يكثر في القرآن الكريم ذكر أنبياء بني إسرائيل مع سرد تفاصيل قصصهم مع أقوامهم، في مقابل حضور أقل لنبي الله ورسوله إسماعيل بن إبراهيم عليهما السلام، وهو أبو العرب المستعربة وله مكانة كبيرة في شجرة النسب العربي وجد النبي محمد.
ورد ذكر إسماعيل عليه السلام في القرآن الكريم 12 مرة معظمها يذكر فيها اسمه ضمن أسماء مجموعة من الأنبياء عليهم جميعًا الصلاة والسلام من ذرية إبراهيم عليه السّلام. منها على سبيل المثال ما جاء في صورة آل عمران (قُلْ آمَنَّا بِاللَّهِ وَمَا أُنزِلَ عَلَيْنَا وَمَا أُنزِلَ عَلَىٰ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَالْأَسْبَاطِ وَمَا أُوتِيَ مُوسَىٰ وَعِيسَىٰ وَالنَّبِيُّونَ مِن رَّبِّهِمْ لَا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِّنْهُمْ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ) ﴿٨٤ آل عمران﴾، وما جاء في صورة النساء (إِنَّا أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ كَمَا أَوْحَيْنَا إِلَىٰ نُوحٍ وَالنَّبِيِّينَ مِن بَعْدِهِ ۚ وَأَوْحَيْنَا إِلَىٰ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَالْأَسْبَاطِ وَعِيسَىٰ وَأَيُّوبَ وَيُونُسَ وَهَارُونَ وَسُلَيْمَانَ ۚ وَآتَيْنَا دَاوُودَ زَبُورًا) ﴿١٦٣ النساء﴾.
بينما ورد ذكر أخيه إسحاق عليه السلام ١٧ مرة، كثير منها في بشارة مولده وإعجازها بعد بلغت سارة الكبر، فيما ورد ذكر ابنه يعقوب عليه السلام ١٦ مرة، ويوسف ٢٧ مرة وأفردت له سورة كاملة أحسن القصص، داود عليه السلام ١٦ مرة، وسليمان عليه السلام ١٦ مرة، بينما موسى عليه السلام ١٣٦ مرة. وسيدنا إبراهيم أبو الأنبياء ٦٩.
إحصائية دالة، وكثيرًا ما لفت انتباهي قلة الإخبار عن إسماعيل عليه السلام هو لم يكن نبيا فقط بل نبي ورسول، أوحى الله إليه ووصفه سبحانه وتعالى بأنه صادق الوعد ومن الأخيار ومن الصابرين، (وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ إِسْمَاعِيلَ ۚ إِنَّهُ كَانَ صَادِقَ الْوَعْدِ وَكَانَ رَسُولًا نَّبِيًّا) ﴿٥٤ مريم﴾، (وَإِسْمَاعِيلَ وَإِدْرِيسَ وَذَا الْكِفْلِ ۖ كُلٌّ مِّنَ الصَّابِرِينَ) ﴿٨٥ الأنبياء﴾، (وَإِسْمَاعِيلَ وَالْيَسَعَ وَيُونُسَ وَلُوطًا ۚ وَكُلًّا فَضَّلْنَا عَلَى الْعَالَمِينَ) ﴿٨٦ الأنعام﴾، لكن لم يرد أي تفصيل لأي حكاية له على غرار نبي الله سليمان أو داود عليهما السلام ، ولم يرد ذكره منفصلًا كما ذكرنا من قبل، ربما يكون أكثر حضور فيه خصوصية له هو رفعه القواعد مع أبيه إبراهيم عليه السلام، ويظهر فيها في صورة المساعد لأبيه إبراهيم عليه السلام (أبو الأنبياء) (وَإِذْ جَعَلْنَا الْبَيْتَ مَثَابَةً لِّلنَّاسِ وَأَمْنًا وَاتَّخِذُوا مِن مَّقَامِ إِبْرَاهِيمَ مُصَلًّى ۖ وَعَهِدْنَا إِلَىٰ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ أَن طَهِّرَا بَيْتِيَ لِلطَّائِفِينَ وَالْعَاكِفِينَ وَالرُّكَّعِ السُّجُودِ) ﴿١٢٥ البقرة﴾ فهنا تظهر واحدة من أهم الوظائف التي أوكلت إلى سيدنا إسماعيل هي عهدة بيت الله الحرام وتطهيره. وفي الآية الثانية من صورة البقرة كان مشاركًا لوالده في رفع قواعد البيت الحرام (وَإِذْ يَرْفَعُ إِبْرَاهِيمُ الْقَوَاعِدَ مِنَ الْبَيْتِ وَإِسْمَاعِيلُ رَبَّنَا تَقَبَّلْ مِنَّا ۖ إِنَّكَ أَنتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ) ﴿١٢٧ البقرة﴾ ذلك البيت الذي كان يتمتع بقدسية كبيرة عند العرب حتى قبل الإسلام وأعطى مكانة كبيرة لقريش على بقية قبائل العرب لأنهم حراس بيت الله الذي يعظمونه.
إلا أنه مع هذا المكانة الكبيرة لإسماعيل عليه السلام الذي أنجب ١٢ رجلًا منهم ابنه الثاني قيدار جد عدنان جد النبي صلى الله عليه وسلم وهو جد العرب المستعربة. نرى في القرآن الكريم حضورًا طاغيًّا لأبناء إسحاق وبالتحديد ابنه يعقوب (إسرائيل)، وهذا الأمر كان يدفعني إلى السؤال حول سبب ذلك ولم أكن أجد تفسيرًا مرضيًّا لي.
لكن ما إن بدأت أحداث طوفان الأقصى في أكتوبر الماضي وجدتني أصل إلى قناعة أن هذا من تمام نبوة نبي الله محمد ﷺ، وأن القرآن من عند الله وحده، ففي العرف العربي والإنساني كله ربما، يحتفي الشخص بأجداده الأقرب فالأقرب، ولو كان القرآن من عند النبي ﷺلاحتفى بجده إسماعيل فهو من نسله المباشر، وسيكون ذلك أكثر إقناعًا للعرب بالدين الجديد الذي جاء به؛ لأنه يتكلم عن جدهم ويرد على تفاخر اليهود عليهم بكثرة الأنبياء فيهم؛ لكن ما حدث هو العكس بالحضور الكبير لأنبياء بني إسرائيل.
(أعني هنا العرب المستعربة، ويمتد أيضًا إلىالعرب العاربة من أبناء قحطان الذين نشأ وتربى بينهم وصاهرهم إسماعيل عليه السلام، أما العرب البائدة فقد انتهى أمرهم إلى ما انتهى إليه).
فإذا تأملنا في القرآن الكريم سنجد الله سبحانه وتعالى حكى قصة سيدنا موسى بكثير من جوانبها وأعاد سرد المشهد الواحد بأكثر من زاوية، وأُنزِلت سورة تحكي قصة يوسف، وأبرز القرآن جوانب من حياة نبي الله داود وسليمان، لكن لم تنزل سورة باسم سيدنا إسماعيل، تحكي فيما كان صبره، وكيف كان صادق الوعد ولماذا فضله الله، وهو النبي الرسول الموحى إليه من رب العزة والنبي الوحيد الذي جاء إلى شبه الجزيرة العربية؛ ربما يُوصل ذلك رسالة غير صحيحة بأن النبي محمد ﷺأُرسِل إلى قومه فقط وأن دعوته خاصة، على عكس الحقيقية بأنه ﷺأرسل للعالمين بشيرًا ونذيرًا.
ونلاحظ في القرآن أن الإسلام يربط نفسه دائمًا بالمنبع بسيدنا إبراهيم (أبو الأنبياء) ويشير إلى جميع الأنبياء من لدن نوح إلى محمد ﷺ مرورًا بإسحاق ويعقوب وعيسى والأسباط ...إلخعلى أنهم كانوا مسلمين.
لذا أود أن أضيف هنا ربما عدم إفساح مساحة كبيرة لسيدنا إسماعيل عليه السلام في محكم التنزيل للتأكيد أن المعيار في الدين ليس صلة الدم والقرابة وحدها وإنما الإيمان في المقام الأول وأن أنبياء الله لا تفريق بينهم. وفي الأخير تظل حقيقة راسخة أنه ليس هناك تشريف وتكريم لسيدنا إسماعيل عليه السلام أكبر من أن يكون خاتم النبيين والمرسلين سيدنا محمد ﷺمن نسله.
--------------------
بقلم: د. عبدالكريم الحجراوي