إن أول ما نبدأ به أن نشكر للسيد وزير التربية والتعليم سعيه لسد النقص فى عديد المعلمين فى كل مادة، وتخفيف كثافة المتعلمين فى الفصول، وقد أفلح سعيه ووُفِّق فى كثير من ذلك ولا يزال مُشمرًا لتدارك النقص وسد الخلل، كما يُشكر له حرصه على ضبط حضور الطلاب بمدارسهم، فذلك مما يُحمد للرجل ولا يُجحد.
وكان من جملة أعمال الوزير أنه أصدر القرار ١٣٦ لسنة ٢٠٢٤ بشأن نظام الدراسة والتقييم للحلقة الابتدائية، وقد انقضت ثلاثة أسابيع من العمل به، وخبره المعلمون والتلاميذ وآباؤهم، وقد ابتدأ الأسبوع الرابع، فهاهنا يكون من الغش أن نثنى ونحمد، ويكون من النصح له ولفريقه أن نقول: مراجعة القرار أوْلى من إرخاء العنان له فيجمح ويفرط، فإن مما يعلمه الناس جميعًا أن القرارات إنما جُعلت لأجل إنجاح العمل، لكن ما رآه ملايين الناس من شعب مصر من معلمين ومتعلمين وأولياء أمور أنهم جميعًا أمسوا مُسخَّرين لإنجاح القرار (١٣٦ تقييمات)، وإرضاء المتابع الوزارى الطواف على المدارس.
ومختصر القرار (١٣٦) لمن لا يعرفه، ولمن لم يطلع عليه أن المعلم والمتعلم يقضيان الأسبوع كله فى نسخ أسئلة وأنشطة متنوعة بعضها يسمى الأداء الصفى (الحصة)، وبعضها هو الواجب المنزلى، وبعضها تدريبات الكتاب، وبعضها كراسة نشاط، وأخرى مهام أدائية دورية، ثم يختتم الأسبوع بتقييم أسبوعى، وكل ذلك يصحح ويقيم! إذًا فالأسبوع كله تقييم وامتحان وإن اختلفت أسماؤه، فأين وقت الشرح وأين زمن عرض المادة العلمية؟! إن لسان حال من لقيت من المعلمين آخر كل أسبوع: "هل تصدق؟ قيِّمت قبل أن أشرح!" فقد صار هَمُّ المعلم ليس التلميذ ولا ولى أمره ولا المادة العلمية، بل صار همُّ هؤلاء كلهم إرضاء (السيد المتابع الوزارى)، وإنجاح السيد القرار الوزارى!
فلعل قائلًا ممن لم يخبر هذا البلاء أن يقول: "نِعم القرار! نفض الكسل عن المعلم، ورفع البلادة عن المتعلم" فيجيب بعض المعلمين: خذ ١٠٠ دقيقة هى زمن الفترة الدراسية الواحدة يُلزم المعلم فيها بكتابة سؤال أو نشاط على السبورة ينقله التلاميذ إلى جزء الأداء الصفى من دفاترهم ثم يجيبونه ويطوف عليهم المعلم لتصحيحه، ثم يصحح واجب أمس، ثم يكتب واجب اليوم على السبورة لينقلونه فى جزء الواجب من دفاترهم، وبين الكتابتين يجيبون تدريبات الكتاب وهى كثيرة، وإن أتوا ببعض النشاط فى كراسة النشاط فيلزمه تقييمه! اقسم كل ذلك على ١٠٠ دقيقة لخمسين تلميذًا وأخبرهم بالمتبقى من الثوانى لعرض المادة العلمية وشرحها!
فهل هذه الملايين من المعلمين والمتعلمين وأولياء الأمور يريدون إبطال التقييمات والامتحانات، وأن يكون هؤلاء الناشئة هملًا مُضيَّعًا؟!
كلا، إن هؤلاء جميعًا ليعلمون للامتحانات قدرها فى تثبيت العلم، وحفز المتكاسل، وإثابة المجتهد، والكشف عن تقصير المقصر ليتركه، ويعلم كل من المعلم والمتعلم ما أمضى وأنجح فيثبته، ويعرف ما أخفق فيتداركه، لكن أن يكون اليوم كله بين سؤال وتقييم حتى يجور ذلك على وقت المادة العلمية فهذا مما لا يفيد المتعلم شيئًا، بل يفيد أهل الدروس الخاصة، فإن ولى الأمر الذى يبعث بابنه ليدرس فلا يجد إلا حبرًا على ورق، فستضطره الضرورة إلى التماس معلم خاص بالمال ليشرح لابنه ما ضيعته عليه التقييمات! وأظن هذا أبعد ما يريد الوزير أن يراه، لكن (١٣٦) سيجعله أقرب العواقب وقوعًا!
السيد الوزير، أمران اثنان يلتمس جمهور عريض من المصريين منكم إجابتهم إليهما، فأولها: إعادة النظر فى كل بنود القرار (١٣٦) للتقييمات بما يفى بمصلحة المتعلم، وثانيهما: عزل من أشار وفَصَّل فى هذا القرار، فأضر من حيث ينبغى أن ينفع.
أما ثالث الأمور فسؤال إلى نقابة المعلمين: متى تنطقون بلسان المعلمين؟!
--------------------------------
بقلم: محمد زين العابدين
[email protected]