الدعم يعنى مساعدة أو مساندة المواطن فى ظروف استثنائية تحول غالبا فى أن يحصل المواطن على احتياجاته من بعض السلع بأسعار تتوافق مع القدرة الشرائية لدخله، أو لغياب سلع استراتيجية وسيطرة السوق السوداء عليها.
كما أن دعم الدولة لمواطنيها بالرغم من ارتباطه بالنظم السياسية الاشتراكية، فإن ذلك لم يمنع أنظمة من عتاة النظام الرأسمالى من تقديم الدعم للمواطنين . ومثال ذلك بريطانيا وفى مجال الخدمة الطبية التى تقدم بأعلى مستوى طبى بدون مقابل تقريبا ولكل المقيمين على أرضها.
كما أن الدعم فى مصر لم تكن بدايته فى ظل نظام يوليو الاشتراكي، بل كان منذ الحرب العالمية الثانية أى فى ظل النظام الملكى. ولذا فالدعم ليس منة أو منحة من أى حكومة للشعب . فأى نظام وأى حكومة يجب أن تعلم أن من أول وأهم إنجازاتها هو تقديم الخدمات للمواطنين وتهيئة الحياة الكريمة لهم قياسا بأسعار السلع مقابل القدرة الشرائية للدخل، وذلك لأن الدعم هو أحد بنود المصروفات فى الموازنة العامة والذى يقابله الإيرادات التى هى نتاج الثروات القومية العامة إضافة للضرائب والرسوم وما مايدفعه المواطن نظير الخدمات فى إطارها العام، ناهيك عن مضاعفة الرسوم مرات ومرات نظير الخدمات الخاصة التى كانت تقدم مجانا.
هنا لابد من عدة ملاحظات هامة : أولا : لايجب الحديث الدائم عن زيادة الموازنة العامة للدعم كل عام وكأن الحكومة تتفضل بذلك على المواطن. فهذه الزيادة لاتمثل من قريب أو بعيد معدل زيادة الأسعار إضافة لمعدل نسبة التضخم مع خفض قيمة العملة المحلية. وهذا يعنى أن قيمة الدعم بعد الزيادة أقل من الدعم قبل الزيادة!!.
ثانيا: لم يكن الدعم مقتصرا على تلك السلع التموينية أو فى أسعار الطاقة والكهرباء ..الخ، بل كان الدعم الأهم والأساسى هو ذلك التعليم والعلاج والخدمات الثقافية والاجتماعية.. الخ، التى كانت تقدم بأسعار رمزية أقرب للمجانية تماما. وهنا نضرب مثلا بسيطا ، رسوم التعليم فى المدارس الحكومية، من مجانا الى رسوم لا قدرة عليها لمن يصل دخله لبضعة آلاف!! كما أن الخدمات الطبية المجانية تحولت بقدرة قادر إلى شبه المستشفيات الاستثمارية بالنسبة للمواطن الفقير فى ظل تمليك المستشفيات للقطاع الخاص!!
ثالثا : أن قضية الدعم بكل ما تحمل من حساسية شديدة لأغلب القطاعات الطبقية المصرية بلا استثناء، عدا القلة إياها التى تملك كل شئ ولا نعلم كيف؟، هى قضية وطنية واجتماعية بل لا نكون مبالغين إن قلنا أنها قضية أمن قومى. لذا لايجب تسليم مثل هذه القضايا للمنظمات الدولية (صندوق النقد الدولى ) حتى يتحكم ويحكم!!
وفى ظل تلك المعطيات يدور هناك حديث عن تحويل الدعم العينى إلى دعم نقدي، وهنا نسأل . مقولة وصول الدعم لمستحقيه وهى مقولة صحيحة، ولكن من هم هؤلاء المستحقين ؟ هل هم الفقراء فى إطار مشروعات المعونة الاجتماعية فقط ؟ وماذا عن باقى الطبقات بتدرجاتها لكل طبقة؟ وهل أصحاب المعاشات أيا كانت قيمة معاشاتهم سينظر لهم بنسبة دخولهم الظاهرية بعيدا عن مجمل التزاماتهم الاجتماعية والصحية (فى ضوء زيادة أثمان الأدوية لأضعاف الأضعاف).
واذا تم رفع الدعم نهائيا عن الطاقة والكهرباء والمياه والغاز ..الخ، ويكون سعر التكلفة الحقيقية هى أسعار البيع، كم سيكون فرق السعر فى تلك الخدمات فقط وبعيدا عن باقى الأسعار لكل السلع اليومية؟ وهل سيكون المقابل النقدى يساوى فروق تلك الأسعار أم ماذا ؟ لو كان ماذا . إذن ستنخفض الدخول الى النصف فى مقابل تغطية السعر الجديد بعد رفع الدعم ؟
الأسئلة كثيرة والموضوع مهم وهام وشائك، ولا يجب اتخاذ قرارات سريعة نتيجة لتأييد المؤيدين على طول الخط خاصة أنهم لا ولن يضاروا فى شىء. الوطن يعيش تحديات غير مسبوقة تحتاج تضافر الجميع، نعم الجميع بلا استثناء، لأن الوطن وطن كل المصريين . لذا يجب التريث خاصة أن هذه القضية متداخلة ومتشابكة ونتائجها لايعلمها غير الله .
حفظ الله مصر وشعبها العظيم من كل شر وسوء.
-----------------------
بقلم: جمال أسعد