09 - 05 - 2025

سَمِّن ضبعك يأكلك!

سَمِّن ضبعك يأكلك!

يربى مروض السباع السبع جروًا صغيرًا، وينشئه على عينه، ويضمن له مأواه ودواءه وغذاءه، فإذا شب خرج به على الناس متعاظمًا مزهُوًّا وقد امتطى ظهره، وقبض على سلاسله، فأمره ونهاه، وزجره وناداه، والقوم منه فى مهابة وفَرَق أن يأمره فيثب إليهم، أو أن يرخى عنانه فيفترسهم، ولو علم المساكين لوجدوا صاحبهم أشد منهم خوفًا من سبعه، ولا يدرى فى أية لحظة سيرجع إليه طبعه فيكون لقمة له لا سيدًا عليه! وكذلك الشأن إذا أنت استأجرت بلطجيًّا تريد به إرهاب عدوك واستجلاب حقك فإنك لا تدرى متى يأتمر بك هذا البلطجى عند عدوك، ولا متى ينقلب عليك أو يبتزك بما عنده من فضل القوة، وبما يعلم من ضعفك!

وليس الأمر يختلف عن ذلك فى الدول والممالك، فكم من حاكم قد اتخذ له عسكرًا خاصًّا، وعصبة متخيرة من الرجال الأشداء، وقربهم وأنزلهم بأرفع طبقة وجعلهم فوق سائر أجناد الدولة، بل إن منهم من جعل هؤلاء فرقة قائمة بنفسها، تحادٌّ جيش الدولة ولا تدين له؛ ليحموا عرشه، ويذودوا عن ملكه، فلما اشتد أمرهم، وقويت شوكتهم، ووجدوا ضعفًا منه أو من بعض من خَلَفه من الحكام تسلطوا وارتقوا مراقى لم تكن لهم، وحلُّوا بمراتب ليست لهم، وتبوأوا منازل لم يكونوا أهلًا لها، فصاروا هم أهل الحل والعقد، والتولية والعزل، والأمر والنهى، ولم يكن الحاكم إلا جسمًا وختمًا!

هل سمعتم بالفرقة (الانكشارية) العثمانية؟ تلك كانت فرقة من الجند العثمانى، وكانت غُرَّة الجيوش العثمانية، وفُتحت بفضل الله ثم ببأسها أراضٍ مديدة فى أوروبا، فهل نعرف ماذا كان من أمرهم حين مَسَّ الدولة وسلاطينها بعض ما يمسُّ الدول والممالك من الضعف والوهن؟! قد صاروا يشغبون على السلاطين ليبتزوهم فيُعطوهم الهبات والأعطيات العظام، أو يعزلون بعض السلاطين إن لم يرضوا سيرته فى الحكم ويولون آخر مكانه، أو ربما قتلوه! حتى كانت الواقعة الخيرية فى ١٨٢٦م فاستؤصلت شأفتهم بعد زمان من الشغب والتسلط والتمرد.

ولا نذهب بعيدًا فإن عصبة (فاجنر) الروسية كانت مخلب الدب الروسى فى بقاع مختلفة من قارات مختلفة، فكانت الدولة الروسية تمولها وتسلحها ثم تنتدبها إلى هاهنا وهاهنا من البلاد لتعمل بوجهها المقنَّع ما لا يستطيع الروس عمله بوجه سافر، وتتحمل عنهم معرَّة ذلك فى العلن، وهى ابنتهم فيما دون العلن! وقد أبلت (فاجنر) بلاء حسنًا فى (باخموت) الأكرانية، لكنهم كانوا ينكرون أمورًا على القادة الروس لاسيما وزير الدفاع ورئيس الأركان، وزعموا أنهم أضروا بفاجنر ورجالها وخذلوهم فى سوريا وأكرانيا وأسلموهم للهلاك، حتى كان يوم فى ٢٠٢٣م فاستدبرت (فاجنر) أوكرانيا خلف ظهورهم، واستقبلوا الأرض الروسية ميممين وجوههم شطر موسكو حتى إن طليعتهم كانت قد اقتربت من ضواحى موسكو فى يوم وليلة من غير كبير مقاومة ولا عظيم مدافعة! ثم كان ما كان من أمر التعهد البوتينى، ثم ما لبثوا إلا قليلًا فأُسقطت طائرتهم بمن فيها من كبار قادة (فاجنر) وطويت صحيفتهم. فانظر كيف كادت عصبة صنعتها الدولة برجالها ومالها وسلاحها أن تسقط الدولة النووية الكبرى!

ثم إنى لن آخذك إلى زمن العثمانيين الغابر، ولا إلى أصقاع الروس البعيدة، بل أقول انظر جنوبك تجد عصبة (الدعم السريع) التى صنعها حاكم الخرطوم على عينه، واستعان بها على أهل دارفور قبل سنين طوال وقت أن كانت تُدعى (الجنجويد)، فلما رأت من الدولة ضعفًا ووهنًا ظنتها فرصة فاغتنمتها وأعانها عليه قوم آخرون، فانظر إلى تنكيلهم بالسودان وأهله! وانظر كيف هم يُخرجون فريقًا ويقتلون فريقًا! وانظر كيف لم يرقبوا فى إخوانهم إلًّا ولا ذمة!

لقد ذكرت ما ذكرت من الأمثلة البعيدة والقريبة ليستدل بها ذو العقل والرشد على أن إحداث وإيجاد الميليشيا فى بلد وتعهدها والإذن لها إنما هو كمن يركب السبع ليُرهب عدوه، والسبع أضر عليه من عدوه، فهى وإن قاتلت دونك فى موطن، وردت عنك عدوك فى آخر فإنها هى فى نفسها عدو لك ولشعبك تنتظر أن تظهر عداوتها يومًا ما، وقد رأينا عواقب الأمر فى بلاد الناس، فلسنا نود أن نرى عواقبه ببلادنا، فإن السعيد من وُعِظ بغيره، والشقى من وُعِظ بنفسه.
---------------------------------------
بقلم: محمد زين العابدين
[email protected]

مقالات اخرى للكاتب

رؤيا إدريس