04 - 05 - 2025

في معركة ضرائب البورصة المصرية: المستثمرون 5 - الحكومة 0

في معركة ضرائب البورصة المصرية: المستثمرون 5 - الحكومة 0

في مايو الماضي عاد مجلس الوزراء المصري لتأجيل فرض الضرائب على أرباح البورصة المصرية، وذلك للمرة الخامسة على التوالي، على وعد بتطبيقها خلال العام المقبل.

ذلك الوعد الذي استمر طيلة سنوات، ومنذ الطرح الأول لقانون فرض ضرائب على الأرباح الرأسمالية الناتجة عن بيع وشراء الأسهم والسندات بالبورصة المصرية ومنذ 10 اعوام، ومع ذلك لم تطبق، ونجح المستثمرون في الضغط على الحكومة بما يحمي مصالحهم المباشرة.

للمفارقة فإن قيمة الضرائب خصوصا المضافة التي تم إقرارها على الجمهور، خلال السنوات الأخيرة هي الأكبر من نوعها، حيث قدرت بـ 25.1%  زيادة عام 2024/2025.

وفي بلد تبلغ فيه قيمة الضريبة المضافة التي تشمل كافة فئات الشعب، ربما تشعر بالاندهاش أمام التردد الحكومي الضخم في مواجهة قرار فرض ضرائب على الأرباح الرأسمالية للبورصة المصرية، التي تعمل بمثابة وسيلة تمويلية للمستثمرين، لايستفيد منها المواطن العادي، حتى ولو عبر ميزانية الدولة طوال تلك السنوات.

أنواع ضرائب البورصة والخلاف عليها

على الرغم من أن اغلب دول العالم تقوم بتطبيقها باستثناء 28 دولة فقط من ضمنها مصر، إلا ان هناك خلافا عليها، حتى من بعض الخبراء، ولكن قبل استعراض هذا الخلاف ربما علينا التفرقة بين نوعين من الضرائب في البورصة المصرية. 

الأولى ضرائب الدمغة: وهي أشبه برسوم عبور الطرق، فهي رسوم ضئيلة تحصل مع كل عملية بيع وشراء، بغض النظر عن حجم الأرباح أو الخسائر الخاصة بهذه العمليات، وتبلغ ١.٢٥ جنيه على كل ألف جنيه، لغير المصريين، و0.5 على كل ألف جنيه بيعا وشراء للمصريين.

طبقا للباحث الاقتصادي محمد رمضان فإن الاعتراض على تلك الضريبة من قبل المستثمرين - رغم وجوده - لكنه ليس كبيرا مثل اعتراضهم على النوع الثاني، "ضرائب الارباح الرأسمالية"، ولكنها في الوقت نفسه تتسم بصغر الحجم وضعف الحصيلة. 

لك أن تتخيل أن نسبة هذه الضريبة المتنازع عليها منذ ١١ سنة وهي ١.٢٥ في الألف. لا تصل حتى إلى نصف العمولة التي تحصلها شركات الوساطة في الأوراق المالية، التي تأخذ عن كل عملية بيع وشراء. ٢.٥ إلى ٣.٥ في الألف جنيه. 

يمكنك أن تجد شركات وساطة في السوق المصرية وتتقاضى عمولة وساطة ٤ في الألف وبجوارها شركات اخرى تتقاضى عمولة وساطة ٢ في الألف، وكلا النوعين يعملان ولا يؤثر هذا الفرق في العمولة على وجود اي منهما. أي أن الفرق بين عمولات شركات الوساطة، يتجاوز في أحيان كثيرة النسبة الضريبية التي تحاول الدولة تحصلها وينازعها المستثمرون عليها منذ ١١ عاما. 

أما النوع الثاني من ضرائب البورصة المصرية، وهو النوع الأهم ومحل التركيز، ومحل الهزائم المتكررة للحكومة المصرية هو "ضرائب الأرباح الرأسمالية على الأسهم والسندات" وفقا لرمضان ، وأبسط تعريف له هو أن الفرق بين سعر شرائك للسهم سعر وبيعك له" إذا كان هذا الفرق موجبا أو ربحيا "سيخضع لضريبة. 

وهي ضريبة تماثل أرباح الأنشطة الصناعية او التجارية، أو ضرائب الدخل. ورغم انخفاض نسبة الضرائب المقترحة على الأرباح الرأسمالية عن نصف النسب السائدة لباقي الأنشطة الأخري، الا أن هناك معركة ضارية بين مستثمري البورصة المصرية والحكومة على إمكانية تطبيق هذه الضرائب.

وكان أول اقتراح / قانون لتطبيق ضرائب الأرباح الرأسمالية في البورصة المصرية في يوليو ٢٠١٤. ولكن سرعان ما تراجعت الحكومة عن تطبيق هذا القانون في وأعلنت وقف العمل به في ٢٠١٥ تحت ضغط من المستثمرين الذين اتخذوا مواقف ضاغطة متعددة مثل البيع المكثف للأسهم، أو التهديد بالتخارج من السوق. حينها اعلنت الحكومة أنها ستؤجل العمل به حتى يوليو ٢٠١٧ " لحين تحديد آليات واضحة لطريقة حساب وتحصيل الضريبة" 

ثم بعد ذلك جاءات أربعة تأجيلات أو مد لإيقاف العمل بالقانون كان آخرها نفي الحكومة في أبريل ٢٠٢٤ أي نية لها لتحصيل ضرائب الأرباح الرأسمالية من مستثمري البورصة المصرية بعد انتشار شائعات عن نية الحكومة لتحصيلها خلال عام ٢٠٢٤.

 وللمفارقة ترافق نفي الحكومة لهذه الشائعات وإعلانها التأجيل الخامس لتحصيل الضريبة حتى مايو ٢٠٢٥، مع تكرار السبب نفسه وهو "لحين تحديد آليات واضحة لطريقة حساب وتحصيل الضريبة". وهو نفس السبب التي ساقته الحكومات المصرية على مدار 10 سنوات. 

ولكن هل 10سنوات لم تكن كافية لتحديد آليات واضحة لتحصيل الضريبة من أكثر سوق يتسم بتوافر المعلومات والشفافية في خروج ودخول الأموال منه؟ 

ضرائب الأرباح في البورصة.. حقائق

حول هذا يقول الباحث الاقتصادي محمد سلطان: "إن تحليل لماذا ينتصر مستثمرو البورصة وتنهزم الحكومة في معركة الضرائب الرأسمالية على البورصة، لا يحتاج إلى كثير من التدقيق، فالصورة شديدة الوضوح، مستثمرون يستطيعون الانسحاب، ويهددون به، وحكومة تخشى من اضطرابات في سوق الأسهم تضاف إلى باقي الاضطرابات الاقتصادية. وبالتالي تأتي نتيجة المعركة دائما لصالح المستثمرين". 

ولكن هناك عدة نقاط، إذا تذكرتها الحكومة وأضافتها لخوفها من انسحاب المستثمرين، عند قرارها بتطبيق هذه الضريبة، سيتغير موقفها، وبالتالي نتيجة المعركة، فقط تحتاج الحكومة تذكر بعض من تلك الحقائق، بحسب سلطان.

- من هذه الحقائق أن كل الأسواق المالية تصاب بصدمة عند بداية تطبيق ضرائب الأرباح الرأسمالية، ولا يوجد سوق واحد استمرت فيه هذه الصدمة على المدى الطويل أي اكثر من 3 سنوات، إذ أن هناك أكثر من 140 دولة تطبق أرباحا رأسمالية على الأسهم، ولم تنهار أي سوق منها بسبب الضرائب، فالتجارب الطويلة وكذلك السيل المتدفق من الدراسات التطبيقية المتخصصة  يؤكد أن الصدمات التي تحدث في أسعار الأسهم بسبب ضرائب الأرباح الرأسمالية، هي صدمات قصيرة الأجل، والذي يحدد أسعار الأسهم في الأجل الطويل هي عوامل اقتصادية كلية وسياسية أكثر تأثيرا من ضرائب الأرباح الرأسمالية. 

حقيقة أخرى أقر بها سلطان أن نسبة الضرائب المقترحة على الأرباح الرأسمالية للبورصة، والتي لا نستطيع تطبيقها، يجب أن تكون متغيرة وان القانون الحالي الذي يتم تاجيله يجب أن يتم التعديل عليه، بحيث أن الضريبة تكون أقل للاستثمارات التي يتم تداولها على المدى البعيد زمنيا، أو الأضخم من حيث الربح، مما يساهم في زيادة كفاءة السوق، وإقصاء المضاربين فيها، وبالتالي التخلص من ضعف سوق المال التي نعاني منه منذ سنوات.

كما كانت تمثل تلك الضريبة نصف او اقل من نصف الضرائب السائدة على النشاط الصناعي والتجاري وضرائب الموظفين والشركات في مصر من قبل، ولكن بعد التخفيض الذي حدث في قانون ٣٠ لسنة ٢٠٢٣ تمثل هذه الضرائب أقل من ربع الضرائب السائدة، وهو ما يعتبر حوافز سلبية للنشاط الصناعي الذي يحتاجه الاقتصاد المصري حاليا أكثر من أي وقت مضى. 

تأجيل ضروري

على الجانب الآخر من النهر يرى الخبير في البورصة السيد خضير أن تأجيل ضرائب الأرباح الرأسمالية ضروري، مؤيدا إجراءات الحكومة في هذا الخصوص، إذ يرى أن البورصة المصرية بحاجة لمزيد من المحفزات التي من شانها رفع قيم التداول، وعدد الشركات فيها.

كما اعتبر أن مثل هذه الإجراءات من شانها تعطيل أي محاولات لتحفيز البورصة على العمل بالكفاءة اللازمة، في حين أرجع تراجع الاستثمار بالبورصة إلى مناخ الاستثمار ككل، وظروف الحرب، والقلاقل السياسية على مدار السنوات الأخيرة.

يعتقد خضير أيضا أن مصر تحتاج إلى توسيع ثقافة الاستثمار في البورصة بين الشخوص العاديين، والاحتذاء بنموذج دول الخليج الذي أصبح فيه الكثير من المواطنين العاديين مستثمرين بالبورصة، ولكن من شان هذه الضرائب إدخال الخوف إلى الأفراد، كذلك طرد الأموال الأجنبية التي تغريها حرية التداول.

كما نفى خضير جدوى فكرة الاعتماد على القروض، أو زيادة الفائدة على الاقتراض، واعتبرها سببا من أسباب الركود، حيث يعزف الأشخاص عن استخدام أوعية تمويلية جادة ومثمرة مثل البورصة، ويركنون إلى تجميد أي نشاط لهم، اعتمادا على فوائد البنوك، متوقعا في الوقت نفسه انخفاض أسعار الفائدة، وهو ماسبقنا إليه الفيدرالي الأمريكي والأوربي مؤخرا.

نظام ضريبي مختل وعدالة غائبة

بدوره يقودنا الباحث إلهامي الميرغني للحديث عما سماه بنظام ضريبي مختل وعدالة ضريبية مفقودة وترسانة تشريعات تحتاج للتطوير والتحديث.

وعبر الأرقام يستعرض الميرغني الأمر بالقول : " في موازنة 2024/2025 تبلغ الحصيلة الضريبية المتوقعة 2021 مليار جنيه لا تمثل سوي 36.5% فقط من الموارد بعد أن كانت 44% في 2010/2011. إضافة الي تراجع أهمية الضرائب الي الناتج المحلي الإجمالي من 18.3% في 2012/2013 إلي 11.8% في 2024/2025. 

ونتيجة فجوة الموارد تضطر مصر للاقتراض، فتقترض ما مقداره 2849 مليار جنيه قروض جديدة إضافة الي سداد 3440.6 مليار جنيه أقساط وفوائد تمثل 62.1% من إجمالي استخدامات الموازنة. لذلك ضعف الحصيلة الضريبية يتم تعويضه بالديون والمزيد من الديون.

وبحسب إلهامي ، برغم كل الحديث عن ضرورة الإصلاح الضريبي وإصلاح التشريعات الضريبية نجد إصرارا متواصلا على منع تطبيق ثلاث أنواع من الضرائب الأولى هي الضرائب العقارية والذي صدر بها القانون 196 لسنة 2008 المعطل والمعدل بالقانون رقم 23 لسنة 2020 والذي لا يزال هناك تأجيل متتالي في تطبيقه. 

والثاني هو قانون الضرائب على تعاملات البورصة أو قانون الضرائب علي الأرباح الرأسمالية والذي يقاتل رجال الأعمال وشركات البورصة المائة وعشرون ضد تنفيذه.

يكفي ان نعرف ان 120 شركة أوراق مالية إضافة الي البنوك تقاتل ضد بدء تطبيق القانون ومن بينها 20 شركة تقود التداول في البورصة يأتي علي رأسها شركة "هيرميس" للوساطة في الأوراق المالية، وهي الشركات الأكثر ارتفاعًا من حيث قيمة التداول بين شركات السمسرة في البورصة المصرية، بالربع الأول من العام الجاري 2024، بقيمة تداول 81 مليارًا و257 مليونًا و955 ألف جنيه، بمعدل زيادة 14.2%..

ثم حلّت شركة وتطبيق "ثاندر" لتداول الأوراق المالية إلكترونيًا، المركز الثاني بين أعلى 20 شركة وساطة من حيث قيمة التداول، بمعدل زيادة 9.8%، لتكون قيمة التداول 56 مليارًا و397 مليونًا و459 ألف جنيه، بينما احتلت شركة "التجاري الدولي" للسمسرة، المركز الثالث عند 51 مليارًا و383 مليونًا و401 ألف جنيه. وفي المركز الرابع، جاءت شركة "أرقام" لتداول الأوراق المالية، بمعدل زيادة 6.8%، لتسجل قيمة تداول 39 مليارًا و15 مليونًا و563 ألف جنيه، وفي المركز الخامس احتلت شركة "مباشر" للأوراق المالية، بمعدل زيادة 6.7% إلى 38 مليارًا و275 مليونًا و53 ألف جنيه.

وهكذا تتحكم هذه الشركات في حركة البورصة وهي صاحبة مصلحة في وقف تنفيذ قانون فرض ضريبة على تداولات البورصة.

وأضاف إلهامي أن هناك قانون ثالث محاصر وممنوع من المناقشة، ألا وهو قانون فرض ضرائب على الثروات التي تزيد علي 100 مليون جنيه، بل ورفض حتي رفع حد الثروة إلي 500 مليون جنيه. بينما توجد مئات الشركات المصرية العاملة في مصر وغير المسجلة في مصر والمسجلة في الملاذات الضريبية تهرباً من سداد الضرائب في مصر. 

لذلك فإن ضرائب البورصة ليست الضريبة الوحيدة التي تحارب وتحاصر ويوقف تنفيذ قانونها بحسب الميرغني، بل هناك عدد من التشريعات التي تمس أصحاب الثروة والنفوذ ليستمر العمال والكادحون والفلاحون ومحدودو الدخل هم الممولون الرئيسيون للضرائب في مصر سواء ضرائب الدخل أو الضرائب غير المباشرة.

وفي ظل نسب فقر غير مسبوقة، وانكماش اقتصادي غير مسبوق، تبرز أهمية فرض الضريبة التصاعدية على المدي الزمني المتوسط والطويل ليست فقط ضرورة لتمكين الدولة من مورد أساسي لدعم الإنفاق العام، ولتحقيق استقرار اجتماعي ودرجة من درجات العدالة الاجتماعية، ولكنها أيضا ضرورة حتى للنمو الرأسمالي، فكلما كان النظام الضريبي أكثر عدًلا ، كلما ساهم ذلك في زيادة الطلب الفعال على السلع والخدمات (هذا إلى جانب آلية لرفع أجورهم سنويا بما يعادل أو يفوق نسبة التضخم) وتلك الزيادة في الطلب الفعال تدفع بدورها إلى زيادة المشروعات، والاستثمارات لتلبية ذلك الطلب مما يعني نمًوا إنتاجًيا مستداما.
-----------------------
تحقيق: أسماء زيدان