حين وطأت قدماي مدينة صنعاء فى سبتمبر عام 1980 كنت لازلت شاباً يافعاً في العشرينات وكان الليل يرخى سدوله على المدينة، استقليت إحدى سيارات الأجرة من المطار إلى فندق المخا، وبدأ هواء أيلول الرطب يُداعب وجهي، وكأن المدينة تعلن الترحاب بذلك الغريب، وفي الصباح نزلت من الفندق بعد تناول وجبة الإفطار وذهبت في جولة في المدينة، زرت باب اليمن وسوق الملح وذهبت إلى جولة تعز حيث يعيش بها الكثير من أبناء قريتي آنذاك .. كنت أطالع الوجوه بعناية وأتأمل البنايات المزدانة بالزجاج المعشق بألوان جميلة والواجهات المزدانة بالحجر الحبشى الجميل .. رأيت وجوهاً عربية تنضح بالرجولة والكبرياء وأحسست بحب عجيب تجاه هذا البلد وأهله.. عدت إلى الفندق لأغادره في اليوم التالى إلى سكنى في منطقة تسمى القاع لكى أتسلم عملى ومن حسن الحظ أنه كان يجاورنى في السكن بناية تتبع وزارة الإعلام وكان يقطنها أعضاء المسرح الوطن اليمنى (القومى) وبعض الفنانين والنقاد وهنا وجدت ضالتي، فسرعان ما تعارفت عليهم ولا زلت أذكر منهم الممثل محمد شكرى – والناقد صبرى القيحى .. وطلال رشيد وكان هناك مخرج مصرى إسمه إميل شكرى يعمل فى المسرح القومى اليمنى تكررت اللقاءات وامتد بعضها حتى الساعات الأولى للصباح.. المهم شيئا فشيئا اقتربت من المشهد الثقافى اليمني ومن العجيب أن معظم الكوادر القيادية آنذاك قد درست في جامعات مصر وتم إعدادها لهذا الغرض، فعلى سبيل المثال كان حسن اللوزى وزير الثقافة والإعلام شاباً صغيرا قد أتم دراسته في كلية الآداب بالقاهرة، وكذا عبد الله الأسدى عميد معهد الموسيقى العربية مع حفظ كل الألقاب كان ايضاً قد أتم دراسة الموسيقى في القاهرة ما بين معهد الموسيقى وأكاديمية الفنون بالهرم، كنت لا زلت لم أ?مل دراستى بعد وقد حضرت للعمل والحصول على المال من أجل أن أتزوج الحبيبة، فقلت لنفسي.. ماذا لو استأنفت دراستى فى جامعة صنعاء، وقد سجلت طالبا بالعام ٨١/٨٠ ، وكان رئيس الجامعة الدكتور عبدالواحد الزنداني رحمه الله هو من يسر لى الأمر، وكان هناك مسؤول النشاط الفنى الطلابي موسيقى سورى يدعى فوزات ثابت، وكان ممن يعشقون مصر بجنون، وفي أحد المرات كنا نجلس في حديقة الجامعة وأحتضن العود ليشدو أغنية أحلى البلاد يا حبيبتى يامصر في وقت مقاطعة العرب لمصر بسبب كامب ديفيد ومن ينطق اسم مصر فقد ارتكب جرماً .. فعلها الرجل وغنى وغنينا معه حتى فاضت عيناه بالدموع شوقاً وعشقاً لمصر، كانت اليمن كدولة مركزيتها في صنعاء، أما باقي المحافظات فالحكم قبلى من الدرجة الأولى، وكان رأس الدولة يحسب للقبائل ومشايخها ألف حساب، هذا بعض من ذكرياتي باليمن، وللحديث بقية
ولا بد من صنعاء أخرى ولو طال الزمن.. تحياتي أحبتي.
-------------
بقلم: سعيد صابر