19 - 06 - 2024

الرّقصُ في غزّة بين السّبعَتين

الرّقصُ في غزّة بين السّبعَتين

(أعزّائي.. هاؤم اقرؤوا قصّة اليهوديّ الذي عانىٰ من المَحرقة؛ فرجع لأرضه الصّحراء الجرداء.. فلا عمار ولا زراعة ولا حضارة؛ فحولها إلى جنّة؛ بنىٰ فيها أفضل المشافي والجامعات والمؤسّسات، وأصبح يعيش في البلد الدّيمقراطيّ الوحيد وسْط بحر التّخلف والإرهاب في الشّرق الأوسط).

(لكنّ العرب المتخلفين الهمج لم يتركوه في حاله؛ شنّوا عليه حروبًا وخسروها !! وصاروا يستهدفونه بعملياتهم الإرهابيّة.. ورغم ذلك فما فتىء يعرض عليهم السّلام؛ لكنّهم قومٌ قذرون معادون للسامية كارهون لها.. لذا فقد أمَرنا الرّب أن نقتل العرب الأنجاس تقرّبًا له.. وهذا ما نلقنه لأبنائنا في مدارسهم مذ نعومة أظفارهم).

تلك صورة العرب كما صاغها اليهود الصّهاينة؛ ودشنتها "هوليوود" بأذرعها الفنيّة الفتيّة النّاعمة المسيطرة على أكناف العالَم كلّه.. حيث قامت بغسل الأدمغة وتعليب العقول على مدى 7 عقود مذ احتلال اليهود لفلسطين العربيّة.

ساعتها أدرك الصّهاينة أصحاب رؤوس الأموال الضّخمة أنّ عصر: "هتلر وموسيليني ولينن" والخُطَب الرّنّانة وتجييش الشّعوب والحملات (كما فعل الصّليبيون من قَبل) لم تعد تلائم زمانهم ولا أهدافهم.. وأدركوا أنّ سلاح "الإعلام والميديا والصّورة" -ولو كانت مفبرَكة- تُغني عن آلاف الخُطب والكلمات.. لذا لم يكن غريبًا انتشار كليات الإعلام كالنار في الهشيم؛ بل وكليات لتدريس الإعلام المضلِّل !!

ولنكمل معًا بقية القصّة المفتراة علينا أولًا:

(وفي يومٍ سلميٍّ جميلٍ كان الشّباب الإسرائيليّ يرقص ويغني لأنه مُحبٌّ للحياة، فهجم عليهم الإرهابيون -يقصدون حماس- وقتلوا 40 رضيعًا؛ وفصلوا رؤوسهم عن أجسامهم؛ وحرقوهم؛ وطبخوهم (المقاومة كانت جوعىٰ ولديها وقت للطبيخ !!).. واغتصبوا السّيدات بشكلٍ جماعيٍّ ومتكرّر(!!).. وقطعوا ثدي امرأة ورموه للكلاب.. لكن الشّعب الإسرائيليّ يتصدىٰ ويكافح الإرهاب الإسلاميّ الأسود.. من أجل أمريكا وأوروربا والحضارة الإنسانيّة.. فكلنا إسرائيل.. كلنا إسرائيل).

كل هذه التّرّهات والتّخرصات جاءت في تقرير" نيويورك تايمز" المفبرَك بعنوان: "صيحاتٌ بلا صوت".. فقامت الدّنيا على العرب ولم تقعد، وتسلمته "هوليوود" كعادتها؛ لتطبخ عليه طبيخها المسموم الممجوج.. كما قامت المجرمة الإرهابيّة "هيلاري كلينتون" بنشره مرارًا وتكرارًا.

(لاحظوا: لم يذكروا اسم فلسطين ولو مرّة واحدة.. بل عرب ومسلمين متخلفين).

كانت "هوليوود" الطّفل المدلّل للصّهيونيّة وبوقها - وإن شئت العكس فالأمر صحيحٌ تمامًا- ففي عام 1948 احتفلت بنشاة الكيان الإسرائيليّ؛ وفي 1967 قامت تظاهرات "هوليووديّة" تؤيده في حرب الأيام السّتة.. وفي 1978 احتفلت بمرور 30 سنة على قيامه؛ وذلك بحفل ٍضخمٍ؛ غنّوا فيه أغنية شهيرة مطلعها: (سنرقص قريبًا في غزّة) !!

علاوة على العديد من الأفلام الرّوائيّة والوثائقيّة والسّلاسل الكارتونيّة الشّهيرة لتوصيل صورة معينة للعالَم مفادها: أنّ إسرائيل تحيا كالحمَل الوديع وسْط قطيعٍ من العرب الذّئاب !!

لكن ستار الأكاذيب الصّهيونيّة هتكتها التّقارير المصورة من أراضينا المحتلّة ومن غزّة.. وكانت زيارة "مارك زوكربرج" صاحب "ميتا" -الفيسبوك سابقًا- خطوة استباقية وضرورة ليؤكد على الرّواية الإسرائيليّة؛ ويمنع ويحظر ويحذف أي مادة لا تتفق مع معاييرهم الصّهيونيّة.

بعد كل تلك الأكاذيب والحفاوة طوال 7 عقود خلَت.. جاء "الطّوفان".. وعلى مدى 7 أشهر فقط تغيّرت نظرة "هوليوود" حول القضيّة الفلسطينيّة؛ أو بمعنى أدقّ اضطُرت للتعامل مع الواقع المرئيّ رأْيَ العين؛ وكشفت الحرب على غزة كثيرًا من المسكوت عنه.

ففي السّابع من أكتوبر 2023 .. حاولت الممثلة "جال جادوث" ترويج الفيلم الوثائقيّ الذي انتجته الحكومة الإسرائيليّة لتبرير الحرب على غزّة.. لكن أحدًا من الجمهور لم يحضر !! من جانب آخر قامت شركة "ديزني" بتأجيل فيلم "سنو وايت" -من بطولة نفس الممثلة- لعام 1925.. خشية ان يتعرٍّض لخسارةٍ كبيرةٍ نظرًا للنقد الذي نالته على مواقع التّواصل.

كما امتعض اللوبي الصّهيونيّ من نقابة "كُتّاب السّيناريو" في "هوليوود" التي لم تعلن موقفًا مؤيدًا  لها؛ لا سيما وأًنّ عددًا كبيرًا من أعضائها يهود !! كما لوحظ أنّ الممثلين الذين كانوا يحرصون على كتابة تغريدات ومنشورات داعمة للكيان قد توقفوا عن هذا الأمر !! بعد تصاعد إجرامه وعملياته العسكريّة الوحشيّة داخل غزّة.. خوفًا من أن يؤثر عليهم بالسّلب وعلى مسيرتهم الفنيّة.

ما حصل مع الممثّل "نواه شناب" في مسلسل "أشياء غريبة" يعطينا فكرة أوسع عمّا يجري في "هوليوود"؛ فهذا الممثّل نشر "فيديو" مؤيدًا للاحتلال وساخرًا من الفلسطينيين.. بيد انّه -لاحقًا- اضطُّر للاعتذار؛ لانّ هذا الأمر -بنظر المنتجين- سيؤثر بشكلٍ واضحٍ على المسلسل الشّهير.. مع حالة النّقم الشّديد والغضب الكبير الذي شاهدوه جراء ما نشره.

المال في "هوليوود" إلههم ومعبودهم الذي ارتضوه، وأي شيءٍ يؤثر على الإيرادات فلا بد من تجنبه.. وذلك لأنّها تعيش حاليًا أسوأ مراحلها.. فأرباحها من شباك التّذاكر "العالميّ" تتراجع بشكلٍ كبيرٍ.. وتلك كارثة؛ لأنّ الأرباح لم تعد تأتي من "أمريكا" وحدها كما كان بالسّابق.

لن ننسى حفل "الأوسكار" وكلمة المخرج " نيثان جليرز"..التي أثارت الذّعر في دولة الكيان؛ حين شبّه الصّهيونية بالنّازية (!!) وأتى التّشبيه من مخرج "يهوديّ" حائز على "الأوسكار" عن فيلم يتحدّث عمّا فعلته النازيّة وارتكتبته في حق اليهود إبّان الحرب العالميّة الثّانيّة.. لذا كانت كلمته قاسمةً ومؤشرًا على التّغيير الذي حصل داخل عاصمة السّينما العالميّة.

"الجمهور العالميّ".. كلمة السّر والحصان الرّابح لمن أراد كسب قضيته.. استغل العدو صناعة السّينما العالميّة ووسائل التّواصل الاجتماعيّ كقوةٍ ناعمةٍ يعرض فيها إفكه المستطير؛ يستمطر بكاء العالَم.. وكم نادينا على مدى سنوات بأنّ القضيّة الفلسطينيّة قد فشلنا في توصيلها للآخر؛ لأنّا قد ركّزنا على الوجه الّسياسيّ لها بالخُطب الرّنّانة فقط وأهملنا البُعد الإنسانيّ فيه.. (رجاء مراجعة مقالي السّابق بعنوان: جامعات الغرب تُلبّي نداء غزّة).

ولذلك ما إن رأى العالَم المعاناة الإنسانيّة التي يعانيها الفلسطينيون -خلال سبعة اشهر سِمان بالتّضحيات والشّهداء مذ بِدء الطّوفان- حتى هبّوا لمؤازرتهم.. وبدأت التّغييرات تولد من رحم المستحيل في عقر دار صُنّاع "هوليوود" و"وسائل التّواصل" المتآمرين مع عدونا؛ ومن معاقل المؤامرات ذاتها طوال سبعة عقود عجاف عليهم خلت.

قد أرادوا محو "فلسطين" من الخريطة؛ فبات العالَم كله يتنفّس اسمها؛ فحفظه القاصي والدّاني.. ستتهاوى الصّهيونية.. وسنرقص نحن قريبًا في "غزّة" وليسوا هم.. وسنغني مع "محمود درويش": أنا الأرض.. والأرض أنتِ.. خديجة لا تغلقي الباب.. لا تَدخلي في الغياب.. سنطردهم من أناء الزّهور وحبل الغسيل.. سنطردهم عن حجارة هذا الطّريق الطّويل.. سنطردهم من هواء الجليل.
-------------------------
بقلم: حورية عبيدة


مقالات اخرى للكاتب

ترنيمة عشق | حتىٰ أنت يا بروتس ؟!





اعلان