لقد اعتدنا تاريخيا ومنذ بداية الحياة الدستورية والنيابية أن يخرج علينا رئيس الوزراء المكلف بتشكيل الوزارة بعرض برنامج الحكومة على البرلمان مكررا تعبير (ستعمل حكومتى على تنفيذ كذا وكذا) وطبيعى وتحت أى ظروف أو مسمى لأى نظام تحوز الحكومة على موافقة البرلمان (فالحكومة والبرلمان اخوات).
وطوال تاريخ تلك الأمثلة تتكرر العبارة (ستعمل حكومتى..) ولانرى أى كذا ولا كذا عمليا على أرض الواقع. وقد تمت موافقة البرلمان على برنامج حكومة مدبولى الخميس ١٨ يوليو ٢٠٢٤، بعد مناقشة اللجنة الخاصة لبرنامج الحكومة وبعد تقديم تقريرها إلى اللجنة العامة للبرلمان. فقد قام الإعلام الموجه بحملة ترويجية للمناقشة التى تمت فى اللجنة الخاصة مع الوزراء، وكأنها كانت مناقشة غير مسبوقة فى تاريخ البرلمان. مع اننا لم نشاهد بثا مباشرا على الهواء لهذه المناقشات حتى يكون الشعب مشاركا وواعيا ومدركا تلك المناقشات، حتى تكون هناك رقابة شعبية حقيقية من الشارع على تنفيذ ذلك البرنامج (وذلك بالرغم وجود نواب يعبرون حق التعبير عن الشعب لانهم جاءوا بإرادة شعبية حقيقية).
كانت هناك تكليفات من الرئيس لهذه الوزارة تمثلت في: الأمن القومى . مواصلة الإصلاح الاقتصادى . الاهتمام بالتعليم والصحة . بناء الإنسان المصرى . عظيم . نقف هنا كثيرا أمام تكليف بناء الإنسان المصرى. فهذا التكليف وتلك القضية الهامة التى هى قضية القضايا كثيرا ماتكلم عنها الرئيس ومنذ اعتلاءه الموقع، إضافة لورودها فى خطة 2030 . فماذا كانت المناقشة حول هذه القضية؟
بداية فبناء الإنسان المصرى يعنى أن يكون هناك تعليم عصرى يواكب التقدم والمتغيرات العلمية العالمية ، يعنى أن تكون هناك مؤسسات صحية تهتم بصحة الإنسان المصرى خاصة أن من لايملك قوت يومه لا يملك نفقة علاجه (ونحن فى ظل قانون وافق عليه البرلمان بتأجير مستشفيات الغلابة للقطاع الخاص). يعنى مؤسسات ثقافية تقوم بدورها الأساسى والمهم فى تكوين الإنسان ثقافيا وفكريا وفنيا. يعنى إعلاما جيدا مهنيا (حتى لو كان موجها) ولكن يجب أن يمتلك المصداقية الإعلامية لدى المواطن حتى لا يقع المواطن فى قبضة إعلام موجه أخر لايريد للوطن السلامة. يعنى وجود مؤسسات دينية لايقتصر دورها على نشر حالة تدين شكلي يعتمد على مخاطبة العواطف الدينية على حساب الايمان الحقيقى والصحيح. فالتدين غير الإيمان. وبالطبع هذا يحتاج إلى نشر فكر دينى يتفق ويتوافق مع المقاصد العليا للأديان التى علت وكرمة الانسان أيا كان. بناء الإنسان المصري يعنى وجود حياة سياسية ترسى وتدعم وتقيم الدولة المدنية الديمقراطية الحديثة التى تؤكد وتطبق على أرض الواقع المواطنة الحقيقية وليست الإسمية والشعاراتية، تلك المواطنة التى تعتمد على القانون والعدل وعدم التفرقة بين مواطن وآخر وعلى أي أرضية. والحياة السياسية الحقيقية هي التي تعتمد على دستورية التعددية الحزبية وحق التعبير عن الرأى والرأي الآخر حتى لانترك الفرصة لمن يتربصون بالوطن تحت مسمى المعارضة خاصة من يقيمون خارج مصر. فهل بعد ذلك يمكن أن نعرف ماذا كان تلك المناقشات لبرنامج الحكومة خاصة فى بند بناء الإنسان المصرى. هل قدم كل وزير خطته الخاصة بتطبيق وتنفيذ هذا البند؟ فما هى خطة وزير التعليم (ذو الخبرة غير المسبوقة فى حل مشاكل التعليم) فى قضية أعداد المدارس وتوافق المناهج مع المتغيرات العالمية وقضية التكدس فى الفصول والأهم قضية عدم الذهاب الى المدرسة من الأساس، خاصة لطلاب الإعدادية والثانوية العامة. (لم تذهب حفيدتى إلى المدرسة الإعدادية غير اليوم الأول فقط !!!). ماهى خطة وزير الصحة فى توفير الدواء الذى لايجده المريض إلا بشق الأنفس . هذا اذا كان يملك ثمنه.
ما خطة وزير الثقافة فى تفعيل البنية الأساسية الثقافية من قصور ومراكز ثقافة لتدعيم القوى الناعمة التى هى عماد الهوية المصرية طوال التاريخ. وهل يعلم الوزير أن الغالبية الغالبة من موظفى الثقافة لا علاقة لهم بالثقافة. ماهى خطة المؤسسات الدينية من قضية قبول الآخر التى هى أساس للتوحد المصرى وحماية للوطن والمواطن. مع العلم أن هذا ليس منوطا به المؤسسة الإسلامية فقط ولكن أيضا المؤسسة الدينية المسيحية. هذه نماذج مما يجب أن يكون من مناقشات فعلية وعملية لبرنامج الحكومة أي حكومة. فلا كلام مرسل ولكن خطط زمنية مرتبطة بتوقيتات تحدد الأهداف الاستراتيجية مع الخطوات التكتيكية العملية للتنفيذ، الوطن فى إطار تحديات كبيرة وخطيرة على كل المستويات.
فعلى الحكومة أن تعى خطورة وأهميته دورها الآن. وعلى الشعب أن يعى ويعرف أن الوطن وطن كل المصريين وأن الخطر يحيق بنا جميعا وعلينا التوحد والعمل الجاد لمواجهة تلك التحديات.
وكل الامل فى أن تكون الحكومة عند حسن الظن .
حمى الله مصر وشعبها العظيم.
-----------------------
بقلم: جمال أسعد