أكتب إليكم اليوم بكلمات من القلب، محملة بكل مشاعر الغضب والإحباط. أكتب لأنني أرى مصر تُباع أمام أعيننا، تُسلب من بين أيدينا، وأكتشف أن ما يُسمى بالإصلاحات وخصخصة القطاع العام ما هي إلا مسميات براقة لتدمير كل ما تبقى من حقوقنا ومواردنا.
إن ما يحدث الآن في مصر ليس إصلاحًا، بل هو أكبر عملية نهب منظم للموارد المصرية. في كل مرة نسمع عن "إصلاحات اقتصادية"، نجد أننا ندفع الثمن من كرامتنا وحقوقنا. ما يُسمى بـ"الخصخصة" لا يعني سوى بيع مؤسسات هذا الوطن، وأصوله، وأرضه، وكل شيء نفخر به. ما يحدث هو نقل الملكية من الدولة، التي هي ملك لكل المصريين، إلى أيدي قليلة، سواء من الداخل أو الخارج، لتصبح كل منجزات مصر ملكًا لأفراد وأطراف لا يهمهم إلا الربح السريع على حساب مستقبل شعب بأسره.
ألم تشاهدوا كيف يُستباح القطاع العام في هذا البلد؟ كلما اتخذتم قرارات "إصلاحية"، بدأتم تبيعون قطعة تلو الأخرى من المؤسسات العامة التي بنيت بدماء الأجيال السابقة، وبجهود العاملين في القطاع العام الذين أفنوا عمرهم لخدمة هذا الوطن. بدأنا ببيع الشركات والمصانع الكبرى، وها نحن نصل الآن إلى بيع أراضينا ومستشفياتنا العامة، التي كانت ملاذًا للفقراء والمحتاجين، بل أصبحت الآن، تحت مسمى الخصخصة، عرضة للبيع للمستثمرين الأجانب الذين لا يعنيهم سوى الربح.
مستشفياتنا، التي يعتمد عليها أكثر من 60% من الشعب المصري، أصبحوا اليوم يواجهون خطر تحولها إلى مشاريع ربحية لشركات أجنبية، جشعة تسعى لجني المال على حساب صحة المصريين. كيف تبررون أن يُجلب أطباء وممرضون من الخارج في الوقت الذي يعاني فيه شبابنا من البطالة؟ كيف تبررون فتح الأبواب أمام الشركات الأجنبية لاستنزاف مواردنا بينما تعيش الأسر المصرية في حالة من الفقر والعوز؟ أنتم تقفون اليوم مع هؤلاء الذين يظنون أن بيع الوطن هو الحل لكل أزماتنا. أي إصلاح هذا؟! الإصلاح يعني تحسين الأوضاع، لا تدميرها. الإصلاح يعني تحسين التعليم والصحة والنقل، لا تدمير القطاعات التي يعتمد عليها الفقراء، هذا ليس إصلاحًا، هذا بيع للوطن بأرخص الأثمان.
أعتقد أنني لن أكون مبالغًا إذا قلت إنكم الآن، تحت مسميات الخصخصة والإصلاحات، تساهمون في تحويل مصر إلى دولة ضعيفة منقسمة، دولة بلا سيطرة على مقدراتها. تُسلمون الأرض والقطاع العام والمرافق الحيوية لشركات أجنبية، في الوقت الذي يعاني فيه الشعب المصري من الأزمات الاقتصادية، من ارتفاع الأسعار، من البطالة، ومن غياب الرعاية الصحية والتعليم الجيد. أنتم تفتحون أبواب مصر أمام المستثمرين الأجانب بينما تتركون أبناء هذا الوطن يعانون.
والأدهى من ذلك أنكم تحاولون تسويق هذه القرارات على أنها "إصلاحات" أو "حلول"، لكن الحقيقة واضحة. هي عملية خصخصة تدميرية تتم تحت غطاء تحسين الاقتصاد، بينما في الواقع، ما يحدث هو نقل ملكية ثروات الوطن إلى أطراف لا تعنيهم مصلحة الشعب. إنها عملية نهب اقتصادي يتم تحت غطاء شعارات براقة. وكلما اتخذتم خطوة في هذا الطريق، كانت الطبقات الفقيرة في المجتمع هي التي تدفع الثمن.
أنتم اليوم، بتأييدكم لهذه السياسات، تشاركون في خيانة هذا الشعب. لا يمكنكم تبرير بيع أصول وطنية تحت مسمى الخصخصة. أنتم تبيعون ليس فقط مستشفياتنا، بل مستقبلاً كاملاً. تبيعون القطاع الصحي الذي يعاني أصلاً من الإهمال، وتبيعون التعليم الذي أصبح حلمًا بعيد المنال لكل أسرة مصرية. والآن، بعد أن بدأتم ببيع الأرض، والشركات، والمستشفيات، لا أظن أن هناك شيء لم تبيعوه بعد.
كيف تظنون أنكم تستطيعون تدمير كل ما بناه الشعب المصري على مدار عقود؟ كيف تبررون إقدامكم على هذه القرارات التي لا تضر إلا بالفقراء والمعدمين؟ هل ستظلون تصدقون أن "الإصلاحات" التي تقومون بها هي الحل؟ من بين ما تفعلونه اليوم، تساهمون في قتل الطبقة المتوسطة التي كانت يوما ما عماد المجتمع، وتؤسسون لحالة من الغضب والتشرد بين الناس.
أي إصلاح هذا الذي يدفع المواطن المصري إلى الضياع؟ أي إصلاح هذا الذي يجعل شبابنا يسعى وراء الهجرة بدلاً من أن يجد فرص عمل حقيقية هنا في وطنه؟ ما هي القيمة الحقيقية لهذه "الإصلاحات" التي لا تهدف إلا إلى زيادة الغني غنى، والفقير فقرًا؟ هل يمكن لهذا أن يكون "الإصلاح"؟
أنا اليوم أقول لكم، كما قلت دائمًا: مصر ليست للبيع! مصر ليست سلعة تباع بأيدٍ رخيصة في صفقات تجارية. لا يمكن أن تتحول كل شيء في هذا الوطن إلى مشروع ربح سريع في يد مستثمرين أجانب. نحن في المجلس القومي للعمال والفلاحين تحت التأسيس، لن نسمح لكم بأن تبيعوا وطننا. نحن لن نسكت على هذه الجريمة. لن نقف مكتوفي الأيدي ونحن نرى شعبنا ينهار أمام أعيننا.
أنتم الآن تضعون مستقبلاً ضبابيًا لهذا الشعب، وتراهنون على أنكم ستحققون ما تظنونه نجاحًا اقتصاديًا. لكن الحقيقة التي لن تختفي، هي أن كل هذه "الإصلاحات" ستكون على حساب الشعب المصري. نحن نطالبكم اليوم بوقف هذا العبث فورًا. نحن نطالب بإلغاء كل القرارات التي تسهم في بيع الوطن. نحن لن نقبل أن تُباع مصر تحت أي مسمى، مهما كانت المغريات.
مصر ليست للبيع، ولن نسمح لكم ببيعها. وإن حاولتم، فاعلموا أننا لن نسمح لكم بالهروب من المسؤولية. نحن في المجلس القومي للعمال والفلاحين تحت التأسيس، سنظل نطالب بحقوق هذا الشعب، ولن نتوقف عن النضال من أجل حماية حقوق كل المصريين. مصر ليست سلعة تتاجرون بها. مصر هي الأمل، وهي المستقبل، وهي أرضنا.
--------------------------------------
بقلم: محمد عبدالمجيد هندي
* قيادي عمالي مستقل، مؤسس ورئيس المجلس القومي للعمال والفلاحين تحت التأسيس