ـ أخطر أخطاء "حدتو" المصرية ترك إطاحة النظام الملكي للجيش
ـ ترجمت مابين 40 و50 كتابا ولا أتعامل مع الترجمة كوظيفة
ـ عناوين كثيرة تراود تفكيري لكتابة تجربتي في هذا العالم
ـ في لبنان كلهم يحاولون التبرؤ من الطائفية
في الجزء الثاني من الحوار مع الشاعر و المفكر والمترجم اللبناني "كميل داغر"، يجيب عن أسئلة تتعلق بتقييمه لحركة نشر الكتاب والترجمة ولأحوال الثقافة والمثقفين في بيروت، وأبرز ما لحق بها من تغييرات على مدى نحو نصف القرن. وأيضا يتحدث عن علاقته بالترجمة، و سياقاختيار ونشر أهم ما أنجزه من ترجمات للمكتبة العربية.
كما يتطرق هذا الجزء من الحوار إلى كتبه وكتاباته الأخيرة، ومشروعاته على صعيد الكتابة الفكرية والنشاط السياسي التنظيمي، الذي يقول بأنه مازال متواصلا، ولآرائه في الحالة الطائفية ببلده لبنان، وكذا بشأن الانتفاضات والثورات العربية منذ العام 2010.
وإلى نص الحوار:
(تراجع نشر الكتاب بلبنان)
- كيف ترى الآن موقع لبنان،على صعيدي الترجمة والنشر، ولا سيما بعدما ظهرت مراكز للترجمة في الكويت ثم قطر وفي المغرب وتونس على نحو خاص؟.
ـ في العقدين الأخيرين، حدث تراجع في لبنان على صعيد النشر. والحقيقة أن هذا التراجع ظهر في شتى المجالات، وليس الترجمة وحدها. وهذا له بعده العالمي، لأن وسائل الاتصال الحديثة أدت إلى تراجع أهمية الكتاب الورقي إلى حد كبير لصالح الكتابة الإلكتروني.، ولكن ربما ايضاً بسبب التراجع العميق في الحالة الاقتصادية - الاجتماعية في لبنان، وذلك نظراً لتدهور الأوضاع الاقتصادية. وقد انعكس هذا الأمر على شراء الكتب.
وفي كل حال، فمن البداية، كانت نسبة من يشتري الكتاب في لبنان، منخفضة. وهي لاتقارن بالوضع في البلدان الأوروبية. وبالتالي فإن لدينا جملة أسباب أو معطيات تجعل النشر في تراجع ملموس.
وعلينا أن نأخذ في الاعتبار أن دور النشر في لبنان، على نحو خاص، لاتنشر إلا عندما تتحقق من أن الكتاب سوف يدر عليها أرباحا حقيقية. كما أن الدولة في لبنان لاتساهم في نشر الترجمات ورعايتها. والنشر يجري كله بمجهودات خاصة، سواء من شركات، أو أفراد يتوخون الربح بشكل أساسي، أو التأثير في الحياة السياسية. وكل هذه عوامل مهمة.
واليوم إذا ذهبت إلى معارض الكتاب ستجد أناسا لكنهم أقل مما سبق، ومعظم الناس لا يشترون ويكتفون "بالفرجة".
وبالنسبة إلى نشر الترجمات على نحو خاص، ربما لست أصلح من يتحدث في هذه الموضوع. لأنني لم أتعامل مع الترجمة كوظيفة، ولم أكن مهتما بمتابعة حركة الترجمة أو النشر بصفة عامة من هذه الزاوية. وأساسا علاقتي بالترجمة من باب الاهتمام بما هو ضروري أن يجده القارئ اللبناني والعربي، انطلاقا من أفكاري السياسية، ورؤيتي الخاصة للإبداع الفني.
لكن ما يستحق الذكر أنه خلال العشرين سنة الأخيرة، على صعيد الترجمة ثمةاهتمام خاص بموضوعات لا علاقة لها بالإبداع الفني. فالأكثر مبيعا تتصدره عناوين كتب الطبخ والدين، أو روايات ليست متقدمة من ناحية الثقافة والفكر والوعي الإنساني.
(بيروت تنشر بكثافة خلال الحرب الأهلية.. كيف؟)
- وكيف تفسر ماكان من استمرار نشر الترجمات والكتب في بيروت، في ظل سنوات الحرب الأهلية؟
ـ كان لدينا في ظل الحرب الأهلية نسبة عالية من المثقفين القادمين من دول أخرى إلى لبنان. وربما كانت الأموال تتدفق إلى لبنان في اطار الإنفاق على الحرب، ليذهب بعضها إلى نشر الكتاب. وبعدها جاء تراجع كبير على صعيد إنتاج الكتب. وتماما مثلما تدهورت القطاعات الأهم للإنتاج، كالصناعة، والزراعة، لصالح الخدمات، انعكس ذلك على الوضع الاقتصادي والقدرة على شراء الكتب. وبالتالي على قدرة دور النشر على دفع الحقوق المالية مقابل الترجمة.
- مع أهمية ما قدمه اللبنانيون من ترجمات إلى اللغة العربية في بواكير التعرف على الفكر الماركسي، ثمة انتقادات لجانب من هذه الترجمات، سواء على مستوى اختيار النصوص أو نقلها إلى العربية.. ما رأيك؟.
ـ هناك نسبة هامة من المترجمين لايملكون الكفاءة الكافية، على هذا الصعيد. وهناك كتب مترجمة غير صالحة للقراءة، وهذه نسبتها كبيرة. وبالإضافة إلى هذا فإن دور النشر تدفع مبالغ ضئيلة للمترجمين. وهناك فارق هائل بين مايدفع هنا وما يدفع للمترجم في أوروبا أو أميركا.
وعلى المستوى الشخصي، أرى أن هناك نسبة عالية من الكتب الماركسية التي جرى نقلها إلى العربية، كان من المهم أن تجري ترجمتها، وأن قسماً لا بأس به ترجمته جيدة. وهذا على الأقل وفق ما أمكنني الاطلاع عليه.
- هل ترى تأثيراً ما لناشري الترجمات إلى العربية على اختيارات النصوص واتجاهاتها وأولويات الترجمة؟
ـ أظن ذلك. ولكن على الأقل في ما يخصني، نادرة هي الكتب التي ترجمتها بناء على اختيار دور النشر وأصحابها.
- الملاحظ وكأنك لم تخرج في نشر ترجماتك عن حدود التعامل مع دور النشر اللبنانية. وهذا على الرغم من دخول هذا النشر في حالة الانكماش والأزمة.. لماذا؟.
ـ نشرت لي "دار الجمل" بألمانيا كتاباً عن "جورج حنين" (بعنوان: جورج حنين رائد السورياليين العرب، من تأليف ساران الكسندريان، وهو صادر في العام 1999). كما نشرت "دار الحصاد" السورية ترجمة كتاب "اللينينية في ظل لينين" لـ "لمارسيل ليبمان" ( صدر في العام 1988). وهناك دار نشر سورية أخرى اسمها "جفرا" ترجمتُ لها كتابا عن "بيكاسو" كتبته رسامة عاشت معه حوالي عشر سنوات، اسمها "فرانسوا جيلو" (بعنوان : حياتي مع بيكاسو، 1994). وفي الحقيقة، لم أجد اهتماما من دور نشر غير هذه الدور خارج لبنان، بطلب ترجمات من وضعي. أما في بيروت، فقد كانت هذه هي دور النشر التي أمامي كي أنشر من خلالها.
(الأهم والأكثر انتشار في ترجماته)
- هل تتفق مع رأي قائل بأن كتابات "إسحق دويتشر" و"إرنست ماندل"، ثم "مكسيم رودنسون"، هي من أهم ما ترجمت من اعمال، على صعيد الفكر السياسي النقدي والمتجاوز للستالينية والمدارس الشيوعية التقليدية؟.
ـ لا أعرف ما إذا كان "رودنسون" خارج المدرسة الستالينية أم لا. وأنا ترجمت له جزءاً يتعلق بلبنان وسورية، بشكل خاص، و"دار الحقيقة" طلبت اختصار الكتاب. (الكتاب بعنوان: الماركسية والعالم الإسلامي، وصدر العام 1974). وعلى أي حال، أنا ترجمت مابين 40 و50 كتاباً، ولم أعد أتذكر جيدا. وفعلاً، قد تكون بين أهمها كتب "إرنست ماندل" و" إسحق دويتشر".
- ماهي، وفق ما تعلم وتتذكر، أكثر الكتب التي ترجمتها رواجاً وانتشاراً؟ وبصفة عامة ما أكثر كتبك انتشارا؟.
ـ أظن أن ثلاثية "النبي المسلح"، و"النبي الاعزل"، و"النبي المنبوذ"، لإسحق دويتشر، هي التي ينطبق عليها هذا الحكم، وإلى حد ما "قصة حياتي " لشارلي شابلن"، و"حياتي مع بيكاسو" لفرانسواز جيلو.
- في المقدمة التي كتبتها لكتاب " هنري كورييل رجل من طراز فريد" لـ"جيل بيرو" ، الصادر في بيروت عن "دار النضال" العام 1986، إشارة إلى أنك ركزت على ترجمة الجزء الخاص بمصر وتركت أجزاء أخرى. أظنها تتعلق بالثورة الجزائرية وحياته في فرنسا، بعدما غادر مصر. كما قدمت في هذه المقدمة نقدا لبعض أفكار "كورييل" وكاتب سيرته هذه "بيرو".. في المحصلة كيف تقيم هذا الكتاب وخط "كورييل" و"حدتو" (تنظيم الحركة الديمقراطية للتحرر الوطني في مصر)؟، وأيضا لماذا لم تجر الترجمة الكاملة للكتاب؟.
ـ على ما أذكر، فإن صاحب الدار التي نشرت الكتاب كان يفضل الاقتصار على هذا الجزء من حياة "كورييل". وانا أحيلك الى ما هو وارد في تلك المقدمة للجواب عن سؤالك، إذ لا أزال أتبنى تقييمي ذاته الوارد فيها. علماً ان تقييمي لحركة "حدتو" يرتبط بموقفي من كل الحركات التي كانت تلتزم بما يمليه عليها المركز السوفييتي من مواقف وأفكار.
وأظن أن أخطر اخطائها يتمثل في فشلها في توظيف النقمة الشعبية المصرية على النظام الملكي - ليس فقط على المستوى الاجتماعي - الاقتصادي، بل أيضاً على المستوى الوطني، وبخاصة بعد حرب 1948 الخيانية التي أنتجت الكيان الصهيوني وما يجره من كوارث على عالمنا الراهن – لإطاحة ذلك النظام ، بدل ترك تلك المهمة للـ"ضباط الأحرار"!
("شابلن" خارج النمط التقليدي)
- اخترت ترجمة كتاب "حياتي" للفنان "شارلي شابلن"، وصدرت طبعته الأولى عام 1994 من بيروت (المركز الثقافي العربي). بالطبع "شابلن" معروف بحسه الاجتماعي الطبقي. لكن لو توضح أكثر ما الذي ذهب بك إلى هذا الاختيار، بعدما كنت قد ترجمت نصوصا مهمة مؤسِّسة في الفكر الاشتراكي، مثل ثلاثية "إسحق دويتشر" قبلها عن "تروتسكي"، وكتباً أخرى خلال عقد الثمانينيات من القرن العشرين؟
ـ "شابلن" شخص خارج النمط التقليدي العادي في السينما. ويمكن اعتبار سينما "شابلن" ملتزمة على الرغم من طابعها الفكاهي. ولا ننسى أنه عاش طفولة قاسية جدا، وأمه أصيبت بخلل عقلي ونفسي بسبب الجوع، وأن كل أفلامه ناقدة للواقع الاجتماعي، مثل فيلم "الدكتاتور" و فيلم "العصور الحديثة". كان عنده موقف، قد يصح وصفه بالثوري، من بعض النواحي. وربما هذا ما دفع "الماكارثية" الاميركية إلى اضطهاده، لدرجة إجباره على مغادرة الولايات المتحدة، لنحو عشرين عاماً.
(عناوين كتابة كثيرة والحق في الكسل)
- في العام 2010، نشرت في بيروت "بدار التنوير للطباعة"، كتاباً بعنوان"ينبغي أن نحلم: نصوص في سياسة هذا العالم"، وهو بالأصل مجموعة مقالات نشرتها من قبل بالصحافة اللبنانية. ثم لم أعثر، على الأقل، في مكتبة الجامعة الأمريكية ببيروت على عناوين كتب منشورة لك لاحقاً تترجم ثقافتك وخبرتك في الحياة والثقافة والسياسة.. هل هذا دقيق؟، ولماذا لم تنشر بعدها كتباً من تأليفك لو صح هذا الأمر؟.
ـ إذا طال بي العمر بضع سنوات أخرى، ربما يصدر لي شيء من هذا القبيل، علماً بان عناوين عديدة تراود تفكيري كثيراً، وأحاول أن أضع تصاميم ومخططات لها، على امتداد المرحلة الاخيرة من تجربتي في هذا العالم.
في كل حال، ربما يجب على المرء ان يتخلص أحياناً من شيء قد يكون بالغ الإزعاج والضرر، شيء يعتبره البعض حقاً من الحقوق الإنسانية الأساسية، ويسمونه "الكسل"!. وأنا أتساءل، أحياناً، إذا كان هذا الوضع منطبقاً، بصورة أو بأخرى، عليّ.
- لو عدنا إلى مقدمة كتابك "ينبغي أن نحلم"، لوجدنا وعدا بتخصيص كتابة لاحقة مستفيضة عن حرية الرأي في ظل انهيار الأحلام الكبرى والإحباط واليأس. وهذا مع الإقرار بأن لبنان يتمتع بأوسع هامش من حرية التعبير نسبياً، مقارناً بمحيطه العربي. كيف ترى الآن أهمية هذا الأمر؟ وهل تطلعنا على جانب مما تعرضت له في السابق من مشكلات تتعلق بحرية نشر الرأي؟. وأظن أن مقدمة الكتاب أشارت إلى ذلك، في عجالة، ودون إيضاح لهذا.
ـ ما تذكره مما ورد في مقدمة "ينبغي ان نحلم"، هو أحد هذه المشاريع، التي كُتب الجزء الاكبر منها، ولكن لا يزال جزء أساسي قيد الإعداد. أما بخصوص المشكلات التي تشير إليها فلم تكن يوماً على هذه الدرجة من الاستعصاء، ولم تشكل بالتالي عوائق لا مجال لتجاوزها.
(انتفاضات وثورات ستتواصل)
- هل ترى أن الانتفاضات التي عرفتها المنطقة بعد 2010 وصولا إلى ما عرفه لبنان 2019، مازالت تتفاعل وقد تتولد عنها ثقافة جديدة، سواء على مستوى الفكر السياسي أو الأدب والفنون؟ وبالمقابل، هل تعتقد أن هناك عوامل تعرقل أن تخلق هذه الأحداث الكبرى في منطقتنا لدينا تياراً من الانتاج الفكري والوعي والإبداع بحجم تأثيرات ما كان للثورة الفرنسية وثورة أكتوبر الاشتراكية في روسيا، وحتى بخصوص تأثيرات نكبة 1948 وهزيمة 1967 علينا؟
ـ الانتفاضات التي تشير إليها سرعان ما ووجهت بثورات مضادة، حظيت بدعم هائل من الإمبريالية العالمية من جهة، ومن الأنظمة الرجعية العربية من جهة أخرى. وبالتالي فهي فشلت في إحراز الغلبة. وذلك على عكس ما حصل في فرنسا 1789، وروسيا 1917. لأجل ذلك، لم يقيض لها أن تخلق ظروفاً تسمح بإنتاج ما تذكره من أسباب الازدهار الفكري، والإبداع.، فضلاً عن تأثيرات مماثلة لتلك التي أحدثتها الثورتان الفرنسية والروسية.
ولكن ما يمكن الجزم به هو أنها خلقت حالة من الجاهزية لتكرار ما حدث في العقد الماضي، على امتداد مجموعة واسعة من البلدان العربية، من ضمنها لبنان. والبروفسور "جلبير الاشقر" نجح في كتابيه، "الشعب يريد" و"انتكاسة الانتفاضات العربية..."، وفي مجموعة من المقالات التي ينشرها في الصحافة العربية والعالمية على التوالي، في وصف الحالة التي بدأت في تونس في كانون الأول/ ديسمبر 2010، بالسيرورة الثورية التي سوف تتواصل، متحدية كل العوائق التي حالت حتى الآن، وقد تحول مجدداً، دون انتصار هذه الانتفاضة ، أو الثورة، أو تلك، طالما تستمر الظروف التي تتسبب بها. وهي ستستمر!
ولأجل ذلك، أظن ان الوقت سيحين لإحراز الجماهير، المتعرضة للاستغلال والقهر والقمع، النصرَ الذي تتوق إليه، ولا سيما بقدر ما تتمكن قوى التغيير من أن تجمع بين نضج الظروف الموضوعية للانفجارات الثورية، والنجاح في انتاج ظروف ذاتية ملائمة لانتصار هذه او تلك من الثورات القادمة.
- وكيف ترى التواصل والتفاعل بينك وبين جيلك من المثقفين التقدميين في لبنان مع الأجيال اللاحقة هنا؟. وهل أنت راضٍ عن هذا التواصل والتفاعل؟ وما هي المشروعات السياسية والتنظيمية التي ناضلت عبرها بعد ثورات الربيع العربي وما هو تقييمك لها؟
ـ كنا، في التنظيم الذي نستمر في العمل ضمنه، منذ عقود، ألا وهو "التجمع الشيوعي الثوري"، وهو تنظيم نصير للأممية الرابعة في لبنان، التنظيم الوحيد الذي أصدر، بعد أيام على انتفاضة 17 تشرين الأول/ أكتوبر 2019، بياناً مفصلاً عن البرنامج الذي نعتبر إنه يصلح للرد على ما تتطلبه تلك الانتفاضة من مهام، وأشكال تنظيمية شعبية. ووزعناه بألوف النسخ، وعملنا على نقاشه مع التجمعات الكبرى التي كان يشهدها الوسط التجاري في بيروت، وبوجه خاص "ساحة الشهداء".
كما عملنا على انشاء مدرسة تكوين سياسية ونظرية، ضمت عدداً واسعاً من الشبان والشابات، وشاركنا في الندوات التي انعقدت في ساحتي "الشهداء" و"العازارية". وبقينا، في ما بعد، وعلى الرغم من أن قسماً واسعاً ممن شاركوا في انتفاضة تشرين سرعان ما هاجروا إلى بلدان شتى، نلتقي بعضاً ممن اصروا على البقاء، ونناقش معهم ما يمكن فعله لأجل إعداد النفس للانتفاضات المرجحة القادمة. وهو ما نواظب على فعله إلى الآن.
(نقطة الضعف هي الظروف الذاتية)
- استكمالا للسؤال السابق هل تود أن تتحدث عن تجاربك التنظيمية الأخيرة؟، وما هو مشروعك السياسي الراهن في لبنان؟، وأهم ملامحه، وما الذي تراه به مختلفا عما قبله؟.
- باختصار، لا نزال نتعمد اللقاء مع مجموعات صغيرة متأثرة بأجواء انتفاضة تشرين أول وعلى قدر من الاهتمام بالفكر والتنظيم الماركسيين، في مسعى لتقريب وجهات النظر، ومحاولة العمل معاً. ولا سيما تحت تأثير الحرب الطاحنة التي يشنها العدو الصهيوني على غزة.
وفي مسعانا هذا نحاول تنسيق العمل مع المجموعات الماركسية الثورية، في المنطقة العربية، التي أصدرنا معها بياناً، بعد أيام على بدء تلك الحرب، ضد الهجمة الصهيونية والإمبريالية المشتركة على الشعب الفلسطيني.
كانت نقطة الضعف الأساسية، باستمرار، خلال اندلاع السيرورة الثورية، وإلى الآن، تتمثل في غياب التنظيم الثوري الجماهيري، وبالتالي الظروف الذاتية التي لم تتلازم إلى أيامنا هذه مع نضج ظروف موضوعية قال عنها المؤتمر التأسيسي للأممية الرابعة، منذ العام 1938، "إنها تتعفن"!. وهو ما نحاول حتى هذه اللحظة أن نخلق مع آخرين يحملون القناعة نفسها الأداة التنظيمية القادرة على استقبال ناجح للانفجارات الشعبية القادمة. وهو مسعى يشمل رفاقاً لنا، على امتداد المنطقة ككل.
(كتابات طائفية كثيرة لاعلاقة لها بالإبداع)
- الطائفية والمواطنة والإبداع.. هذا الثالوث كيف تلخص اليوم شهادتك كمثقف ومترجم وكاتب من واقع خبرة حياتك وفاعليتك ومن لبنان؟
ـ على الرغم من تفاقم الطائفية في لبنان، فإن معظم اللبنانيين ومن شتى الطوائف يحاولون إنكار علاقتهم بهذه الآفة. كلهم يحاولون التبرؤ منها. ولا أظن أن هناك علاقة بين الإبداع وهذه الظاهرة على المستوى الاجتماعي السياسي. وفي الحقيقة هناك كتابات وكتب طائفية كثيرة صدرت في لبنان، ولكن ليس لها علاقة بالإبداع.
وعلى صعيد المواطنة، فإنها تظل هدفاً وطموحاً لكل من يرفض استمرار مرض الطائفية الذي ينهش حياة الإنسان والمجتمع لدينا. وبلا شك كان الوصول تاريخيا إلى المواطنة سيغني الإبداع، وسينهي جفاف العلاقات بين الناس، وأحدُ أسبابه يتمثل بالطائفية.
هذه الوحدة الإنسانية، التي تتمثل في الشعور بالمواطنة، سوف تساعد لاحقا في فتح مجالات واسعة أمام الإبداع. ولاسيما أن هذا سيسمح بعودة نسبة مؤثرة ممن هاجروا من مثقفين وخريجي جامعات، سواء أكانت الهجرة بسبب الحرب الأهلية أو الوضع الاجتماعي الاقتصادي المنهار نتيجة المجتمع المنقسم طائفيا.
لدينا مئات الألوف من الشابات والشبان، وبينهم أعداد كبيرة من الأدمغة، غادروا لبنان، ولاسيما بعد الحرب الأهلية، بحثاً عن الرزق وهرباً من بؤس الحياة الاجتماعية والسياسية، التي يلعب الانقسام الطائفي دوراً اساسياً في فسادها وانحدارها. وهم موجودون بالأساس في الخليج وأوروبا وأستراليا والولايات المتحدةالأمريكية وكندا. وعلينا أن نأخذ في الاعتبار أن الحرب الأهلية أسفرت عن استلام أمراء هذه الحرب السلطة في لبنان، وبالتلازم مع حيتان المال.
- إذن، في رأيك، لم يختف المثقف الطائفي من لبنان.
ـ يمكن التساؤل، أولاً، إذا كان يصح الجمع بين فكرتي الثقافة والطائفية ، وثانياً، إنه لباعث على الأسف والأسى أن نعترف بصمود الفكر الطائفي،الموجود لدى نسبة عالية من المواطنين، وإلى حد بعيد. وهذا يفسر أحوال الحياة والإبداع في البلد.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
حوار أجراه في لبنان: كارم يحيى
(ينشر بترتيب خاص مع "الحوار المتمدن" وبإذن من الأستاذ كارم يحيى)
(*) هذا الحوار جاء خلال إعداد الصحفي المصري المحاور لكتاب يضم مجموعة مقابلات متنوعة مع علامات في الثقافة بلبنان وتونس معا بين نهاية القرن العشرين وبداية القرن الحادي والعشرين، مستلهما خبرة إقامته وتردده على البلدين.