10 - 09 - 2024

العبودية الفكرية

العبودية الفكرية

عرفت الإنسانية العبودية منذ البداية وإن تعددت الطرق ، ولذلك تحولت تلك العبودية على مر التاريخ إلى نظام له قوانينه وآلياته وأسعاره وظروفه. مع العلم أن هناك فارقا بين العبودية والرق، فالعبودية امتلاك كامل وشامل للشخصية الإنسانية يتم التحكم والسيطرة عليها. فيصبح الإنسان عبدا ملكا ورهينة لسيده، الذى يملكه ملكية العقار مثلا . أما الرقيق فهى تجارة يتم من خلالها استغلال قدرة وعمل الإنسان لصالح من قام بشرائه.

وحيث أن هذا السلوك وذلك النظام وتلك العادات والتقاليد التى سيطرت على المجتمعات خاصة المجتمعات الفقيرة ، لذا أصبح نظام العبودية نظاما وسلوكاً اجتماعيا يتم توارثه عبر الأجيال حتى أصبح سلوكا طبيعيا لاغضاضة فيه . ولما جاءت الأديان فوجدت الإنسان بمجمل اخلاقياته وصنوف عاداته وتعدد تقاليده، هنا تعاملت مع الإنسان ومع تلك العادات والتقاليد حسب الواقع الاجتماعي المعاش. ولذا تعاملت النصوص الدينية مع ظاهرة العبيد والعبودية كواقع يتعامل معه البشر ولذا لم نجد تحريما من الأديان لهذه الظاهرة، وإن شجعت على إنهائها، حيث أنها كانت تتوافق مع النظام السياسى والطبقى والاجتماعى، وكان هذا النظام العبودي حينها يتوافق مع الزمان والمكان .

ولكن مع تطور المعطيات الفكرية والثقافية والحقوقية التى أخذ كثيرا من الجدال والقبول والرفض حيث تمسك أصحاب المصلحة فى بقاء ذلك النظام العبودي. فالظاهرة الاستعمارية قبل الثورة الصناعية أعتمدت بشكل كبير على استغلال ذلك النظام غير الإنسانى وغير الحقوقي. فقد  أصدر محمد على قرارا في عام 1839 م بمنع تجارة الرقيق رسميا وهو ماتبنته الأمم المتحدة التي أصدرت قرارا عام ١٩٤٩ واعتبرت يوم صدوره اليوم العالمى لإلغاء الرقيق. وان كان إلغاء النظام العبودي قد جاء بعد ذلك وكانت دولة تونس هى أول دولة تلغى العبودية وآخر دولة كانت سلطنة عمان.  

ومع إلغاء نظام العبودية رسميا، هل يمكن أن نقول إنه مازال هناك أنظمة للعبودية قد أخذت أشكالا ومسارات متعددة ومتنوعة مازالت تسيطر على الإنسان بشكل مباشر أو غير مباشر؟ نعم هناك ماهو أخطر من العبودية التى كانت صريحة فى شكلها، وهى العبودية الفكرية. فالعبودية الفكرية هى التى تشكل الوجدان وتنمى الإحساس وتغذى العاطفة وتشكل التفكير وتسيطر على العقل، هنا يصبح الإنسان أسيرا لهذه العبودية الفكرية. 

نعم هناك مصادر كثيرة ومتعددة تمارس العبودية الفكرية على البشر، ومن أهم المصادر ذلك التراث والعادات والتقاليد التى أصبحت أفكارا حاكمة للتفكير الإنسانى، فيصبح التفكير ماضويا يغيب عن الواقع ويتجاهل المستقبل. والأهم أن ذلك التراث بمشتملاته قد يأخذ فى أوقات كثيرة شكل المقدس، فيتم الخلط بين هذا التراث وتلك العادات والتقاليد وبين الدين فينتج فكرا دينيا خاطئا لاعلاقة له بصحيح الاديان ولا بمقاصدها العليا. وخطورة تلك العبودية الفكرية أنها تسلب الإنسان حرية التفكير وإعمال العقل فيتجمد الفكر ويخمل العقل الذى هو منحة الله الكبرى للإنسان والذى يميزه بها عن سائر المخلوقات. 

ومن خلال تلك العبودية الفكرية يتم استغلال التنظيمات السياسية والدينية للسيطرة على العقول بأفكار موجهة تعمل لصالح تلك التنظيمات ولا علاقة لها بمصلحة الفرد أو الوطن أو المواطن. فهل يمكن أعمال العقل فى كل ما يمر على الإنسان من أفكار وآراء ومواقف في إطار موضوعى عقلاني، حتى لا نصبح أسرى لتلك العبودية الفكرية وحتى نحرر عقولنا. 

فإعمال العقل هى البداية الصحيحة لتأكيد حالة الحوار بين الرأي والرأي الآخر، ذلك الحوار الذى يجب أن يصب أولا وأخيرا لصالح الوطن والمواطن . 

حفظ الله مصر وشعبها العظيم.
--------------------------
بقلم: جمال أسعد


مقالات اخرى للكاتب

العبودية الفكرية