عدت من رحلة هروب امتدت ثلاثة أشهر ما بين كندا وامريكا.. نقاهة من واقع تسلل كالحيًة السامة.. سافرت مثقلة بغُربة عن مكاني وزماني!! أبتعد محيطا، وأهبط في براح طبيعة خلابة، أغربل أحلامي.. لعلى ألمح حلم الحياة الأفضل أو أسمع لها نبضها!! عاش جيلي يبشر بالعدل والانسانية مستشهدا بالتاريخ، واستيقظ وطوفان الرأسمالية يلتهم العدل والانسانية !! في محاولة للرضا بالفتافيت سافرت.
نعمت بأحضان أقرب حبايبي، الهاربين من آتون الخوف من بكره إلى أتون الغربة.. رحيقهم رطب روحي.. نرتشف الذكريات ترياقا قد يطيب حاضرنا.. نتبادل صور حاضرنا فأغلق عقلي، لن أنزلق إلى مصيدة المقارنات!! فتحت مسامي لدفقات جمال طبيعة مطمئنة في كندا، خالقها وحارسها الله، لوحاته أساطير.. بحيرات وخمائل، أشجار الغابات مزروعة بهندسة ربانية مذهلة ، تصطف كفرق حراسة الحياة.. تسبح خالقها فيهديها أمطار جمال، ومياه عذبة تفيض بحيرات بلا حدود، ممنوع المساس بها!! الدولة تؤمن مواطنيها ذاتيا بالتربية والتعليم وقوة القانون وحرية الرأي.
حماية الشجرة أهم من توسعة طريق.. المبنى الأثري ميراث شعب وملامحه، الدولة ملزمة بحمايته.. البط البري طايح في الشوارع براحته في مواسم الهجرة، القانون يجرم إزعاجها.. المرحلة الابتدائيه هي تهذيب السلوك المجتمعي للطفل، تعليمه الحفاظ على الموارد الطبيعية، النظافة، حماية نفسه من الأخطار، تدريبه على البحث والتفكير النقدي، والتعبير عن رأيه.
الطبيعة في كندا بثت في نفسي طمأنينة وفي روحي وعقلي صفاء.. بل فتحت قنوات تواصل مباشر مع الله وسط غزل البحيرات لتشكيلات سحب شقية ومزارع على مدي البصر.. تغرب الشمس بعد الثامنة والنصف، ناشرة غلالات نوم هادئ، تنزعها مبكرا فتستيقظ الحياة.. صيف كندا القصير مورفيني المناخ والمزاج، ابن اللذينا خلاب كحلم مدينتي الفاضلة.
تشبثت بالعودة لكوني من جيل يحيا الوطن مهما جفانا ولو أحفانا فترة.. هبطت طائرتي مطار القاهرة!! ساعتين وظهرت الحقائب على السير تتهادى، مشتبكة بحقائب أربع طائرات!! نشفق على أهالينا الصامدين على الرصيف صهد الحر يشويهم الحر والتلوث!! وصلت بيتي مفزوعة من سباق سوق على كيفك وسعنالك الشوارع ونسينا نقسمها حارات!! الموتوسيكلات أيضا حرة بلا مسار، تحتمي بنفير الشكمان وأفراح الكلاكس!! الطريق للبيت يمر بشارع العروبة مدخل مصر الجديدة رائع التنسيق.. حتى نكسر يمينا ونعبر الكلية الحربية..خلف نادي الشمس، تحت الانشاء( من سنتين) مشروع سكني متكامل لمستثمر عربي، ترتفع المباني وتنافسها جبال أتربة الحفر، الله يعطيه العافية ويأمر برفعها رحمة بمصر الجديدة المكسوة ترابا.. أعلم أن القانون يحمي المستثمرين، ممكن المواطنين كمان!! لأن المقابر البديلة بعيدة، وأدوية الحساسية متحفظ عليها لحين تجديد التسعير!! هل رفع جبال التراب مسئولية الحي، ام أن تراب المستثمر ملكية خاصة!!
أغض البصر وأنام للصبح، أفتح جرائد وحشتني!! فتعود بي أربعين عاما للخلف!! الماضي حاضر مستمر بفوله وعدسه ووعوده وأحزمة الصبر!! أصابتني حالة " مش معقول".. رئيس الحكومة يعلن للشعب أن الحر هو سبب غلاء الطماطم.. يعلن عدم سعادته بغلاء فرض نفسه للحفاظ عل استقرار الدولة!! وجدت الشعب راكعا في بيوت الله يترجى رفع الغلاء والبلاء، وأي جمعية مع الجيران لأن فوائد مكاتب التسليف وغرامات تأخيرها فاقت البنوك!!
أما وزير تعليم أولادنا، فقد توصل لحل عبقري لدعم التحديات.. ضرب عصفورين بقرار واحد..حذف مادتي الفلسفة وعلم النفس والجيولوجيا، ساد عجز معلمي المواد الأهم دون تعيينات جديدة!! وطعم المناهج والمقررات بما يرتقي بلغتنا العربية، لأن الأمة العربية مجتمعة في مصر- كما قال سيادته-.. رغم أن أولاد الأشقاء العرب لهم مدارسهم!! كما طرد اللغة التانية من المجموع!! ياريت مراجعة أحصائيات التسرب من التعليم لتوفير العيش الحاف.. بلاها تطوير التعليم.
أعلن وزير صحة السودان انتشار الكوليرا وباءا معديا في 10 ولايات سودانية من 18، وان الإصابات وصلت12 ألفا!!
أما وزير صحتنا فتفقد أسوان، وأعلن أن كله تمام، لا توجد كوليرا و92% من محطات المياه سليمة، واتصور بيشرب!! وللشفافية أعلن وجود البكتريا الاشريكية (الايكولاي) التي تحدث من تلوث الطعام أو مياه الشرب!! مؤكدا أن منظومة الصحة في مصر متطورة ومتمرسة ومتحدية.. ناصحا بغسل الأيادى بعد الأكل وبعد ال..... اقتنعنا، مش هانسمع إشاعات.
--------------------------
بقلم: منى ثابت