13 - 07 - 2025

فلسطين وصراع الحضارات

فلسطين وصراع الحضارات

هل هناك صراع بين الحضارات؟

الحضارة هى النتاج الفكرى والثقافى والمادى المتراكم لأمة من الأمم والتى تمنحها خاصية مميزة عن الأمم الأخرى. وهذا يعنى أن هناك حضارات متعددة المسميات : مصرية . هندية . يونانية ...الخ مع أنه فى إطار هذه التعددية فهناك وحدة الكون ووحدة الإنسانية التى أوجد عليها الكون وجبل عليها الإنسان. 

ولأن الحضارة هى إبداع إنسانى، أصبح هناك تعارف وتواصل وتحاور ثم تكامل بين هذه الحضارات حتى أصبحت تسمى بالحضارة الإنسانية مع تعددية المسميات الحضارية. إذن لماذا نسمع عن مايسمى بصراع الحضارات هذا؟ جاء هذا التعبير عن طريق الأمريكي صمويل هنتجنتون والذى كان يقصد صراع الثقافات أى صراع الأديان وكان هذا هو الهدف الأساسى من تلك النظرية . فقد تواكب إعلان هذه النظرية مع مايسمى بالصحوة الإسلامية بعد الثورة الإيرانية ١٩٧٩ .

حتى أنه حدد أركان هذا الصراع بين الكاثوليكية والبروتستانتية الغربية والإسلام  والمسيحية الارثوذكسية الشرقية. وذلك لتواجد الارثوذكسية فى الشرق المتخلف مع الإسلام من وجهة نظرهم العنصرية !! 

وتلخيصا لما تهدف إليه هذه النظرية هو ذلك الصراع الدينى بين المسيحية (كاثوليك وبرتستانت ) ضد الإسلام ومعه الأرثوذكس. وكانت الأرضية الدينية التى اوعزت لطرح هذا الصراع هو نظرية الحكم الألفى التى تم بها اختراق بعض الطوائف المسيحية تحت مسمى (الصهيونية المسيحية) .

فالحكم الألفى والصهيونية المسيحية اعتمدت على السرديات التوراتية التى تقول إن اليهود هم شعب الله المختار وأن فلسطين هى أرض الميعاد التى وعدهم الله بها. ولما كانت هذه السردية هى أحد نصوص التوراة، فقد روجوا لنص ( جئت لأكمل لا لأنقض ) أى أن على المسيحى أن يؤمن حرفيا بما جاء فى التوراة . ولذا لابد أن يؤمن أن اليهود هم شعب الله المختار وان فلسطين هى أرض الميعاد. 

أما عقيدة الحكم الألفى هى أن المسيح سيأتى ليحكم العالم ألف عام وسيكون العالم بعدها للمسيح . ولن يعود المسيح ثانيا ليحكم العالم حكما عسكريا قبل أن يتم إعادة بناء الهيكل، أى لابد من هدم المسجد الأقصى . ولأن هناك الكثير والكثير من المسيحيين من البروتستانت وغيرهم من الطوائف الأخرى والتى لاتؤمن بحكاية الحكم الألفى هذه، خاصة الكنيسة الأرثوذكسية والكاثوليكية . ولكن يتم استدراجهم خطأ بحكاية التكملة الحرفية تلك التى لا تتوافق مع جوهر وروح العهد الجديد . وعلى ذلك تم التغرير بالمسيحية الأوروبية بهذه العقيدة التى دشنها ريجان تحت مسمى الولادة الثانية وهى تعنى أن المسيحى الذى يريد أن يولد ولادة ثانية عليه بأن يعمل جاهدا على مجئ المسيح ثانية بأن يعجل ويساهم بإعادة بناء الهيكل أى مساندة ومساعدة اليهود على ذلك . أى يتم تسخير الدينى لصالح السياسى . 

هنا، هل هناك شك أنه على هذه الأرضية نرى مايتم من انحياز سافر وسافل من الغرب بكل مكوناته إلى إسرائيل، ليس ضد الحق الفلسطينى فى إقامة دولتهم ولكنه انحياز تجاوز كل معقول وقانونى وأخلاقى يهدف إلى إبادة الشعب الفلسطينى بالكامل! والأخطر هنا هو ذلك الأنحياز الذى امتد لتحقيق السيطرة الاستعمارية على المنطقة برمتها عن طريق الإمدادات العسكرية والاستخباراتية لاسرائيل، استغلالا للتفكك والتفتت الفلسطينى والعربى والإسلامى الذى اعتمد على المساندة النظرية والشعاراتية التي لاتتجاوز الرفض والشجب !! 

هنا يجب أن نعي أن الحكم الألفى لاعلاقة له بصحيح المسيحية، فالمسيح يحكم المسيحيين روحيا وليس عسكريا (حسب التقاليد والمعتقدات اليهودية). وان تكملة العهد الجديد بالقديم هى روحية وليست حرفية. كما أنه قد تم تاريخيا إعادة بناء هذا الهيكل أكثر من مرة !!  أما موقفنا مما هو قادم نراه لا يسر عدوا أو صديقا . فهل نعي أن الهدف ليس فلسطين فقط بل اسرائيل من النيل للفرات . الهدف هو السيطرة الكاملة على الشرق الأوسط فى إطار الصراع الأمريكى من جانب والروسى والصينى والايرانى من جانب آخر. ونحن جميعا من يدفع وسيدفع الثمن. 

فإذا لم نكن مستعدين للمواجهة فلا أقل من تفعيل إمكاناتنا البشرية والمادية والجغرافية ضد هذه السيطرة التى لا يعنيها غير مصالحها . الخطر المحدق بالأوطان هو خطر حقيقى تدفع ثمنه الشعوب. حفظ الله مصر وشعبها العظيم من الخطر والأخطار .
---------------------------------
بقلم: جمال أسعد


مقالات اخرى للكاتب

تعيين بنكهة انتخابية