(سعر البيضة 6 جنيهات و80 قرشا، ممكن تقولولي إزاي استغنى عن البيض، إيه البديل، مع العلم البيت فيه 3 أطفال)، (أنا تعبان أوي نفسيتي صفر أنا عيالي في البيت بقوا زعلانين مني، كل حاجة تقول لما تقبض) رسالتان موجعتان تنقلان واقعًا يعيشه الكثير من المعيلين.. في ظل ارتفاع أسعار «كهرباء، مياه، غاز، خدمات اتصالات وإنترنت، مواصلات، أدوية، سلع غذائية الأساسية منها وغير الأساسية، صحة وتعليم (...)»، في مقابل رواتب، معظم الرواتب، لا تتلاءم مع زيادات سعرية غير مناسبة على الإطلاق للحد الأدنى من أدنى حد للدخول.. وأمام كم هذه الفواتير المطلوبة بصفة دورية واتساع فجوة التضخم شهرًا بعد آخر، بعدما تخطت نسبته 26%، وفق أحدث البيانات الرسمية، يجدُ آباء عديدون، ومن بينهم من كان يحسب نفسه ضمن طبقة متوسطة في وقت ما، يجدون أنفسهم مقهورين، غير قادرين على تلبية الكثير من المتطلبات التي تضمن حياة كريمة لأبنائهم.. رغم استغنائهم عن كل ما يمكن الاستغناء عنه، لكنهم ليسوا بصامدين في مجابهة غول من القرارات المثقلة بزيادة سعر خدمة هنا وأخرى هناك، والتي تصدر من حكومة، فشلت، قد تكون حاولت من وجهة نظرها، لكنها في الأخير فشلت كل الفشل، في حماية المواطنين معظمهم، من الانكسار أمام أقرب أقربائهم، وعجزت عن إيجاد حلول تحفظ مقومات وأساسيات أُسر جُلِّ همها تخريج أبناء أسوياء وأعضاء صالحين يعودون بالنفع على المجتمع..
ورغم محاولة بعض الآباء، ممن تسمح ظروف عملهم بالجمع بين أكثر من عمل، ولو لم تواكب طبيعة هذا الأعمال، الإضافية حال وُجدت، مؤهلاتهم، علميةً كانت أو فنية، فإنه ليس بإمكانهم مبارزة ما يفرض عليهم من أعباء متواصلة، طرفها الأول إن لم يكن الأوحد الحكومة، تلك الحكومة التي وإن انشغل بعض أعضائها بالسياسة الخارجية، والظروف الجيوساسية المحيطة والمُحبطة، لكن ذلك لا يشفع لها عدم ترتيب البيت الداخلي وتسخير وتطويع كل ما يمكن أن يضمن تنظيمه ويكفل له الحياة الكريمة بما يقضي على حالات الطلاق المتزايدة ويضيّق انتشار رقعة الفقر والفقراء..
خبراء عديدون أشاروا إلى حتمية سرعة الخروج من عباءة برنامج صندوق النقد الدولي بشروطه المجحفة والتي يأتي على رأسها رفع جميع أشكال الدعوم وتحرير أسعار المحروقات وغيرها مما تجد الحكومة نفسها في الأخير مضطرة لتنفيذها من أجل الحصول على التمويل المطلوب، ما يضغط أكثر على المواطن المحمّل أصلًا بأعباء فوق طاقته، حتى إن كثيرين باتوا لا يتحملون، مشددين، أي الخبراء، على ضرورة العمل على تنفيذ برنامج مصري مصري، أو مصري عربي، لا يقتصر وفقط على بيع أصول ونقل ملكيتها من فلان إلى علان، والبحث في جيب المواطن "الغلبان"، بل يعتمد على مشاركة استثمارية حقيقية تعيد للعملة المصرية قيمتها، وترتكز على ما تتمتع به البلاد من موارد وأفكار مبتكرة، والنوابغ في مصر كُثر، إذا ما وجدوا بيئة ومناخ مناسبين توفرهما حكومة تعمل لمصلحة المواطن حتى يحيا حياة كريمة ولا ينكسر أمام ذويه.
علاوة على ذلك ، فتسليط الضوء الإعلامي على ما يمكن أن نسميه إنجازات، وعدم تقبّل النقد البنّاء تجاه ما هو ظاهر من إخفاقات، وإطلاق إشادة إعلامية موحدة بما يُنفذ على أرض الواقع، رغم أهمية ما يُنجز، لن يفي بمتطلبات المواطن، كونه لن يأكل أو يشرب إنجازات وفقط، ولن يجبر كسره عندما يعجز عن تلبية متطلبات من يعول، ومن ثم ينبغى إتاحة المساحة الكاملة لمختلف المنابر الإعلامية والإدراك الكلي بأن مسؤولية الإعلام أخلاقية في الأساس قبل المهنية، إذا ما رعاها ذووها استرجعوا ثقة الكثيريين ممن لم يحصدوا ثمار الإنجازات المُتحدَّث عنها، ناهيك عن منح الصلاحيات الكاملة للبرلمانيين وبرلمانهم والاطلاع بدورهم المنوط والمُخلَّد تاريخيًا، لا شك، بما لهم وما عليهم، من أجل معالجة القصور ولفت الانتباه وتبيان الأفضل والأصلح والأصوب ورفض الأطلح والمنقوص، من دون شتم أو تجريح، ما يوجد في الأخير مناخًا صحيّا متنوعًا يُسهم في بناء إنسان سويّ قادر على قيادة دفة حياة مجتمعه..
أخيرًا لا آخرَ ، على الحكومة أن تعي كل الوعي أنها في مكان الراعي، وأن اختيارها ليس معناه أنهم خير وأفضل مما يحكمون، فإن أحسنوا وجدوا الإعانة والإشادة، وإن قصّروا عليهم تقبل النقد والمحاسبة، فمن يرى في نفسه القدرة والاستطاعة والقيادة وتنفيذ ما يجبر كسر الآباء ويدفع لتحسين أحوال الأبناء فبها ونعمت، ومن يعجز عن إيجاد حل فليبادر بالاعتذار وليترك مكانه للأكفأ، وكفى قهرًا للآباء، كفى موتًا على قيد الحياة!.
------------------------------
بقلم: عزت سلامة العاصي