10 - 09 - 2024

مؤشرات | سوق العمل وفرص التوظيف الحقيقية

مؤشرات | سوق العمل وفرص التوظيف الحقيقية

الفرق كبير بين توفير فرصة عمل وتعزيز جودة العمل، فلا معنى حقيقي في أن توفر الدولة فرص عمل محدودة الدخل ولا تحكمها ضوابط ومفاهيم لجودتها.

من هذا المنطلق هل يصبح ما تسعى إليه الحكومة لدمج القطاع غير الرسمي معنى حقيقي، دون تحقيق الهدف الأسمى وهو الإنضباط المحكوم بساعات عمل ودخل معلوم، وتحقيق العدالة في العمل والدخل، أم نقف عند الإكتفاء فقط بإدماج للقطاع غير الرسمي من أجل تحصيل الضرائب.

ودعونا ندخل في التفاصيل أكثر وأكثر، وننطلق مما ذكره الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء، بانخفاض معدل البطالة إلى 6.5% في الربع الثاني من 2024 مقارنة بالربع الأول من العام، الذي سجل 6.7%.

صحيح أن هذا الانخفاض مهم جدا، ولكن الأهم والأكثر أهمية (هل تم الاهتمام بمؤشرات جودة التشغيل؟).. السؤال مازال يبحث عن إجابة، خصوصا ان جودة التشغيل أو العمل هو المفتاح لتقييم سوق العمل من أجل تحسينه وضمان حياة كريمة للمواطنين وتحقيق التنمية المستدامة.

تلك القضية تناقشها تحليلات موجز "عدسة" بمركز "حلول للسياسات البديلة" التابع للجامعة الأمريكية، فوفقًا لمؤشر القياس الذي طوره المركز فإن الأسر تعاني من الحرمان في الدخل إذا كانت غير قادرة على تحمل تكلفة ما يكفي أفرادها من سلة الغذاء، ويواجه الفرد عدم الاستقرار في العمل إذا كان بدون عقد أو يشتغل لحسابه الخاص في منشأة غير ثابتة، كما يكون الفرد في حالة حرمان من حقوقه حين يشتغل أكثر من 48 ساعة في الأسبوع.

ومن الملاحظ وجود زيادة في الطلب على القطاع غير الرسمي لأن فرص العمل التي يوفرها القطاعان العام والخاص الرسمي غير كافية، حيث تبلغ نسبة المشتغلين في القطاع الحكومي والأعمال العام 20.1% من إجمالي العاملين عام 2022، مقابل 34.8% فى القطاع الخاص الرسمي، وبالتالي يحظى القطاع غير الرسمي بالنسبة الأكبر من فرص العمل، وفي ذات الوقت فإن الطلب على القطاع غير الرسمي يفاقم تدني الأجور والتغطية المنخفضة لنظام التأمين الاجتماعي.

وتشير البيانات إلى مؤشر جودة التشغيل في مصر انخفض من 0.639 نقطة في عام 2012 إلى 0.591 في 2018 طبقًا لآخر بيانات سوق العمل الرسمية التي تشير إلى أن معظم العاملين في مصر يشتغلون في ظروف حرمان عالية، مع الأخذ في الإعتبار أن مؤشرات جودة التشغيل تعتمد على قياس عوامل متعددة للعمل ومنها "الدخل، والوضع المهني، ومدى تغطية الضمان الاجتماعي، وساعات العمل واستقراره"، وكلها متغيرة في البلاد.

ومن أهم الملاحظات التي تم رصدها فإن سوق التشغيل المصري يتسم باللا رسمية ما يجعل نسبة كبيرة منه غير خاضعة للرقابة، ومن شأن ذلك أنه يهدد بتردي جودة التشغيل حيث إن قدرة الحكومة على مراقبة وتنظيم العمل هي حجر الأساس الذي يضمن حقوق العمال.

وبالتالي تختفي شروط العمل اللائق عالي الجودة، والتي تتضمن الانتظام وضمان عائد مادي ملائم والعمل بعقد والحماية الاجتماعية التأمينية والصحية.

الخطوات الرئيسية المطلوبة في تحقيق العدالة في العمل تستلزم قيام الحكومة بتغييرات أساسية لاستهداف استثمارات تخلق وظائف جيدة، لتعديل نمط التنمية الاقتصادية التي تتركز في الأنشطة العقارية التي توفر وظائف غير ثابتة وذات مردود اقتصادي محدود.

ومن الخطوات الأهم ضرورة تسريع الحكومة تنفيذ برنامج التأمين الصحي الشامل، لأنه حل مهم لجزء من مشكلة افتقار الحماية، ويجب الالتفات إلى إشكالية عدم قدرة العاملين بالقطاع غير الرسمي على تحمل نفقات الاشتراكات في "التأمين الصحي"، وتسهيل إمكانية تحمل الدولة لها.

وفي ذات الوقت يجب تسهيل عمليات تسجيل المنشآت الاقتصادية، بإدماج القطاع غير الرسمي وتقديم حوافز إلى الصغيرة والمتوسطة منها، وتشديد الرقابة على القطاع الخاص بشكل عام من أجل ضمان تشغيل لائق للجميع. فعلى الحكومة تغيير هدفها من إدماج القطاع غير الرسمي، من مجرد تحصيل الضرائب إلى تحسين ظروف التشغيل، خاصة وأن أغلب هذه المنشآت تقع تحت حد الإعفاء الضريبي.

ومن المهم الإنتباه إلى أن فرص العمل في القطاع الصناعي هي الأكثر استدامة وعالية الجودة والمهارة، والدخل الأنسب، بعكس وظائف قطاعي النقل والعقارات التي تعتبر أكثر أنواع التوظيف هشاشة.
-------------------------
بقلم: محمود الحضري

مقالات اخرى للكاتب

مؤشرات | رسالة للصهيوني .. استفزاز مصر مستحيل.. ولكن!!