في ظل المتغيرات العالمية أصبح الاتجاه الغالب بين الدول هو الدخول في تكتلات بينها وبين الدول التي تشترك معها في العديد من القواسم المشتركة. وأصبحت التكتلات الإقليمية من أهم الترتيبات التجارية التي تشكل أركان النظام الاقتصادي العالمي الجديد، ومن أبرزها الاتحاد الأوروبي، ومنطقة التجارة الحرة بين أمريكا وكندا والمكسيك، ورابطة دول جنوب آسيا. وقد نتج عن هذه التكتلات الاقتصادية العالمية تدهور لشروط التبادل التجاري في غير صالح الدول الساعية للتقدم، ومنها الدول العربية. ومن ثم تفرض هذه التحديات ضرورة تعزيز مستويات التعاون العربي، وإعطائه أولوية استراتيجية، وأن يرتكز هذا التعاون على دعائم اقتصادية وإنتاجية أكثر تنافسية، لتواكب التحديات الإقليمية والدولية المتسارعة.
يرمي هذا الكتاب "التعاون الاقتصادي بين مصر ودول مجلس التعاون الخليجي" للباحثة حنان عبدالعظيم أبوالوفا، إلى بيان الوضع الراهن لعلاقات التعاون بين مصر ودول المجلس من ناحية التجارة البينية، والاستثمارات البينية، والتعاون في بعض المجالاتِ الخدمية كالمجال السياحي، والقوة العاملة المصرية. هذا بالإضافة إلى الوقوف على المعوقات والتحديات التي تحول دون دعم مستويات التعاون، وحل تلك العقبات من أجل الوصول إلى استراتيجيات تعزز وتدعم أواصر هذا التعاون.
يعالج الكتاب الصادر عن دار العربي مشكلة تدني مستويات التعاون الاقتصادي بين مصر ودول مجلس التعاون الخليجي، بما لا يتوافق مع الطموح الاقتصادي المصري، ولا يرتقي إلى حجم العلاقات التاريخية والسياسية ، في ظل الاهتمام بجدوى التعاون الاقتصادي العربي في مواجهة التحديات والتكتلات الإقليمية والدولية. فقد بلغت نسبة الصادرات السلعية المصرية لدول المجلس نحو 11% في المتوسط من إجمالي الصادرات المصرية خلال الفترة (2000-2020)، في حين بلغ نصيب الواردات السلعية المصرية من دول المجلس نحو 10.3% في المتوسط من إجمالي الواردات المصرية خلال نفس الفترة. وعليه، يحاول الكتاب إيجاد صيغة مناسبة للتعاون الاقتصادي بين مصر ودول مجلس التعاون في المجالات التجارية والاستثمارية والخدمية، والتغلب على المعوقات التي تعترض هذا التعاون.
اتفاقات ثنائية وجماعية
ترى أبوالوفا أهمية التجارة الخارجية في دعم وتعزيز النمو الاقتصادي، خاصة في ظل العولمة والتحول إلى اقتصاديات السوق من خلال نوعين من الآثار: هما الآثار الساكنة والآثار الحركية (الديناميكية). ويتمثل الأثر الثابت (الساكن) في خفض أسعارِ السلع المستوردة بما يزيد من الرفاهية الاقتصادية. في حين يتمثل الأثر الحركي (الديناميكي) في نقل التكنولوجيا، والمعرفة المصاحبة لتدفقات عوامل الإنتاج، بما يزيد من إنتاجية عوامل الإنتاج المحلية ومعدل النمو.
وتقول إن مصر ترتبط مع دول مجلس التعاون الخليجي بالعديد من الاتفاقيات الثنائية والجماعية، وتعد اتفاقية تيسير وتنمية التبادل للتجاري بين مصر والدول العربية من أهم الاتفاقيات التي تنظم تبادل السلع.
وتلفت أبوالوفا إلى أن وجود اختلافٍ في مستوى الناتج المحليِّ الإجمالي ومتوسط نصيب الفرد من هذا الناتج بين مصر ودول المجلس، بلغ أقصاه في قطر، حيث بلغ متوسط نصيب الفرد من الناتج المحلي الإجمالي في قطر نحو 62 ألف دولار عام 2019، وبلغ نحو 43.1 ألف دولار في الإمارات العربية المتحدة، في حين بلغ متوسط نصيب الفرد في مصر نحو 3 آلاف دولار عام 2019.
وتوضح أن نسبة الصادرات السلعية المصرية لدول مجلس التعاون بلغت نحو 11% في المتوسط من إجمالي الصادرات المصرية السلعية خلال الفترة (2000-2020)، وبلغت هذه النسبة أدنى مستوياتها بنحو 4.2% عام 2007، وبلغت أعلى مستوياتها بنحو 22.9% عام 2016، في حين بلغت نسبة الواردات السلعية المصرية السلعية من دول مجلس التعاون نحو 10.3% في المتوسط من إجمالي الواردات السلعية المصرية خلال نفس الفترة.
وترى أبوالوفا أن الميزان التجاري المصري مع دول المجلس يعاني من عجز مستمر، ارتفعت قيمته من 0.9 مليار دولار عام 2000 إلى نحو 2.8 مليار دولار عام 2020. وتضيف أن السعودية تعد الشريكَ التجاري الأهم لمصر من بين دول المجلس، حيث بلغت حصة الصَّادرات السلعية المصرية إلى السعوديَّة نحو 48.8% في المتوسط إلى إجمالي الصادرات المصرية لدول المجلس خلال الفترة (2000-2020)، في حين بلغت حصة الواردات السلعيَّة المصرية من السُّعودية إلى إجمالي الواردات المصرية من دول المجلس نحو 52.9% في المتوسط خلال نفس الفترة. وتأتي الإمارات في الترتيب الثاني بحصة صادراتٍ بلغت نحو 35.7% في المتوسط، وحصة وارداتٍ بلغت نحو 16.6%، وتأتي الكويت في الترتيب الثالث، بحصة صادرات 7.1%، وحصة واردات بلغت نحو24.7% في المتوسط خلال نفس الفترة.
وتبين أن خمس مجموعات سلعية تشمل (الحديد والصلب، الوقود والزيوت المعدنية، الأجهزة الكهربائية، الفواكه والثمار، والخضروات والدرنيات) تشكل نحو 42.3% في المتوسط من إجمالي الصادرات المصرية لدول المجلس خلال الفترة (2001-2020)، ويأتي الحديد والصلب ومصنوعاته في المقدمة بنصيبٍ بلغ نحو 10.3%، والوقود والزيوت المعدنية بنصيب 9.4%، والأجهزة الكهربائية بنحو 8.4%، ثم مجموعة الفواكه بنحو 7.5%، ثم مجموعة الخضروات بنحو 6.7% في المتوسط خلال الفترة (2001-2020). في حين تستحوذ ثلاث مجموعات سلعية (الوقود والزيوت المعدنيَّة، البلاستيك ومصنوعاته، الألومنيوم) على نحو 78.8% في المتوسِّط من إجمالي واردات مصر من دول المجلس خلال الفترة (2001-2020)، يستحوذ الوقود على نحو 63.4%، ويستحوذ البلاستيك ومصنوعاته على نحو 14.1%، وفي حين يستحوذ الألومنيوم ومصنوعاته على نحو 1.3%.
وتلفت أبوالوفا إلى أن مساهمة الاستثمارات الخليجية المباشرة إلى إجمالي الاستثمارات المباشرة الواردة إلى مصر بلغت نحو 24.2% في المتوسط خلال الفترة (2002-2020). وتأتي الإمارات العربية المتحدة في الترتيب الأول لدول المجلس حيث بلغت نسبة التدفقات الاستثمارية الواردة منها إلى مصر نحو 11.1% في المتوسط خلال الفترة (2002-2020)، وتأتي السعودية في الترتيب الثاني بنصيب بلغ نحو 4.2%، ثم الكويت بنصيبٍ بلَغَ نحو 2.9% في المتوسط خلال نفس الفترة.
سائحون خليجيون
وتكشف مؤلفة الكتاب عن أن نسبة عدد السائحين الخليجين إلى إجمالي السائحين الوافدين إلى مصر بلغت نحو 7% عام 2003، وارتفعت إلى نحو11.7% عام 2017. ومن حيث ترتيب دول المجلس من حيث نسب مساهمتها في أعداد السائحين الوافدين إلى مصر خلال الفترة (2003-2017)، احتلَّت المملكة العربيَّة السعودية الترتيبَ الأول لدول المجلس بنحو 5.5 مليون سائح بنصيب بلغ 4.1% من إجمالي عدد السياح الوافدين إلى مصر في المتوسِّط خلال الفترة (2003-2017)، وتأتي الكويت في الترتيب الثاني بنصيب بلغ 1.3% من إجمالي السائحين الوافدين إلى مصر، في حين تأتي الإمارات العربية المتحدة في الترتيب الثالث بمتوسط نصيب بلغ نحو 0.4%، وتأتي كل من البحرين وقطر وعمان على نصيبٍ متساوٍ بلغ في المتوسِّط نحو 0.2% من إجمالي السَّائحين الوافدين إلى مصر خلال نفس الفترة.
وفيما يتعلق بالعمالة تشير أبوالوفا إلى أن نصيب تصاريح عمل المصريين بدول المجلس بلغ نحو 80.8% إلى إجمالي تصاريح عمل المصريين بالخارج خلال الفترة من (2005-2017). كما بلغت نسبة تحويلات المصريين بدول المجلس نحو 73.7% في المتوسط من إجمالي تحويلات المصريين العاملين بالخارج خلال الفترة (2010-2019) وهو نسبة كبيرة تدل على أهمية دول المجلس في النقد الأجنبي المصري. وبترتيب الأهمية النسبية لدول المجلس وتأتي تحويلات المصريين بالسعودية في الترتيب الأول بنصيب بلغ نحو 37% في المتوسط، ثم تحويلات المصريين من الكويت بنحو 18.1% في المتوسط، ثم تحويلات المصريين من الإمارات بنحو 11.9% في المتوسط من إجمالي تحويلات المصريين بالخارج خلال الفترة (2010-2019).
معوقات التعاون
وتظهر أبوالوفا وجود العديد من المعوقات التي تحد من فاعلية التعاون الاقتصادي بين مصر ودول مجلس التعاون الخليجي ومن أهمها:
- المعوقات السياسية وتتمثل في ضعف الإرادة السياسية لتفعيل اتفاقات التعاون القائمة، وحالة عدم الاستقرار السياسي التي شهدتها مصر خاصة أثناء ثورة 25 يناير 2011، وثورة يونيو 2013 وتوتر العلاقات السياسية مع دول المجلس.
- المعوقات الاقتصادية وتتمثل في: تشابه الهياكل الإنتاجية لمصر ودول مجلس التعاون، العقبات الإدارية والمؤسسية، ارتفاع تكلفة النقل البحري والخدمات اللوجستية، تعدد الإجراءات والتشريعات المتعلقة بالعملية الاستثمارية، ضعف مستوي الشفافية المتعلقة بالسوق الاستثماري، الفرص الاستثمارية المتاحة، وكذلك ضعف الترويج عن الأماكن والأنشطة السياحية.
وتخلص إلى إمكانية تعزيز أواصر التعاون الاقتصادي بين مصر ودول المجلس من خلال التركيز على عدد من التوصيات منها ما يلي:
- أولا: تفعيل الاتفاقيَّات الثنائية ومتعددة الأطراف، ومراجعة ما يتم توقيعه من اتفاقيات ثنائية وإعادة صياغة هذه الاتفاقيات، مع توقيع المزيد من الاتفاقيات الجديدة التي تتضمن العديدَ من المزايا المتوقعة، وما يتطلبه ذلك من ضرورة توفر الإرادة السياسية الفعالة.
- ثانيا: وضع استراتيجية متكاملة تضم رؤية عامة حول ما تتطلع إليه مصر من التعاون مع دول المجلس.
- ثالثا: ضرورة إنشاء لجانٍ مشتركة تسهم في فتح آفاقٍ أوسع للتعاون الاقتصادي، وتهدف إلى مستويات متقدمة من التبادل التجاري والاستثماري، وتوسيع الأسواق أمام المنتجات المصرية، وتسهيل الفرص الاستثمارية الخليجية في المشروعات التنموية بمصر.
- رابعا: الاهتمام بالصناعة المصرية فهي قاطرة التنمية، مع زيادة الأهمية النسبية والقدرات التنافسية للصادرات المصرية.
- خامسا: الدراسة الجيدة لأسواق دول مجلس التعاون، وتوفير ما تحتاجه هذه الأسواق من سلع وخدمات بالجودةِ والتقنية المطلوبة.
- سادسا: تحسين مؤشِّراتِ مناخ الاستثمار المصري، وتحسين الثقة في مؤشراته، وتوفير خطط استثمارية جاذبة للاستثمار الخليجي. بالإضافة إلى تخفيض المخاطر الاستثمارية من خلال وجود قدرٍ عالٍ من الشفافية في السياسات الاقتصادية والاستثمارية.
- سابعا: ضرورة الترويج بالبيئة التشريعية والقوانين والإجراءات المنظمة لمناخ الاستثمار في مصر، والحرص على معرفة المستثمر الخليجي بكل ما يطرأ على قوانين الاستثمار من تعديلاتٍ وامتيازات، وكذلك بالإجراءات المتعلقة بنشاط ممارسة الأعمال.
-----------------------
تقرير: محمد الحمامصي