09 - 05 - 2025

صباحيات | مشروع قانون الإجراءات الجنائية بين القانون والسياسة

صباحيات | مشروع قانون الإجراءات الجنائية بين القانون والسياسة

ثمة رابط قوي بين القانون والسياسة، ورابط أقوى بينهما وبين المعلومات ومستوى المعرفة. وكان هذا جلياً في حلقة النقاش التي استضافها أمس الخميس حزب المحافظين وفي ناديه السياسي، بمشاركة خبراء في القانون والسياسة والتشريع، لمناقشة قانون الإجراءات القانونية الذي انتهت لجنة الشؤون الدستورية والتشريعية من مناقشته، والذي أثار اعتراضات من المحامين والصحفيين الذين طالبوا بإدخال تعديلات على بعض بنوده، استجابت لبعضها اللجنة التشريعية، الأمر الذي أثار حفيظة نادي القضاة الذي أصدر بياناً اعترض فيها على إدخال تعديلات على مشروع القانون الذي اقترحته الحكومة لأن من شأن هذه التعديلات تعطيل سير العدالة. هذا هو الموقف عشية بدء نواب الشعب مناقشة القانون الجديد والتصويت على بنوده البالغ عددها 540 مادة.

والاعتراضات الفنية التي أبداها المحامون والصحفيون على بعض مواد القانون المقترح، والتي أثيرت في بعض المناقشات العامة، التي جرت حول القانون ولم تخل من إشارات إلى خطورة بعض البنود على حقوق المواطنين والضمانات لحرياتهم التي يحميها الدستور، لم تخض في الجوانب السياسية المتصلة بعملية التشريع، ولم تتناول بالتحليل الأبعاد السياسية للقانون المقترح ولا فلسفته التي تتعلق أساساُ بالغاية والغرض من القانون. وعلى الرغم من الإشارات المتكررة إلى البيئة السياسية العامة التي تجري فيها عملية التشريع، إلا أن الحرص على التركيز على الجوانب الفنية وعلى أن يكون النقاش حول مشروع القانون بمعزل عما يعتبره البعض مشاحنات سياسية، ساهم في تأكيد السعي لإظهار الخلاف كما لو كان خلافاً بين المحامين والصحفيين من ناحية وبين النيابة العامة والقضاء والدولة، من ناحية أخرى، وأبعد النقاش حول القانون الذي يصفه خبراء القانون والحقوقيون بأنه ثاني أهم وثيقة بعد الدستور، وأنه يأتي على رأس القوانين المكملة للدستور، عن تأثيره الواسع والممتد على المواطنين.

لم يظهر، بعد، المشروع في صيغته النهائية التي سوف تُعرض على النواب يوم الخميس المقبل للبدء في مناقشتها والتصويت عليها، ولم يتضح حجم التعديلات التي أدخلت على نص المشروع الذي أعدته لجنة خاصة ونوقش في لجنة الشؤون الدستورية والتشريعية في مجلس النواب، ومع هذا تظل التخوفات لدى المدافعين عن الحريات العامة والحريات الخاصة للمواطنين وكبار المحامين والسياسيين مشروعة في ظل البيئة السياسية التي يجرى فيها هذا التعديل، وقد جرى التعبير عن هذه التخوفات بشكل واضح في حلقة النقاش التي شارك فيها من المحامين الأساتذة منتصر الزيات وثروت الخرباوي وعصام الإسلامبولي وممدوح جمال، وأدارها المحامي النائب السابق إيهاب الخولي، رئيس اللجنة التشريعية في حزب المحافظين بحضور سياسيين ونشطاء وشخصيات عامة. 

انصرفت التخوفات التي عبر عنها المشاركون في النقاش إلى فلسفة القانون المقترح والغاية والغرض منه، وعلى الرغم من إدراك المشاركين إلى ضرورة إصلاح القضاء ومرفق العدالة، إلا أن القانون المقترح لا يحقق هذه الغاية وإنما يستهدف إحكام سيطرة السلطة التنفيذية على السلطة القضائية، بعد أن حولت السلطة التشريعية لأداة طيعة تنفذ مراميها، من خلال تغلغل أعضاء السلطة التنفيذية في لجان السلطة التشريعية وأعمالها، الأمر الذي يتضح من خلال تشكيل لجنة الشؤون الدستورية والتشريعية واللجنة الخاصة التي تشكلت لإعداد مشروع القانون، وهو وضع يتعارض تماماً مع فلسفة المشرع الذي أعد قانون الإجراءات الجنائية الأصلي، القانون رقم 150 لسنة 1950. وخلص النقاش إلى أن القانون المقترح والذي يشكل منعطفاً خطيرا يقوض أركاناً أصيلة للعدالة ويتضمن انتهاكات جسيمية لحقوق المواطنين، ويوسع من صلاحيات موظفي السلطة العامة والنيابة العامة والقضاء على حساب ضمانات المحاكمة العادلة، ويقنن الإجراءات المعمول بها فعلياً من خلال التعليمات الدورية الصادرة للنيابة العامة، والتي تحول تغول السلطة التنفيذية في أعمال السلطة القضائية إلى هيمنة مطلقة لنلك السلطة على بافي السلطات، الأمر الذي يعصف بمبدأ الفصل والرقابة المتبادلة بين السلطات، ويدمر المنطق الذي تقوم فكرة حكم القانون وسيادته.

نقطة التميز في نقاش الأمس تمثلت في النقاش السياسي وفي الإشارة إلى قيمة المعرفة والتحليل المستند إلى معلومات وحقائق، وكذلك الإشارة إلى جهود فقهاء القانون المصري في حقب مختلفة في تطوير الفكر القانوني والفقه القانون على المستوى الوطني والدولي ودورهم في بناء مرفق القضاء والعدالة في كثير من الدول العربية. ومن الأمور اللافتة، والمحزنة في الوقت نفسه، التي أشير إليها في النقاش أن المشرعين من كبار أساتذة القانون لم يجرؤوا على مدى عقود على الاقتراب من قانون الإجراءات القانونية، عن علم بخطورة هذا القانون ودراية بمخاطر المساس بمواده، وكل ما استطاعوا عمله هو إدخال بعض التعديلات على القانون فيما يتعلق بالنيابة العامة من حيث طبيعة مهمتها واختصاصاتها، وأخطر هذه التعديلات ذلك التعديل الذي اعتبر النيابة العامة جزءاً من السلطة القضائية في حين جعلها المشرع في عام 1950 جزءا من السلطة التنفيذية. 

لم يقتصر النقاش الذي استضافه حزب المحافظين بالأمس على تفنيد مشروع القانون المقترح وبيان عيوبه وتعارضه مع مواد في الدستور، مقارنة بالقانون الأصلي، وإنما اهتم المتحاورون بالبحث عن التحركات الممكنة للضغط من أجل سحب مشروع القانون الحالي وإعادة فتح النقاش حول التعديلات المرجوة، لاسيما التعديلات المتعلقة بالحبس الاحتياطي، وهي أحد المخرجات الأساسية للحوار الوطني. وتراوحت التوصيات التحركات لمراجعة القانون المقترح بين إعداد مذكرة وتقديمها لرئيس الجمهورية واللجنة العليا الدائمة لحقوق الإنسان تبين العيوب في مشروع القانون المقدم، وتوصي بسحبه كمبادرة ينتصر فيها رئيس الجمهورية للمواطن وحقوقه وبين الدعوة لتحرك سياسي متصاعد لإحباط تمرير مشروع القانون بصورته الراهنة من خلال مؤتمر عام كبير تتبناه حركة الأحزاب المدنية تشارك فيه المنظمات الحقوقية مع توضيح أن القانون بصورته الراهنة وبما يتضمنه من انتهاكات لحقوق المواطنين لن يكون نقطة تحسب لصالح مصر في المراجعة الدورية المرتقبة في مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة في جنيف خلال يناير القادم.
-------------------------------
بقلم: أشرف راضي

مقالات اخرى للكاتب

رسائل انتخابات الصحفيين وأولويات مجلس النقابة في الفترة القادمة