17 - 06 - 2024

الفكر الإنسانى بين المناظرة والحوار

الفكر الإنسانى بين المناظرة والحوار

مايميز الإنسان عن سائر المخلوقات هو ذلك العقل المفكر، وهذا العقل صاحب الإبداع الفكرى هو حجر الزاوية للتقدم الإنسانى فى كل مجالات الحياة منذ البدء وإلى المنتهى. كما أن هذا الفكر الانسانى لايرتبط بزمان أو مكان ولا بجنسية أو لون، ولكنه إبداع إنسانى كان وسيكون ملكا للإنسانية كلها، وكانت أداة تلك الملكية العامة لهذا الفكر الإنسانى هو الحوار الموضوعى الذى يطرح الفكرة وينتظر طرح الفكرة الأخرى، ويتم حوار موضوعي حول الأفكار بهدف تحديد مايتم الاتفاق حوله أو الاختلاف عليه.

وقد وجدنا على أرض الواقع وعبر حقبات التاريخ المتعددة تلك الحوارات بين الحضارات قديمها وحديثها، والتى أنتجت منتوجا حضاريا إنسانيا استفادت فيه وتكاملت مجمل كل الحضارات . وكما أنه لا توجد هناك حضارة واحدة متفردة على مر التاريخ ملكت الاستحواذ والسيطرة على باقى الحضارات، لايوجد أيضا فكر إنساني وحيد يدعى امتلاكه الحقيقة المطلقة دون أفكار الآخرين. فبالحوار كانت الحضارة الإنسانية وكان رقى الفكر الإنساني، وباسقاط الحوار الموضوعى يكون الصراع والنزاع واستبداد القوى على الضعيف وتكون الحروب التى أبدعها الإنسان لفناء الإنسان والإنسانية.

وللأسف الشديد وعلى المستوى العالمى والاقليمى والمحلى وعلى كل المستويات فى الأسرة والشارع والمدرسة والمسجد والكنيسة لاوجود لأى حوار، ولكنه خوار وليس حوارا. فوجدنا أسلوب المناظرة يسيطر ويسقط أى اسلوب للحوار. فالمناظرة هى نقاش يبدأ على أرضية خلافية متجذرة ولا تقبل الحوار وقبول الرأى والرأي الآخر، ولكنها صراع بين وجهتى نظر يدور على أرضية معركة صفرية تكون فيه النتيجة إما انتصارا كاملا أو هزيمة منكرة. فلا أي من الرأيين استوعب الاخر أو حاول أن يستفيد من الآخر رأيا أو خبرة أو معلومة. ولكن الهدف الاول والأخير هو الانتصار عن طريق الغوغائية والمشاغبة والإساءة وإلصاق التهم والتغييرات غير العلمية أو الموضوعية. ولا أكون مبالغا إذا قلت أن تجسيد هذا المشهد يتمثل فيما يسمى (مشجعى الأهلى والزمالك). مع العلم أن هذه الإشكالية نجدها فى كل مجالات الحياة خاصة فى المجال الدينى. ليس بين المختلفين فى الدين ولكن بين أبناء الدين الواحد. الشيء الذى يؤكد أن الأمر هو صراع اجتماعي ونفسي وتمييزي وتاريخي ...الخ ولا علاقة له بأى دين على الإطلاق.

 وهنا  اقول أنه من الطبيعى أن يكون هناك اختلاف بين كل دين والدين الآخر وإلا لماذا أصبح هناك اتباع لكل دين؟ ولكن هذا الاختلاف هو حكمة إلهية أرادها الله سبحانه وتعالى ( ولو شاء ربك لجعل الناس أمة واحدة ولا يزالون مختلفين ) ( من ليس لهم ناموس هم ناموس لأنفسهم ) (لكل جعلنا منكم شرعة ومنهاجا ) ( من شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر) \.

وهذا يعنى أن التعددية الدينية التى أرادها الله هي لصالح الأديان ولصالح الإنسان، حتى يكون هناك سبب حتمي للحساب الذى هو ملك واختصاص الله وحده سبحانه تعالى. ولما كان الدين يمثل أهمية شديدة بالنسبة للمصرى وفى كل الأديان، يصبح الفكر الدينى هو الذى يعلم وينمى ويربى الشخصية على قبول الآخر الدينى وغير الدينى. والدين بنصوصه وثوابته غير الفكر الدينى الذى هو فكر البشر فى تفسير النص الديني، أى أن الثوابت إذا كانت مقدسة، فلا قداسة لفكر دينى بشرى يقبل الصواب والخطأ. ولكن الإشكالية أن أصحاب المصالح الخاصة والذين يأخذون الأديان موضعا للاستفادة الشخصية أو الجمعية أو المؤسساتية، هم الذين حولوا غير المقدس إلى مقدس، فأصبح التراث بمجمله، بمقبوله الان وغير مقبوله لتغير الزمان والمكان، هو المقدس قداسة الدين ذاته. فهل الحوار هدفه تخليص كل ماكان يخص زمانا بعينه ومكانا بذاته لا وجود لهما الآن، هو غير مشروع وليس فى صالح الموروث ولصالح فكر دينى يقدس ثوابته وينفتح على الآخر على أرضية التعددية الدينية بل الاجتماعية والسياسية والثقافية؟ وهل تهتز الأديان من أي فكر شاذ أو رؤية مخالفة أو انحراف فكري؟ وكم مرت بالأديان منذ وجود الإنسان وستظل تمر بمثل هذا الأفكار وبتلك الممارسات. فلماذا لا نقبل بعضنا بعضا على أرضية حوار علمى وموضوعى يستفيد من الآراء ومن الخبرات حتى يكون هذا الحوار غير المسبوق بمواقف حدية لاتقبل حوارا ولا تريد نقاشا. 

الحوار هو صمام الأمان لسلامة الوطن وفى ظل الظروف والتحديات التى يواجهها والتى تحتاج إلى حوار ونقاش وتوحد وقبول حتى لايحقق من لايريد للوطن أهدافه المدمرة التى لا ينجو منها أحد. حفظ الله مصر وشعبها العظيم ، مصر كل المصريين.
---------------------------

بقلم: جمال أسعد


مقالات اخرى للكاتب

ماذا يريد الشعب؟ (12)





اعلان