10 - 05 - 2025

المتاجرون بالأديان

المتاجرون بالأديان

أقصد هنا بالأديان كل الأديان بكل مسمياتها وتوصيفاتها سماوية أو وضعية، فكل دين بالنسبة لصاحبه هو مثل أى دين آخر لصاحبه أيضا، هذا من حيث الإيمان والاقتناع بأن هذا الدين هو الحقيقة المطلقة بالنسبة لأى دين آخر، وأن كل دين لأصحابه هو الأغلى والأعلى، وهو الذى يمتلك الحقيقة المطلقة والجنة والسماء دون كل الأديان الأخرى.

فهل يمكن المتاجرة بالأديان ؟ المتاجرة تعنى أن تتحكم وتتاجر بما تملك ملكية خاصة دون غيرك، فتستطيع أن تبيع وتشترى ما تملكه. فهل الدين ملكية خاصة ؟ الدين لا ولن يكون ملكية خاصة لأن الدين هو ملك لصاحب الدين هو الله سبحانه وتعالى والأديان أنزلها الله للبشرية كلها دون تفرقة وليس للمؤمنين  بها فقط. ولذا فعلاقة الفرد بدينه علاقة خاصة وليست عامة. علاقة بين الله وبين الإنسان (لايعلم الإنسان غير روح الإنسان الساكن فيه) (الله هو فاحص القلوب والكلى) وهذا يعنى أن الإيمان شخصى (الايمان ماوقر فى القلب وصدقه العمل). فإيمانك محسوب عليك وحدك، كما أن إيمان غيرك محسوب عليه وحده أيضا. فكيف تجبر شخصا أو يمكن تشكيل إيمانه مثل إيمانك الشخصي والذاتى؟

هنا فالمتاجرة بالفكر الدينى وليس بالدين.

فالفكر الدينى هو فكر البشر المتأثر بمعطيات الزمان والمكان وبتأثير التراث الموروث والثقافة الحالة فى تفسير النص المقدس، ولأنه فكر بشرى فهو قابل للصواب والخطأ وهو غير مقدس، وهذا غير النص الدينى المقدس. ودليل ذلك فبالرغم من وحدانية النص الدينى المقدس، نجد الاختلاف بل أحيانا نجد التناقض بين طائفة وطائفة وبين جماعة وجماعة داخل الدين الواحد. يصل التناقض بينهما إلى حد الاقتتال والحروب، مثل السنة والشيعة .. الكاثوليك والبروتستانت (حرب الثلاثين عاما ١٦١٨ إلى ١٦٤٨)، كما أن الفكر الدينى هذا قد حول الدين أحيانا إلى أيدلوجية سياسية واجتماعية للحصول على مكاسب سياسية وحزبية أو اجتماعية فى صورة تفاخر واستعلاء على الآخر الدينى وغير الديني! عن طريق حرمان الآخر من الجنة والسماء لانه لايؤمن بفكرى الدينى!!

وهنا نقول الفكر الدينى ولا نقول الدين، لأن الأديان تشترك جميعها فى المقاصد العليا التى أرادها الله للإنسان الذى كرمه، فالاختلاف والتعددية الدينية، الحق فى الإيمان أو الكفر، قبول الآخر والتسامح والمحبة ...الخ ، كلها قيم دينية لا علاقة لها بتلك المتاجرة المرفوضة بالفكر الدينى هذا، لأن الدين يمثل أهمية كبرى لدى الإنسان المتدين خاصة فى منطقتنا هذه، حيث تم استغلال هذا الفكر الدينى لحساب مصالح سياسية دولية مثل ماحدث فى عملية أفغانستان ضد الاتحاد السوفيتى بأوامر أمريكية وتنفيذ سعودى ساداتى (اعترافات محمد بن سلمان). أيضا مخطط نشر الوهابية وكأنها هي صحيح الاسلام فى الوقت الذى تتحرر فيه السعودية من هذا الفكر!!

أما مظاهر المتاجرة هذه: التدين الشكلى الذى يأخذ أشكالا فى الزى والملبس والإشارات الدينية إسلامية ومسيحية، كذلك الاستغراق فى الأسماء الدينية للتفاخر والتمايز، استغلال الطرح الطائفى ضد الآخر، فالمتاجرة بالاضطهاد والتمايز ضد المسيحى. أى مشكلة لا تحل أو حق لا يتم الحصول عليه لأنه مسيحى!! فى الوقت الذى لا يأخذ حقه غير الواصل بالطرق غير المشروعة لهذا ولذاك. 

فى الجانب الآخر المتاجر الذى يدعى طوال الوقت أنه المدافع الأول عن الدين ويترجم الأمور والأحداث بطريقة طائفية، فيدعى أن المسيحيين يأخذون حقهم أكثر من المسلمين، ذلك لكى يستميل بها البسطاء من المسلمين  ويمكن أن يظهر تسامحه فيقول (والله أنا موافق على بناء كنيسة) وكأنه هو صاحب القرار أو كأنه لا وجود للقانون الذى يحكم الجميع، والقانون وحده وليس الرؤى الخاصة لفكر هذا الدينى أو غيره. 

الدين والإيمان هو العمل الصالح وليس المظهر الديني الشكلى الشعاراتي ، الدين أهم وأعظم من تلك المتاجرات التى تسيء إلى الدين أى دين. الأديان لها صاحبها الذى يدافع عنها، فنحن نحتاج إليه ولا يحتاج إلينا. كما أن تلك المتاجرة تمثل خطورة حقيقية على سلامة الوطن الذى يمر بمنحنيات ومنعطفات خطيرة وغير مسبوقة تحتاج التضافر والتوحد الوطني، وليس الفرقة بين أبناء الوطن الواحد بهذه المتاجرة المرفوضة الممقولة. 

حفظ الله مصر وشعبها العظيم من التجار ومن المتاجرين بفكرهم الديني.
---------------------
بقلم: جمال أسعد 


مقالات اخرى للكاتب

الإيجارات وسنينها