على بعد شهر من إضراب عمال وبريات سمنود، المطالبين بتطبيق الحد الأدنى للأجور، عقدت أمانة العمال في حزب الكرامة مؤتمرا تضامنيا دعما للعمال والعاملات، وبمشاركة عدد من القوى السياسية – العمالية.
المؤتمر الذي عقد تحت عنوان " شهر على صمود عمال سمنود ماذا بعد"، حيا صمود العمال المضربين، رغم ضغوط الإدارة عليهم، حيث لم يتلقوا أجورهم منذ أكثر من شهر، وذلك لمطالبتهم بتطبيق الحد الأدنى للأجر الذي أعلن عنه رئيس الجمهورية في مايو الماضي، وعودة زملائهم العشرة الموقوفين عن العمل.
أزمة عمال سمنود، بدأت حين نما إلى مسامع العمال ما يفيد باستحواذ مستثمر جديد على الشركة، في وقت ترفض فيه الإدارة تنفيذ القرار الرئاسي برفع الحد الأدنى للأجور إلى مبلغ ستة آلاف جنيه، منذ مايو الماضي، ما يجعل العمال تحت رحمة المستثمر الجديد، الذي لم تعلن الإدارة طبيعة شروط تعاقدها معه.
وبعد تعنت مستمر من الإدارة ورفض تام للحوار، قرر العمال خوض إضراب عن العمل في 17 أغسطس الماضي، مطالبين بتطبيق الحد الأدنى للأجور، في المقابل رفضت الإدارة طلب العمال، متذرعة بالخسائر التي تمنى بها الشركة منذ سنوات.
ذلك رغم الانتهاكات والتضييق الذي يجرى عليهم بما فيها قطع كهرباء المصنع عنهم، وإلقاء القبض على تسعة منهم، وهم: “حمدي شابون، وهشام البنا، ومحمد الحلو، وتامر الدجله، ومحمد الخمري، وهانم جوهر، وسماح المسدي، وهند فاروق، وسعاد العريان" وجميعهم تم الإفراج عنهم بعد أكثر من أسبوع ماعدا هشام البنا الذي أفرج عنه الأسبوع الماضي.
لحق قرار الإفراج قرار إداري آخر بتحويل العمال العشرة مضافا إليهم نورا أبو النجا للتحقيق، والإيقاف عن العمل، كما ثبت أن الشركة هي مقدمة الشكوى في الأوراق الرسمية رغم إنكار، المدير سعد عبدربه.
قضية مفتوحة.. مصير مجهول
خلال المؤتمر تداعى الحضور إلى شرح أبعاد الأزمة، واجتمعوا على أنها جزء من سياق قاس تعيشه كافة فئات الشعب المصري، كما أن حالة سمنود تعد نموذجا متكررا في الصناعات المصرية، التي داومت الأنظمة السياسية على محوها، واستبدالها بالاقتصاد الورقي، الذي يعتمد على الاستدانة، ويتماهى مع تعليمات صندوق النقد الدولي.
من جانبه أوضح المحامي والناشط العمالي هيثم محمدين أن تحويل العمال العشرة للتحقيق مع عدم حفظ النيابة للتحقيقات هو أحد المشاكل التي تقابل العمال وتشكل خطرا على استقرارهم الوظيفي والمادي، إذ أن استمرار القضايا ضدهم، وعدم حفظها بشكل نهائي، يمنح الفرصة لصاحب العمل لتحويلهم إلى التحقيق لزمن لانهائي، وبالتالي حصولهم على نصف الراتب الأساسي كما ينص القانون، مما يجعل مصائرهم ومصائر أسرهم في مهب الريح لسنوات.
من جهة أخرى لفت محمدين إلى ان التهم التي يحاكم عليها العمال مثل التجمهر وغيرها ترجع لقوانين بعضها منذ الاحتلال الإنجليزي، استغلتها الأنظمة المتعاقبة ضد العمال، مطالبا بوقف استغلال تلك القوانين ضد العمال، وإضراباتهم السلمية.
وهم وعود التطوير
القيادي والعامل في المصنع هشام البنا والذي أفرج عنه بعد احتجازه من قبل قوات الامن واتهامه بتعطيل سير العمل والتجمهر وقلب نظام الحكم هو وزملاؤه، لفت إلى سنين طويلة وإداريين للشركة مختلفين، جميعهم يعدون بخطط للتطوير، دون نتيجة تذكر.
وذكر هشام بانخفاض عدد العمال من 1300 إلى 500 عامل، وخفض النولات إلى 30، وكذلك الماكينات التي تعمل منذ الثلاثينات لتصل إلى ستين ماكينة، ورفض الجميع بما فيهم لجنة وزارة الصناعة تصليح ماكينة الجينز التي لايوجد منها في مصر سوى نسخة واحدة، ورغم أرباحها المضمونة، وانتاجها عالي الجودة.
كذلك لفت البنا إلى أن ملكية الشركة وهي من الشركات المساهمة التي كان لغزل المحلة اليد العليا فيها، وكان المسؤول عن المصنع لابد أن يكون مهندسًا، إلا أنها باعت حصتها لبنك الاستثمار القومي الحكومي أيضًا، الذي تعد أموال التأمينات هي الممول الرئيسي له، وأصبح المسؤول الداخلي يعمل بوظيفة مصرفي تابع للبنك، ما يجعل التفاهم حول التطوير ومشاكل العمال بعيدة كل البعد عن خبراته الأساسية، ما تسبب في خسائر ضخمة للشركة.
هشام البنا لفت أيضا إلى تضارب المصالح الواضح حيث إن المسؤول السياسي عن الشركة هي وزارة التخطيط ووزيرتها، وهي أيضًا الرئيسة للمجلس الأعلى للأجور، والتي تبت حاليا في طلب الاستثناء المقدم من إدارة الشركة لعدم تطبيق الحد الأدنى.
غياب التنظيم النقابي
بدوره قال عبد الرؤوف محمد حسين أمين عام اتحاد تضامن النقابات العمالية أن تراجع الحريات النقابية جوهر مشكلة العمال في الظروف الراهنة، ففي حالة عمال سمنود، غياب الكيان النقابي حرمهم من المفاوضة الجماعية المشروعة، حيث رفضت الإدارة على مدار سنوات ومنذ آخر لجنة بالشركة تولاها هشام البنا، تدشين تنظيم نقابي، وكان هذا سببا في جهل العمال التام بأحوال المصنع وحدوده من الربح الخسارة، فالشركة التي أورد في التحقيقات الرسمية أن إضراب العمال جعلها تخسر 500 ألف جنيه في اليوم، تعود لترفع راية الخسارة في وجه مطالب العمال.
حسين أيضا لفت إلى الصعوبة التي تكتنف إنشاء نقابات مستقلة، رغم وجود القانون المنظم للأمر إلا أن وزارة العمل وخلال السنوات الأخيرة توقفت عن قبول أوراق النقابات الجديدة، مما يضطر العمال للتصعيد في مواجهة أصحاب الأعمال، حيث لا توجد جهة للتفاوض منتخبة ويثقون بها.
المرشح الرئاسي الأسبق حمدين صباحي اعتبر أن التضامن مع العمال في حقوقهم أمر ملح، في ظل صعوبة الوضع الاقتصادي الذي نعيشه جميعا كمصريين.
كما اعتبر صباحي أن نصرة العمال يعد أضعف الإيمان خصوصا بعدما خذلنا أهلنا في غزة ولم نشارك في نصرتهم على عدو صهيوني، لديه أطماع في كل المنطقة. مطالبا في الوقت نفسه بخروج كافة المعتقلين من السجون خصوصا معتقلي التضامن مع فلسطين.
في نهاية المؤتمر دعا الناشط العمالي الصحفي هشام فؤاد إلى تفعيل التضامن مع العمال، وإبرازه، مقترحا إرسال "حلاوة المولد" لهم كنوع من إظهار الدعم، والتحرك من أجلهم عبر تحالف القوى السياسية المختلفة.
وفي نهاية المؤتمر أعلن البيان الختامي، والذي ركز فيه على تأكيد القوى السياسية والنقابية المجتمعة في حزب الكرامة دعمها الكامل لاضراب عاملات وعمال سمنود المتواصل، للمطالبة بتطبيق القرار الرئاسي برفع الحد الأدنى للاجور إلى ستة الأف جنيه.
كما أدان البيان ما سماه بتواطؤ " حكومة العلمين" مع رجال الأعمال وإدارات الشركات الذين يعصفون بحقوق الفقراء.
شدد البيان أيضا على أن نضال عاملات سمنود هو جزء لا يتجزأ من نضال عمال مصر الذين يناضلون حاليا من أجل رفع أجورهم في وقت ترتفع فيه الأسعار بشكل متسارع، وتنخفض فيه قيمة العملة الوطنية.
من جهة أخرى أشاد البيان بصمود العمال الأسطوري رغم التنكيل والاعتقال ووقف صرف الرواتب، والإيقاف عن العمل، باعتبار الأمر جزء من معركة إعادة توزيع الثروة في المجتمع لصالح العاملين بأجر، وكذلك من أجل إزاحة الدولة البوليسية وبناء مجتمع ديمقراطي تحترم فيه حقوق الاضراب والاعتصام والتظاهر. ٠
وقال البيان" إذ يرحب المجتمعون باخلاء سبيل عمال سمنود الثمانية واخرهم القائد النقابي هشام البنا ولكنهم يشددون ع ضرورة محاسبة من اتخذ قرار القبض ع هذا العدد من العاملات من منازلهن لاول مرة في تاريخ الحركة العمالية ودون ان يسمح لهن بتغيير ملابسهن وكذلك القبض ع القيادي النقابي هشام البنا واقتياده معصوب العينين والكلابشات في يديه من منزله".
ورغم كل المبادرات المقدرة التي تسعى لحل الأزمة فبحسب البيان يعرب المجتمعون عن غضبهم لحالة التجاهل والتواطؤ الحكومي المتواصلة منذ شهر لمطالب العمال رغم أن شركة وبريات سمنود تملكها جهات حكومية.
كما أن وزيرة التخطيط التي يتبع لها بنك الاستثمار القومي صاحب الحصة الأكبر في الشركة هي ايضا عضوة في المجلس القومي للأجور إلا أن المجلس لم يجتمع حتى اليوم لمناقشة طلب الشركة المقدم من ٢٣ مايو، وكذلك لم تقم وزارة العمل بإلزام إدارة الشركة بتنفيذ القرار كما تنص اللوائح لحين الفصل في الطلب.
شدد البيان ع أحقية العمال في تأسيس تنظيمهم النقابي ليمثل العمال في ظل تواطؤ الاتحاد الحكومي وفي ظل توحش رأس المال وعصفه بكل حقوق العمال الذين يواجهون عام دراسي جديد وعيونهم خاوية ولا يستطيعون تلبية احتياجات أبنائهم من ملابس وحقائب دراسية وكتب الخ.
كما أكد المجتمعون مجددا ع ضرورة الغاء القيود المجحفة الواردة في قانون العمل على حق الاضراب والتي تعرض العمال المضربين للفصل والحبس، لافتين إلى أن تعثر الشركة ليس مسؤولية العمال ولكنه مسؤولية أصيلة للإدارة التي تتعامل مع الشركة كـ " أصل" بلغة البنوك الذي يمكن التربح منه ببيعه.
كما فصل البيان مطالب العمال في:
أولا: تنفيذ القرار الذي أصدره رئيس الجمهورية برفع الحد الأدنى للأجور إلى ٦٠٠٠ جنيه وهو الرقم الذي اعتبره الرئيس نفسه غير كافي مشيرا في تصريحات سابقة له الى أن "أي أسرة لا تستطيع مواجهة أعباء المعيشة بمبلغ أقل من ١٠ آلاف جنيه".
ثانيا: رفع الإيقاف عن قيادات العمال العشرة وعودتهم للعمل.
ثالثا: صرف رواتب العمال المتأخرة فورا.
رابعا: ربط الأجر بالأسعار.
-------------------------------
تقرير : أسماء زيدان