسؤال عنه وفقد الأمل في عودته ولكنه عاد بعد شهر عام 1964.

 وعندما اندلعت حرب يونيو 1967 كان قائداً لسرية مشاه بإحدى كتائب المشاة بالجيش الثالث الميداني، هذه الحرب التي لم تعط الفرصة للمقاتل المصري أن يحارب، وحدثت فوضى وهرج بين الوحدات والقيادة التي أمرت بعد بدء الحرب بالانسحاب إلى غرب القناة دون وجود خطة للانسحاب، فكان هذا سببا في تعرض القوات والمعدات للقصف من جانب العدو ومن طيرانه الذراع الطويلة، وتعرض الملازم أول مصطفى عفيفي للأسر من قبل القوات الصهيونية.. ولما عاد من الأسر شارك في حرب الاستنزاف وتم تكبيد العدو المتغطرس الذي شعر بزهو النصر الخاطف الذي حققه في 5 يونيو، وظن العالم أن هذه النهاية لمصر وجيشها العظيم، ولكن ساء ظن الجميع بعد أقل من شهر عندما تصدت سرية صاعقة من الكتيبة 43 صاعقة لجحافل الجيش الإسرائيلي المدعم جو وبرا وبحرا .. وأوقعت بها هزيمة منكرة في معركة رأس العش في الأول من يوليو 1967، وبعد أسبوعين أغار الطيران المصري بقيادة الفريق مدكور أبو العز، في أعماق سيناء وقصف أهداف العدو، ثم إغراق المدمرة إيلات قبالة شواطيء بورسعيد، ثم في فترة وجيزة أعيد تنظيم وتشكيل القوات المسلحة بقيادات جديدة محترفة أمثال: الفريق أول محمد فوزي القائد العام للقوات المسلحة، والفريق عبد المنعم رياض رئيس الأركان، وتم تسليح الجيش بأسلحة جديدة تطلب تجنيد المؤهلات العليا لإستيعاب التعامل مع الأسلحة الحديثة، والحق يقال التحضير لحرب أكتوبر قد بدأ مع انتهاء حرب يونيو بعزم الرجال، وتجاوز الفترات الحرجة. 

شارك الرائد مصطفى عفيفي في حرب 1973 وكان يشغل رئيس عمليات إحدى كتائب المشاة بالفرقة 19 مشاه، وكانت من أوائل الوحدات الفرعية التي عبرت في الموجات الأولى لعبور قناة السويس وتدمير خط بارليف ونقاطه الحصينة التي ظن العدو أنها منيعة على الاقتحام.. وشاركت كتيبته في اقتحام حصن عيون موسى يوم 9 أكتوبر 1973، وهو أحد النقاط الحصينة لخط بارليف، وكان الموقع مصدر قلق للسويس ولقوات الجيش الثالث ، حيث كان يطلق العدو حمم مدافعه منه، وهذه المنطقة حيوية، لأنها تسيطر على منطقة البترول «الزيتيات»، وسلح جيش الاحتلال هذه النقطة بـستة مدافع عيار 155مم بعيدة المدى، ودبابات باتون وكانت غرف المدافع مكونة من خرسانة سميكة مغطاة بطبقة من الصلب وتعمل جميعها كهربائياً وكانت تقذف مدينة السويس.. وقد استولت عليه القوات المصرية سليماً بنسبة 100٪ فكانت أسلحته صالحة للاستخدام، ونفذت العديد من الهجمات المضادة فى محاولة لاستعادتها وكلها فشلت بالرغم من مواقع الاسلاك والألغام وعناصر الإنذار حول هذا الموقع ووسائل الإعاشة الكاملة التي تكفى من فيها لمدة ثلاثين يوما.

وهكذا أبهر الجندي المصري العالم كله وغيرت الحرب العديد من المفاهيم العسكرية بعد سنوات من التدريب الشاق بأقل الأمكانيات المتاحة في هذا التوقيت وردت الروح إلى مصر. 

بعد انتهاء حرب أكتوبر التحق المقدم مصطفى عفيفي بكلية القادة والأركان، وعندما حصل على دورتها عين رئيساً لعمليات أحد ألوية المشاة، ثم تولى قيادة كتيبة مشاة، فرئيساً لعمليات فرقة مشاة، فرئيساً لأركان اللواء الخامس التابع للفرقة 19 مشاه بالجيش الثالث الميداني، فقائداً له، ثم عين رئيساً لأركان الفرقة 23 مشاه ميكانيكي بالجيش الثالث الميداني فقائدا لها، ثم عمل بعد ذلك رئيساً لأركان الشرطة العسكرية أثناء حرب الخليج الثانية وتحرير الكويت وكان للشرطة العسكرية دورها في تنظيم تحرك المعدات والأسلحة والمركبات والأفراد.. 

وعندما عاد عين رئيساً لأركان المنطقة الغربية العسكرية وكان قائدها زميل دفعته اللواء أ.ح سعد حسن أبو ريدة، وعندما عُيِّن أبو ريدة قائداً للجيش الثاني الميداني خلفه اللواء عفيفي في قيادة المنطقة الغربية العسكرية، وظل بها حتى عين رئيس هيئة التدريب بالقوات المسلحة، ثم قائداً للحرس الجمهوري.. 

محافظاً لجنوب سيناء- تجربة لن تنسى: 

 بعد تقاعد اللواء أ.ح. مصطفى عفيفي أرادته القيادة السياسية أن يكمل في مسيرة التنمية، فعُيِّن محافظاً لجنوب سيناء في ٩ يوليو ١٩٩٧ واستمر في منصبه حتى يناير ٢٠٠٦. كان خلالها شعله نشاط، فعمل على تنمية السياحة في المحافظة، وصارت من الأماكن العالمية التي يقصدها السائحون من كل مكان في العالم، وعمل على تنمية مدن المحافظة مثل: شرم الشيخ واستطاع أن يجعل منها مركزا ومنارة للعالم، وقام بإحداث نقله نوعية لمحافظة جنوب سيناء جعلت الرئيس الأسبق محمد حسنى مبارك يتمسك به ليكون من أكثر رجال تلك المرحلة استمرارًا كمحافظ لجنوب سيناء، كما عمل على تنمية المدن الأخرى مثل: دهب، ونويبع، وحظيت سياحة السفاري بالمحافظة على اهتمام اللواء عفيفي، كما عمل على الارتقاء بالأماكن الأثرية مثل قلعة صلاح الدين وتطوير المحميات الطبيعية.. 

وفي لمسة وفاء من محافظة جنوب سيناء ومحافظها اللواء أركان حرب خالد فودة وافق المجلس التنفيذي لمحافظة جنوب سيناء في اجتماعه يوم السبت22 أغسطس 2022 برئاسته على إطلاق اسم اللواء مصطفى عفيفي على أحد شوارع المحافظة، وفاءً لما قدمه خلال توليه منصب المحافظ.

وقال اللواء فودة: "إن اللواء مصطفى عفيفي خدم في جنوب سيناء لمدة ٩ أعوام ونصف العام تقريبًا، قدم خلالها العديد من الإنجازات على أرض المحافظة، مشيرًا إلى أنه سيتفقد بنفسه الشوارع المقترحة لإطلاق اسم المحافظ الأسبق على أحدها".

ورحل اللواء مصطفى عفيفي في يوم 21 مارس سنة 2021 عن عمر ناهز الثمانين عاما.
------------------------
بقلم: أبو الحسن الجمال
* كاتب ومؤرخ مصري