تحدثنا فى المقال السابق عن (المتاجرة بالأديان) وكان الهدف هو التفرقة بين الدين (المقدس) والفكر الدينى البشرى (غير المقدس)، وحيث أن هذا هو نتاج للفكر الدينى الموروث والمتوارث إضافة للثقافة والعادات والتقاليد والتركيبة النفسية للشخص، تلك التركيبة التى تتخذ من التدين الشكلى حالة من حالات التمايز والتعالى على الآخر الدينى وغير الدينى. وهذا التمايز المستغل للدين مثل التمايز العائلى والطبقى والقبلي والجهوى، وهو غير الإيمان الحقيقى والصحيح الذى يظهر فى العمل الصالح والذي يدركه الآخر دون أن يتحدث به أو يتفاخر به المؤمن الحقيقى.
ونرى دائما فى إطار هذا التمايز المصنوع والذى لاعلاقة له بصحيح الدين والإيمان، التشدق والافتخار بحالات الأسلمة لغير المسلمين وحالات التنصير لغير المسيحيين، وكأن الدين والإيمان قد تحول إلى مؤسسة اقتصادية تعتمد على التسويق لكسب كثير من العملاء لصالح كل مؤسسة سواء داخل الدين الواحد أو بالنسبة للدين الآخر، أو كأن من ينتقل من دين إلى اخر يمثل خطورة على الأول ومكسبا الثانى، وهؤلاء يتناسون أن الايمان الحقيقى هو ليس الإيمان الموروث من الأب والأسرة مثل العقار والثروة، ولكن الايمان يعتمد على الفكر وإعمال العقل ودراسة الآخر إيمانا واقتناعا بما يؤمن به.
ولذا فقد كرم الله الإنسان بعقله وترك له حرية الاختيار (من شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر) (من ليس لهم ناموس هم ناموس لأنفسهم)، وهذا يعنى أن التحول من دين إلى دين آخر هو ما أراده الله بتلك التعددية الدينية التى بها سيحاسب الله الجميع عليها وحده. كما أن هذا التحول هو حق دستورى وقانونى وحياتي، وذلك حتى لايكون الدين والتدين موضع نفاق وليس موضع إيمان. وعلى ذلك نرى تلك التجارة هنا وهناك حول قضية التحول الدينى، وكأنها معركة صفرية فيها غالب بالمطلق ومغلوب بالكلية. فنسمع ادعاءات بتنصير(أحد شيوخ للأزهر) أو أسلمة (أخت البابا) ...الخ، وكأن هذا التحول انتصار شخصى لهؤلاء المرضى الذين لاعلاقة لهم بالتدين الصحيح أو فهمهم لصحيح الأديان ومقاصدها العليا. وآخر هذه الأخبار فى هذا الإطار، هو أن هناك خبر على السوشيال ميديا عن أسلمة الدكتور مجدى يعقوب، وهذا يعنى إذا كان الخبر صحيحا أن هؤلاء قد تصوروا أن هذا مكسب للإسلام! وأنت أيها المسرور والفرح بهذا الخبر، ما علاقتك بالإسلام الصحيح؟ وهل أنت ملتزم بإسلامك؟ هل تتعامل مع إيمانك بينك وبين الله؟ أم تتاجر بتدينك وتتصور أن هذا انتصار لدينك؟ ونفس الأسئلة للمسيحى المتاجر بهذه القضايا، هل أنت نموذج للمسيحى الحقيقى الذى يحب أعداءه قبل أحبائه؟
مع العلم أن د. مجدى يعقوب يدور حوله كثير من تلك الترهات التافهة، فهناك من قال بأنه لن يدخل الجنة لأنه غير مسلم! فى الوقت الذى رد فيه الإنسان مجدى يعقوب قائلا (أنا لا أفكر إذا كنت سأدخل الجنة أم النار، ولكن مايعنينى هو خدمة الإنسان) لم يقل ذلك باعتباره مسيحيا ولكنه قال كإنسان، فهل هناك نموذج للتدين الحقيقى الأجمل والأحلى من هذا المستوى الراقى والرائع؟
فهل نترفع عن تلك المتاجرة الرخيصة هنا وهناك؟ هل يمكن أن ننظر إلى تلك الحالات بموضوعية دون تخليق ادعاءات لاعلاقة لها بالواقع، وكأن من ينتقل يصبح عارا على الدين والمؤمنين به. فى الوقت الذى فيه الايمان فردى شخصى ذاتى لاعلاقة لأحد به، والفرد سيحاسب وحده على إيمانه إذا كان صحيحا أو غير ذلك من الله وحده (فاحص القلوب والكلى) وليس أحدا غيره.
اتركوا الخلق للخالق، اتركوا الإيمان لصاحب الإيمان. كن مهتما بايمانك وبعلاقتك مع الله سبحانه وتعالى.
وهل مثل هذه القضايا تعنى أحدا غير صاحبها فقط دون تدخل من أحد؟ وهل هى فى صالح التوحد الوطنى الحقيقى الذى تحتاجه مصر الآن فى ظل تلك التحديات والظروف الاستثنائية التى يعيشها الوطن؟ أم أن إثارة مثل هذه القضايا تهدف إلى غير صالح الوطن والمواطن؟
حمى الله مصر وشعبها العظبم من الفتنة والفتانين.
-----------------------
بقلم: جمال أسعد