08 - 05 - 2025

خطوفيم!

خطوفيم!

كثرت على الألسن وفى الإعلام والتواصل الكلمة العبرية (خطوفيم) وهى بالعربية (المختطَفون) للدلالة على تلك الجماعة من الإسرائيليين الذين أُخذوا أُسارى من مستوطنات غلاف غزة فى السابع من أكتوبر 2023، وقد كان فيهم الشاب والشابة اللاهيان، والكهل والكهلة، والشيخ المسن والشيخة المسنة، وهؤلاء جميعًا لم يكونوا من الجند، ولا كانوا يحملون سلاحًا، وبعضهم لم يكن ليستطيع حمله ولو أراد، فتجد عند طائفة منا جدل كان يرتفع حينًا ويخفت آخر، فيتساءلون منكرين: كيف يُقتَل غير الجنود ويؤخذون أسري؟! فمنا من يرى أن الجندى فى (الكيان) هو من انتسب لديوان العسكرية وتزيا بزيها، وآخرون يرون كل من كان غير فلسطينى على أرض فلسطينية فهو غير مدنى، بل محتل يعامَل معاملة الجندى المقاتل، وقبل أن أفصِّل القول فى هذا فإنى فى مقالتى هذه لست أكتب فى شأن السابع من أكتوبر ووقائعها ولا فى توابعها، فقد قُتلت مقالاتٍ وصورًا ومشاهد، لكنى هاهنا أذكر رأيى فى شأن (خطوفيم)، وفى شأن معاملة الإسرائيليين من غير الجنود، فأقول:

حين جاءت تلك الشراذم شتيتة الأجناس والألوان والبلدان إلى فلسطين وجدوا أن لها أهلًا وأصحابًا، وأنهم قد خُدِعوا بأنها "أرض بلا شعب لشعب بلا أرض"، فحين رأوا كذب هذا الزعم لم يكن لهم بُدٌّ إلا أن ينجزوا لأنفسهم هذه الكذبة ويصنعوها صنعًا بالنار والرصاص والإرهاب، فابتدروا أصحابَ الأرض فقتلوا من قتلوا من أهلها، وهجَّروا من هَجَّروا من أصحابها وغصبوهم ضِياعهم وديارهم وزروعهم، ولم يدَعوا سوءًا ولا شرًّ إلا اقترفوه فى حق شعب هذه الأرض؛ وما ذاك إلا لينجزوا كذبة "أرض بلا شعب لشعب بلا أرض"!

فهذا الزارع فى (الكيبوتس) الذى تراه يحرث ويسقى ويحصد فتظنه مدنيًّا يسعى على قوته وقوت عياله لو تبصرته حقًّا لرأيته بذاته محتلًّا، حيث غصب مزرعة جد فلسطينى وحَلَّ محله فيها، ففلحها وأخذ خيرها لنفسه ولعصبة السراق الذين معه، أما الجندى الذى تزيَّا بالعسكرية فليس إلا خفيرًا لهذا المحتل المزارع!

وترى هذا الصانع عليه مبذلته وقد خرج فى البكور يريد المصنع فتظنه مدنيًّا مُجِدًّا، ولو تبصرته لعرفت أنه ما ذهب إلا إلى بعض الأرض الفلسطينية التى هُجِّر عنها أهلها، فأقام مصنعًا ليثرى منه، فهذا الصانع هو بذاته محتل، حيث غصب أرضًا فلسطينية وحَلَّ محل صاحبها، أما الجندى ذو البندقية فليس إلا خفيرًا يحرس هذا الصانع ومصنعه!

ولعلك تبصر المهندس ذا الخوذة ذاك وقد حطت مروحيته فى عرض بحر عسقلان فوق منصة غاز فتحسبه مدنيًّا يعمل لنفع الناس، ولو تبصرته لعلمت أنه ما كان صاحب بحر ولا بئر، وأنه غاصب أتى من أرض بعيدة فأخذ من عسقلان بحرها واستخرج غازها فانتفع كيانه ببعضه، وصدَّر بعضه فأثرى من مال أصحاب هذا البحر المغصوب، وتلك البئر المسلوبة، فهذا المهندس محتل حل محل صاحب البحر فى بحره وانتهب منافعه، أما هذا الجندى فليس إلا  خفيرًا يحرس الغاز ومن غصب الغاز!

ثم انظر إلى هذه الغادة الحسناء شقراء الشعر مليحة الوجه وهى فى مصنع زيت الزيتون تقوم على عصره وتعبئته فما تشك أنها مدنيَّة، ولو تبصرتها لتبينت أنها سارقة من السراق حلَّت محل صاحب أرض فى ضيعته، فعصرت خيرها فأكلته مالًا شهيًّا، فهذا هو كنهها جليًّا لا تستره ملاحة وجه ولا حُسن قد، أما هذا الجندى من ورائها فهو خفير يحرس معاصر الزيتون المغصوب!

أما هذا الشيخ المسن الذى ترحم شيبته، وهذه العجوز التى ترق لضعفها فما كانا إلا طليعة المحتلين الذين أسسوا هذه (الكيبوتسات والكريات)، واستقدموا مَن وراءهم من شذاذ الآفاق فغصبوا الدار وانتهبوا الثمار، "فارحم نفسك من عدو ترحم".

ثم إنهم حين يجن عليهم الليل يؤون جميعًا إلى بيوت احتلوها  وغصبوها من أهلها بعد أن أخرجوهم منها ليعودوا من غد سيرتهم الأولى نهبًا وسلبًا وغصبًا، فهل يكون مدنيًّا بريئًا من كانت هذه صفته؟!
----------------------------------
بقلم: محمد زين العابدين
[email protected]

مقالات اخرى للكاتب

حَضَروا!