تصلني بكثافة وإلحاح هذه الأيام إعلانات مدافن للبيع بضواحي القاهرة الكبرى وجوراها، وصفحات التواصل الاجتماعي عامرة بعروض الموت الفاخر والاقتصادي، و في جوار العظماء والكبار والطرق السريعة، وحتى بالفرص المخفضة الأسعار الأوكازيون على طريقة: "ياتلحق يا متلحقش".
ولأن الخلود لله واحد، كان على المرء أن يفكر من اليوم في شراء الكفن ومستلزمات المحطة الأخيرة، وقبل انهيار جديد لجنيه بلدنا. ولذا قابلت حانوتيا مخضرما "ابن سوق"، تخيرت ابتعاد مقره عن المنزل، وكفانا الله وإياكم شر الطمع والطماعين.
استفهمت من حضرته، فأجابني بأن الكفن أنواع والأقمشة ألوان وأصناف، و"على قد فلوس الكلاين"، يعني الزبون. وأدركت أن المال حيرة المؤمن، وليس مفتاح سعادة أو فخ تعاسة وحسب.
عندي شغف الصبا والشباب بقراءة الأدب مسرحا وروايات، وانبهرت بما يتناول منه حفاري القبور، ومنذ مطالعة "هاملت" شكسبير. لكنني غيرت فكرتي التراجيدية عنهم والحانوتية كافة، عندما تنبهت إلى خاتمين من الألماظ يلمعان بأصابع محاوري، الذي وعدني بتغسيل وتكفين بيديه "كمفورت خمس نجوم".
استأذنته أن أكتب لأصدقائي الافتراضيين بمواقع التواصل الاجتماعي أسعار الأكفان، وفق نوعية وجودة ونعومة ملمس الأقمشة وبلد المنشأ، ومعها الخدمات المكملة ومستلزماتها، فرجاني ألا أفعل قائلا:
ـ ياعبد الله.. كله يتغير ساعة بعد ساعة، هي بورصة بسرعة الصاروخ، والدولار صعد إلى عرشه الأعلى ولن ينزل، وصاحب قول "الكفن ما لوش جيوب" كذاب أشر. وهناك اليوم من أتي بعده ليقتدي به، ويطلب ماهو أفخم وأرحب وأبهى، ويوصى لنفسه بإستبرق الكفن ونعيم المدفن. أما المضيعون فيطردون اليوم من جنات المقابر ويمنعون سكناها، كي لايكون لأهلها شريك يستمتع، ولو بظلالها الوارفة، أوينتظر حسنات من يزور.
فانتهيت وأنهيت بعبارة عافها الزمان، وأكل عليها وشرب: "كله فاني".
وعجايب !
-------------------------
بقلم: كارم يحيى