هل علينا الكاتب يوسف زيدان مؤسس مركز "تكوين" المنحل بمنشور يتهم المسيحية بتعكير صفو مصر، ويقول فيه "امتدَّ التاريخُ المصري قبل انتشار المسيحية قرابة عشرة آلاف سنة، كان المصريون خلالها يعبدون آلهة متعدِّدة ومتجاورة في قلوب المؤمنين ، ولم تشهد هذه المدة الزمنية المديدة، أي حرب أو فظائع بسبب الدين أو العقيدة . فلما انتشرت المسيحية، جرت بالعاصمة المصرية آنذاك "الإسكندرية" وقائع وفظائع منها تدمير السيرابيوم (مجمع الآلهة) سنة 391 ميلادية.. وقُتلت أعظم عالمة رياضيات عاشت بمصر "هِيبَاتِيا" وأُحرقت أعظم مكتبات العالم سنة 415 ميلادية .. وقَتَل الأرثوذُكسُ الملكانيون في يومٍ واحد 18 ألفًا من الأرثوذُكس اليعاقبة (الذين يُسمون اليوم : الأقباط) سنة 631 ميلادية" بحسب قوله.
والحقيقة أنه قبل ظهور الديانات التوحيدية مثل المسيحية والإسلام، كانت الحروب والصراعات جزءًا لا يتجزأ من تاريخ البشرية. وكانت تدور غالبًا حول صلب المعتقدات الدينية، حيث كانت كل حضارة تعبد آلهتها الخاصة وتعتقد في تفوقها على الآخرين، وكانت تلك الحروب في العصور القديمة تتميز بالوحشية والتدمير الشامل، ولم تكن حضارة مصر القديمة بمنأي عن ذلك.
ومن أسباب الحروب في العصور القديمة التنافس على الموارد، حيث كانت الأراضي الخصبة والمياه والمعادن وغيرها من الموارد الطبيعية التي غالبًا ما تكون محط نزاع، وكانت الحضارات تسعى إلى نشر معتقداتها الدينية بين الشعوب الأخرى التي كانت أيضا تدافع عن معتقداتها، وكانوا يعتقدون أن آلهتهم هي التي تحميهم من الأخطار، وهذا الخوف كان يدفعهم إلى الدفاع عنها بكل قوة، وكانت الديانة أداة قوية للسيطرة السياسية، حيث كان الحكام يستخدمونها لتوحيد شعوبهم ولتبرير حروبهم.
و إذا اتخذنا من الحروب بين الإغريق والرومان مثالا ، فكانت تدور حول الهيمنة السياسية والاقتصادية، ولكن كانت لها أيضًا أبعاد دينية ، حيث كان كل طرف يدافع عن آلهته الخاصة، وشهدت مصر القديمة العديد من الحروب، وكان كل حاكم يسعى إلى توحيد البلاد تحت سلطته وإثبات تفوق آلهته، كما نشبت الحروب بين الحضارات الميزوبوتامية مثل السومريين والبابليين والأشوريين، وكانت الديانة تلعب دورًا هامًا، وشهدت الحضارات المتعاقبة في بلاد ما بين النهرين حروبًا مستمرة من أجل السيطرة على الأراضي الخصبة ومصادر المياه، كل حضارة بآلهتها الخاصة وباعتبار نفسها مختارة.
كما دارت سلسلة من الحروب الطويلة والدموية بين اليهود والإمبراطورية الرومانية، وكان الدين أحد أسبابها، كما شهدت شبه القارة الهندية صراعات طويلة بين الهندوس والبوذيين، وكان كل دين يسعى إلى نشر معتقداته وتوسيع نفوذه، وحتي الصين القديمة دارت فيها العديد من الحروب بين الممالك والامبراطوريات، وكانت الديانة تلعب دورًا هامًا في تبرير هذه الحروب وتوحيد الشعب الصيني، ولا ننسي الحروب البونية بين قرطاجة وروما، وكان الدين يبرز أيضا في تعزيز الروح القومية لدى كل من الطرفين، وأدت إلى تدمير قرطاجة بالكامل، مما أدى إلى فقدان جزء كبير من الحضارة القرطاجينية ، وكذلك الحروب اليونانية الفارسية، التي نشبت دفاعًا عن الحضارة اليونانية وحريتها ضد الإمبراطورية الفارسية، وكانت الديانة تلعب دورًا في تحفيز اليونانيين على القتال، و في مصر القديمة، لم تكن هناك أديان توحيدية تدعو إلى نشر العقيدة بالقوة ، ولكن كانت حروب توحيد البلاد التي قام بها الحكام القدماء مثل نارمر ومنس قد استخدمت الدعاية الدينية لتبرير غزو الممالك الأخرى وتوحيد البلاد تحت راية إله واحد.
وتسببت تلك الحروب القديمة في تدمير كثير من المدن والقرى وتشريد السكان، وانتشار الاستعباد و أسرى الحروب غالبًا ما يستعبدون، وكانت الحروب تزرع بذور الكراهية والتعصب بين الشعوب المختلفة، وتؤدي إلى تغييرات كبيرة في الثقافة والمجتمع، و من أشهر الشخصيات المحاربة الإسكندر الأكبر الذي قام بغزو العديد من الحضارات القديمة، مما أدى إلى تدمير العديد من المدن والمكتبات، وإلى تغيير جذري في الثقافات المحلية، و حرق مكتبة نينوى خلال غزو عاصمة الإمبراطورية الآشورية، و تم تدمير مكتبتها الضخمة التي تضمنت آلاف الألواح المسمارية التي كانت تحتوي على معلومات قيمة عن التاريخ والأدب والدين، ونهاية الإمبراطورية الآشورية وحضارتها.
و تعرضت مصر القديمة للعديد من الغزوات الأجنبية من قبل الهكسوس والآشوريين والفرس وغيرهم، وقد أدى ذلك إلى تدمير العديد من المدن والمعابد والمكتبات، ونهب كنوزها، وتدمير "أون" التي كانت مركزًا دينيًا مهمًا في مصر القديمة، وعرفت أيضًا بأسم هليوبوليس، وكانت مكانا مكرسًا لعبادة إله الشمس رع. وقد تعرضت للتدمير خلال فترة الهكسوس، التي استمرت حوالي 100 عام (حوالي 1650-1550 ق.م) وبعدها تم إضعاف النفوذ المصري وتثبيت حكمهم، الذي كانوا يسعون خلاله إلى محو الآثار الدينية المصرية واستبدالها بمعتقداتهم الخاصة.
و تعرضت مدينة طيبة، عاصمة مصر القديمة، للنهب والتدمير عدة مرات على مر التاريخ، مما أدى إلى فقدان العديد من الآثار والمكتبات، إما بسبب الحروب الأهلية أو أثناء الغزو من قبل العديد من الشعوب، مثل الليبيين والآشوريين والفرس، وقد قام هؤلاء الغزاة بنهب كنوز المدينة وتدمير معابدها، فلم يكن هناك مفر من تعرض معابد الكرنك والقصر الشمسي ومعبد حتشبسوت وغيرها لأضرار جسيمة نتيجة الحروب ونهبها علي مدار التاريخ، ودمرت العديد من معابد ممفيس، بما في ذلك معبد بتاح، بسبب الغزوات والاضطرابات السياسية. ومع ذلك، نعلم أن العديد من المخطوطات والبرديات دمرت بالكامل، كما تعرضت أبيدوس و هي مدينة دينية مهمة في مصر الوسطى للتدمير عدة مرات، وأصيب هرم سقارة المدرج بأضرار جسيمة بسبب الزلازل تارة والنهب تارة اخري، و أيضا معابد النوبة.
ولذلك فإن الهجوم علي الديانة المسيحية من يوسف زيدان غير مبرر تحت مزاعم تدمير التراث، فقد اتهم المسيحيه بتدمير السيرابيوم، وهو مجمع ديني ضخم مكرس للإله سيرابس في الإسكندرية، بأمر من الإمبراطور الروماني ثيودوسيوس الأول عام 391 م، وكان يُعتبر رمزًا للوثنية في مصر بأكملها، ويمثل علامة على نهاية عصر طويل من التعددية الدينية في مصر والإمبراطورية الرومانية، بالاضافة أن بعض المؤرخين يرون أن هناك أسبابًا سياسية واقتصادية أكتر من الأسباب الدينية، ومثل هذا التاريخ فصلا من الصراع طويل الأمد بين المسيحيين والوثنيين في الإسكندرية، وبداية لعصر جديد من الوحدة الدينية.
والغريب أن الوثنيين هم من استولوا علي السيرابيوم و قاموا بنهبه، وأسفر التدمير الجزئي عن قتل الكثير من المسيحيين، فقد قامو بحرقه لتدمير أجزاء من المعبد، خاصة الأجزاء الخشبية والزخارف القابلة للاشتعال، وتحطيم أدوات حادة لهدم الأعمدة او الحجارة لكن تم نقل بعض التماثيل والأحجار الثمينة إلى أماكن أخرى، لإعادة استخدامها مما يرجح ان من قام بالتدمير هم الوثنيون بعد الاحتماء به خوفا من استخدام المسيحين المعبد في اغراض اخري مثل بناء كنيسة وهو الامر الذي لم يحدث وبالتالي يشكك في قيام المسيحيين بهذا الفعل، لكن الاكيد ان مصير الوثنيين الذين تحصنوا يبقى غامضًا بعد فرار العديد منهم.
والأغرب أن الكاتب ترك سحل مارمرقس الرسول الذي تعرض للاضطهاد والتعذيب الشديد، فتخيل لو لم يتم تدمير السيرابيوم، بل بقي شامخًا، فربما تبنت المسيحية بعض العناصر من الديانة المصرية القديمة وأثر علي طقوسها الدينية، بل استمر الشعب في انقسام دائم يعبدون الحجارة و يهاجمون المسيحيين، مما لا شك فيه كان سيتسبب في وقوع حروب دينية أعمق ويتحول رمزًا للانقسام، ومركزًا للتوترات الطائفية، وكان اتخذ مسارًا مختلفًا، وكان من الصعب تحويله مركزًا للحوار بينهما مما يشكل انحرافا ايمانيا عن الديانة المسيحية، وينعكس قطعا علي تأخر التنمية، ربما يجلب تدخل القوى الأجنبية في الشؤون الداخلية لمصر، واستغلالها لمواردها، وانتشار التشدد الديني المتزايد، مما يقيد الحريات الفردية ويؤثر على التطور الفكري، ويؤدي التنوع الديني الشديد إلى فقدان الهوية الدينية، وصعوبة بناء دولة موحدة، وربما يتحول الصراع الي أعمال عنف وإرهاب للمسيحيين، بما أنهم يمثلون الجانب الأضعف في حمل السلاح ، مما يجعل إهمال التنمية الاقتصادية والاجتماعية وبالتبعية السقوط في براثن الاستعمار، بالطبع تدمير أي تراث ثقافي هو خسارة كبيرة ولكن بالنظر إلى الظروف التاريخية، كان من الصعب تجنب هذا المصير، فلم يعرف الوثنيون في تاريخهم التسامح الديني بل قاموا بتعذيب المسيحيين الاسري مما أدي الي الشهادة او التحول القسري.
وكالعادة يتهم مدعو التنوير القديس كيرلس بالتحريض علي الفيلسوفة هيباتيا، و بالرغم من شهادات توثيقية بتكريس كل وقتها للسحر والشعوذة، وأنها غررت بالكثيرين من خلال حيلها الشيطانية، حيث كان محافظ المدينة أوريستيس يجلها كثيراً لانها كانت مناصرة له حتى في ظلمه و تقف ضد المصالحه وتهدئة الأوضاع، فتوقف عن حضور الصلاة في الكنيسة، ولم يكتف بذلك، بل سحب معه مؤمنين كثر إليها، وهو نفسه كان يستقبلهم في بيته ، والغريب أن البابا كيرلس حينئذ لم يتم اتهامه من الأساس بمقتلها الا بعدها بقرن أو أكثر، و بدلا من ذلك يحاول البعض جاهدا إلصاق التهم به بدون دراسة و لا تعمق في الأحداث الحقيقية، فعلي الرغم من انتشار الهراطقه في هذا التوقيت والتزام القديس كيرلس بالرد عليهم مثل النوفاسيين أتباع نوفا سيانوس الهرطوقي و لم يقتل أحدا منهم مهما توسع نفوذه ، فلماذا لم يقتل نسطور الهرطوقي نفسه عام 428 م ؟! ولماذا اقيمت المجامع المسكونية إذا كان هذا نهج انتشار المسيحية؟! ، بل وصل الأمر الي احتفال الحاكم اورستيس الضخم للرقص اليهودي وجذب الكثيرين ليستفز المسيحيين ويعلن سلطانه وانتصاره علي البابا كيرلس الذي قام بدوره بطلب الصلح معه للتهدئة، ولكن هذا الحاكم صمم علي اشعال الفتنة، بل عذب المسيحيين في الأماكن العامة، وما كانت شخصيه القديس كيرلس متشددة ، فقد كان متسامحا الي أقصي درجة وكل ما فعله كان الطلب من الحاكم غير الشرعي طرد اليهود المتسببين في شغب وليس حتي محاكمتهم علي افعالهم ، فكل ما فعله محاولة للحفاظ علي الاتزان في الشارع.
و انتهت بقيام المخالفين لطلبات البابا بالشغب العام وانقلبت لعبة اورستيس عليه بإصابته شخصيا وحاول الحرس الدفاع عنه لكن شعبه لم يرحمه نتيجه ممارساته، فاصلين الدين عن الدولة في هذة اللحظات ، وقبض علي الراهب امونيوس زورا و قامو بتعذيبه في مكان عام بطريقة وحشية حتى استشهد، وأرسل اورستيس للامبراطور يكيل للمسيحيين الاتهامات حتي يجد حجه للقضاء عليهم.
فقد تركوا كل هذه الممارسات وسارعوا إلي اتهام القديس كيرلس وحرفوا كتابات الاسقف يوحنا الذي كتب عام 650 م عن مقتل هيباتيا، متجاهلين محاولة قمع الاساقفة المسيحيين وبدلا من تسليط الضوء علي أعمالها وهي الشريك الاستراتيجي للحاكم ، فقد أدت أعمالها وتسببها في إحراق عدة كنائس الي مصيرها، أليست الكنائس وخاصة الأثرية منها أهم من معبودهم سيرابيس؟، أليس من حق الشعب الطبيعي القيام بثورة ضد الظلم بعد إسالة كل هذا الدماء المستباحة من هيباتيا المحرض الأساسي، والتي قام القاضي بيتر بخطفها أولا، فلم يكن راهبا ولا متدينا ولكن حاول تنفيذ نوع من العدالة في جسدها مثل الحكم بالاعدام ولكن كعادة أي ثورة تخرج عن السيطرة، مما نستطيع ان نستخلص منه تفسيرا لبعض أعمال العنف المنافي مع قرارات واتجاهات البابا التي حاول التحذير من تلك الممارسات وتجنبها الي أبعد مدي، ولا علاقة له بما حدث وهذا أبعد ما يكون عن روح المسيحية، فقد قتلت في ثورة وليس استهدافا فرديا بالرغم انه كان من السهل التخلص منها بسرية الا أنه لم يكن ذلك أسلوب القديس كيرلس علي الإطلاق، فليس من مصلحه الموسوعة الكاثوليكية تبرئته إلا انه ما نقل كان مستدلا عليه تاريخيا، فكيف يتم اتهام الطرف الوحيد الذي حاول صناعه السلام من أعداء الكنيسه بدون أدله و بعد فارق زمني كبير، والتصوير المغاير لشخصية هيباتيا بالمظلمة الدينية التي تشابه نفس مزاعم الشيطان وتجرؤه علي الله، فلم يكن صراع النفوذ السياسي والديني هو ما أدى الي نهايتها ، فكيف لفيلسوفه مشعوذة أن تسبب إحراجا للكنيسة بينما ترك المهرطقون في سلام؟ لأنه كان الهدف حماية العقيدة الأرثوذكسية، وليس القضاء على الأشخاص، و اعتمد علي الأدوات الروحية و اللاهوتية، فكان مدركا أن القتل يؤدي إلي تفاقم الصراعات وتقويض وحدة الكنيسة بعيدا عن أسس التسامح الديني نفسه، ولم يورط نفسه أبدا بمواجهة امرأه، إنما العوامل المتداخلة والظروف التاريخية التي ساعدت علي قتلها، فلم تلعب إلا دورا ثانويًا في المجتمع، ومع ذلك نستطيع أن نصف موتها بأنه استخدم من الحاكم نفسه في تقديم كبش فداء لتوجيه غضب الجماهير إليها وتصفية حسابات سياسية بدلا منه، فلم يبذل أي جهد لحمايتها، بعد استفادته منها كواجهة ثقافية، ولكن عندما أصبح وجودها يهدد مصالحه السياسية، لم يتردد في التخلي عنها كمثل اي قطعه قماش، ومصر لم تكن بعيدة عن الصراع على السلطة بين مختلف الفئات الاجتماعية، بينما ينكر الجهلاء دور أورستيس نفسه في نهايتها ويوجهون أصابع الاتهام للشخصية الدينية الوحيدة التي لم يكن عليها غبار ولا سابقة قتل مثلها مثل الادعاءات بقَتَل 18 ألف من الأرثوذُكسُ الملكانيين في يومٍ واحد، دون أي سند تاريخي بهدف تشويه صورة الطرف الآخر، رغم الاستناد للأدلة التاريخية ضعيفة الحجة، والمبالغات لمحاوله جر المسيحية لصراعات دينية وهدم صورة الشهداء والطعن في طريقه انتشار المسيحية نفسها.
ويمثل الأرثوذكس اليعاقبة، المعروفون أيضًا بالسريان الأرثوذكس في القرن الخامس الميلادي، وليس عام 631 م كما ادعي يوسف زيدان و هي بدايه الفتوحات الإسلامية، بل تعاون الملكانيون واليعاقبة لمواجهة التحديات المشتركة، مثل الدفاع عن كنائسهم وأديرتهم، و أصبح التركيز الرئيسي هو الحفاظ على هويتهما الدينية، ووقع يوسف زيدان في خطأ اخر اذا وصف اليعاقبة أنهم القبط، و الحقيقة أن كنيسة الأقباط في مصر، وكنيسة السريان اليعاقبة كانت في بلاد الشام، والكنيسة الأرمنية في أرمينيا، فيمثل اليعاقبة طائفة مسيحية أرثوذكسية شرقية أخرى، وينتشرون في مناطق جغرافية مختلفة، مثل في بلاد الشام وتركيا وإيران، ويتبع اليعاقبة الكنيسة السريانية الأرثوذكسية، والخلط جاء من إطلاق غير دقيق للقبطي اعتبار أنهم المسيحيين الأرثوذكس الشرقيين.
أما قبل الفتوحات فلم يقتصر الصراع على الزعامة الروحية بين الطائفتين ودعم الإمبراطورية البيزنطية، وتأثرت الصراعات بالتطورات السياسية في الإمبراطورية البيزنطية، وكذلك بالتأثيرات الفارسية والساسانية، ولكن لم يكن هناك أي دموية موثقة بالرغم من النزاعات المستمرة للسيطرة على الكنائس والأديرة، لاسيما التنافس على الموارد والنفوذ إلا أن المناوشات لم تتعد جزءًا من سياق تاريخي معقد، و أكتفوا بحملات اتهام بعضهم البعض بالهرطقة والانحراف عن العقيدة الصحيحة، بعكس ما تطور الصراع بين السريان اليعاقبة علي يد الخلقيدونين.
و الحقيقه أن ضعف المسيحية في المنطقة، سهل مهمة الفتح، بعد فقدان نفوذها السياسي والاجتماعي، فالمبالغة في أعداد مدسوسه مثل 18 ألفا هو استغلال نشر الروايات غير الدقيقة لأغراض سياسية، مثل حشد الدعم الشعبي أو تبرير أعمال العنف علي عكس الواقع، بالرغم أنه معظم الصراعات محلية وغير مؤثرة على مجرى الأحداث الرئيسية، و لا تعتبر الا روايات شعبية، وعلي العكس، ما تم توثيقه بتاريخ الكنيسة القبطية للقس منسي يوحنا ص277 ، وتاريخ الفكر المسيحي ح4- د.ق حنا الخضري ص85 يثبت ارتكاب جوستن الأول الخلقيدونى مذبحه عام (518-527م) فبعد أن اصدر أمرا بالقبض على البابا تيموثاوس تصدى الشعب السكندري للجنود وأزهقت أرواح مائتي ألف من شباب الارثوذوكس، ودفعت الكنيسة القبطية ثمن نزوع الإمبراطورية البيزنطية الدموي في محاوله لفرض الهيمنة الرومانية الغربية علي الشرق الذين تمسك أهله بالتقليد الكنسي في ظل تعزيز السيطرة السياسية على مصر.
----------------------------------
بقلم: جورجيت شرقاوي