10 - 05 - 2025

مؤشرات | لغة انفعال الصغار وموقف الكبار وسد النهضة

مؤشرات | لغة انفعال الصغار وموقف الكبار وسد النهضة

تصريح خطير جدا خرج به المشير "برهانو جولا" رئيس الأركان الإثيوبي ويحمل حالة من الكراهية، عندما وصف مصر بـ"العدو التاريخي"، رغم ما قدمته مصر لبلاده، وظلت داعما لها في كثير من القضايا، ورغم أن مصر (الدولة) أعلت على مدى 13 عاما روح الدبلوماسية في معالجة أزمة ملف سد النهضة، وإعلاء مصلحة الشعوب فوق المصالح الضيقة والخاصة.

للأسف الشديد جاء كلمات المسؤول العسكري الإثيوبي لتؤكد حالة التوتر التي يعيشها النظام الإثيوبي من أي تحرك مصري أو من خلال بناء أو توقيع اتفاق مصري إثيوبي، وتسيطر حالة الإنفعال على المسؤولين الإثيوبيين، متوهمة وجود حرب او شبه حرب تعتزم مصر أن تقوم بها، ليأتي الرد أكثر انفعالًا.

والغريب في الأمر أن يمر تصريح هذا المسؤول العسكري في أديس أبابا، دون توضيح أو اعتذار، لمجرد أن نفذت مصر بنود اتفاق دفاعي مشترك بين مصر والصومال، بإرسال مجموعة من قواتها إلى مقديشيو ضمن قوات حفظ السلام في القرن الإفريقي في إطار اتفاق أفريقي أوسع، لينفعل (جولا)، قائلا أن الصومال تتعاون مع دولة .... ، ويوجه اتهامات مباشرة لمصر "العدو التاريخي لبلادنا".

المؤكد أن مصر وعلى تاريخها لم ترفع درجة العداء لأي من دول الجوار والمحيط العربي والإفريقي، سوى العدو المشترك المتمثل في "الكيان الصهيوني"، بينما اتبعت دول من بينها العداء لمصر، خصوصا في ملف مهم وهو "ملف المياه"، ومحاولة تقليص حصة مصر في مياه النيل، والذي يمثل شريان حياة لمصر والسودان، بل الأخطر أن يتم هذا بتعاون واضح مع عدو مصر والعرب التاريخي وهو الكيان الصهيوني.

ورغم الكثير من الاستفزازات التزمت مصر بسياسة ضبط النفس، وظلت تتصرف بتصرف الكبار وبلغة المسؤولية، ولم تدخل في أي حوار جدلي، ولم تنجر إلى مشاحنات سياسية مفضوحة مثل تلك التي خرجت من أديس أبابا، بالرغم من قدرة مصر على الرد بكل الوسائل، لكنها ظلت بعيدة عن التصعيد دون أي تهديد مباشر أو غير مباشر، وظل الرد يتمثل في حق مصر التاريخي في مياه النيل وفق المواثيق الدولية.

رغم كل التصريحات من أديس أبابا وعلى رأسها تلك التي خرجت على لسان رئيس الوزراء "آبي أحمد"، راعت مصر "الكبيرة" على كل المستويات مسؤوليتها ومواقفها، ولم تنجر للغة الوعيد والتهديد، وأبدت حرصها على الاستقرار لدول الجوار والامتداد الإستراتيجي الإفريقي، وظلت تدافع فقط عن الحق في حماية كل ما يتصل بأمنها القومي والوطني، وحقوق شعب عريق.

لاشك أن اثيوبيا ومنذ البدايات الأولى لأزمة سد النهضة اتخذت من لغة (لا تفاوض) منهجًا لحل المشاكل والتوصل لأي حل مناسب يراعي حقوق كل الأطراف، واعتبرت أن مياه نهر النيل هو حقها فقط، لدرجة خروج تصريحات رسمية في يوم ما تعني "كفى لمصر والسودان من مياه النيل استفادتهم منها لسنوات طويلة".

فأي عاقل يقول ذلك؟!، إلا أن مصر غضت الطرف عنها من أجل بناء علاقات سوية، وظلت أديس أبابا تسير على العكس، لتغلق أي باب أو نافذة لحوار جاد حول سد النهضة لتصل إلى ما نحن فيه، بل يصل الأمر لاستفزاز أكبر وأعلى بغلق فتحات السد، لتحول دون مرور المياه إلى السودان ثم مصر.

واهتزت فرائص إثيوبيا لمجرد أن مصر خاطبت مجلس الأمن للتأكيد على حق تاريخي في مياه النيل والسعي لاتفاق ملزم يراعي مصالح كل الأطراف، مع إبراز أن هذه القضية هي مسألة وجودية لمصر لأن المياه حق في نهر شريان مشترك وعابر للحدود، كما اهتزت فرائص أديس أبابا لمجرد وصول قوات حفظك سلام إلى الصومال... فماذا لو هددت مصر فعليا بحماية من نوع أخر لمياه النيل؟!.

يبدوا أن لغة الساسة لم تعد تصلح مع الصغار والذين يهددون أمن مصر القومي، وحقوق شعبها، بل من الواضح أن الأمر كله بحاجة إلى لغة جديدة، وأكثر حزمًا ومن على بعد خطوات، حتى يدرك من يهدد مصالح مصر جنوبًا أو شمالًا أو شرقًا او غربٍا، أن مصر هي قاهرة كل من يهدد أمنها وحقوق شعبها.
------------------------------------
بقلم: محمود الحضري


مقالات اخرى للكاتب

مؤشرات | ثقوب مميتة من حادث غاز الواحات والبنزين المغشوش