13 - 05 - 2024

يقذفون البطاطس الساخنة باتجاه مصر! والشعب يريد حماية غزة وأهلها

يقذفون البطاطس الساخنة باتجاه مصر! والشعب يريد حماية غزة وأهلها

أتذكر في هذه اللحظات أنني قرأت – و قد كنت في حينها صغيرا – مأثورا شعبيا بريطانيا على الأرجح ؛  ينصحك بألا تتناقل البطاطس الساخنة بين يديك إذا رمى بها إليك أحدهم ، وإنما تلتقطها وتسارع بإعادتها إليه في حركة واحدة – كاتب المقال    

لا يمكننا في مصر أن نتغافل عن حقيقة أننا نمر الآن بأوقات عصيبة يتملكنا فيها القلق ويتعين علينا أن نكون مستنفرين: قيادة و شعبا ؛ مع تراكم المعلومات والتصريحات والشواهد الميدانية – وفي صدارتها التحضيرات العملياتية التي يقوم بها الكيان في غزة ومحيطها – التي تكشف عن اقتراب رئيس وزراء الكيان الصهيوني المختل من إعطاء الأوامر لعساكره الذين يمثلون بقتلاهم من المدنيين؛ باقتحام منطقة رفح المتاخمة لجزء من الحدود الإدارية لفلسطين التاريخية مع مصر التي فيها شريط عازل منزوع السلاح ؛ يمتد من ساحل المتوسط إلى ساحل خليج العقبة ؛ طبقا للبروتوكول الأمني الملحق بمعاهدة السلام المصرية مع الكيان.  

وليس هذا فحسب هو الاعتبار الداعي إلى القلق و الاستنفار. فالاعتبار المتعلق بأمن مصر القومي وحمايته يستدعي ذلك بالطبع وله خصوصيته ، وحيثياته أن جانبا عملياتيا جوهريا من جوانب العلاقات بين مصر والكيان الصهيوني التي هي في التوصيف العام لها علاقات صراع دائم حتمي ومنطقي وتاريخي ؛ تأخذ أشكالا متباينة على مدار السنوات ؛ بما في ذلك علاقات عدم الاعتداء التعاقدية المضمونة من الطرف الاميركي – وهو الجانب المتمثل في أن التواجد المصري المباشر وغير المباشر في قطاع من الأراضي الفلسطينية المحتلة على طول ساحل المتوسط قريبا من عسقلان ؛ وصولا إلى الحدود المصرية –  يعد ركيزة أساسية من ركائز الأمن القومي المصري ، وهو تواجد له أصول تاريخية عتيدة ، ويبقى عملياتيا على تماسّ مع قضاء الخليل جنوب الضفة الغربية ، ويسهم بشكل حاسم في إدارة هذه العلاقات ؛ خاصة في أوقات الصراع المسلح – ونعني بذلك بالطبع ما عرف بعد حرب فلسطين 48 بقطاع غزة. 

وبالنظر إلى ما تقدم ؛ يجب الانتباه إلى أن الحذر والاستنفار لا يكفيان في هذه اللحظة لتشكيل الحالة التي يجب أن تكون عليها الدولة المصرية ، بل يتعين أن نضيف إليهما التوجه فورا الى اتخاذ إجراءات استباقية حاسمة لمنع الكيان من القيام بعملية عسكرية في رفح. 

إن حماية القطاع وسكانه الفلسطينيين والدفاع عنهما وتأمينهما هو واجب لا تستدعى مصر للقيام به ، بل هو عمل من البدهي أنها تلزم نفسها به ، وليس تحت دوافع إنسانية أو قومية فحسب ؛ بمعنى أن جانبا ليس هينًا من أمن مصر القومي يتأتى من الدفاع عن الفلسطينيين في رفح، وفي عموم القطاع ، وبشكل أوسع في كامل أراضيهم المحتلة ، وبصورة ومقاربة أشمل عن القضية الفلسطينية .   

وطبقا للخطة التي وضعتها دوائر التخطيط في جيش الكيان واعتمدها رئيس أركانه وأقرها رئيس وزرائه ومجلس حربه ، ووافقت عليها واشنطن وباركتها مع تحفظات أقل ما توصف به بأنها إجرامية ، وهي منشورة في وسائل إعلامية أجنبية لها صدقيتها ولها مصادرها التي يعتد بها ؛ فإن الخطة تتضمن مرحلتين ؛ يجري العمل في الأولى منهما على نقل الفلسطينيين في منطقة رفح إلى مناطق وسط القطاع وشريط ملاصق لساحل غزة على المتوسط يسمى المواصي ؛ وبحيث تملأ المربعات التي ينقل منها الفلسطينيون أولا بأول مدرعاتُ جيش الكيان وتجهيزاته القتالية وأفراده وعناصر الإسناد العملياتي من فرق المهندسين وأجهزة المخابرات والاستطلاع والتموين وغيرها . وفي المرحلة الثانية ؛ يتعامل جيش الكيان مع من بقي من الفلسطينيين في منطقة رفح باعتبارهم مقاتلين ، ويقوم بالبحث عن قيادات المقاومة وأسراه لدى فصائلها وتدمير بنية المقاومة وقتل أكبر عدد ممكن من عناصرها هناك . وهذه هي الأهداف الموضوعة والمعلنة للعملية المرتقبة ؛ بحيث تمكن الكيان – طبقا لرئيس حكومته الموتور – من تحقيق ما يسميه النصر المطلق في غزة ، ومن ثم التحول إلى معاركه التالية في لبنان والضفة الغربية وسورية ، وبترتيب يخضع لحسابات ولملابسات تخص تطورات بيئة الصراع ؛ ليتفرغ بعدها لإيران وبرنامجها النووي ؛ بعد أن تكون العقوبات الغربية القاتلة قد أسخنتها جراحا . هكذا يفكر !! 

***

والحال أن قفزة رئيس حكومة الكيان الهائلة نحو إيران قد فشلت في أن تأخذ مجراها إلى الحد الأقصى الذي كان يسعى إلى بلوغه ، وأنه لا يزال يرغب في الاستمرار في الحرب ومواجهة ما يسميه تهديدا وجوديا لكيانه ؛ بدون أن يغرق في اشتباكات مكثفة على جبهات متعددة وفي وقت واحد ، ولهذا ؛ هو يبحث عن الجبهة التي يراها الأنسب للحصول على نتائج إيجابية سريعة ، وضمنها تسهيل نجاحه في كسب المعركة على الجبهة التالية ؛ أيّا كانت ، وتهدئة المعارضة في داخل كيانه ، وتحسين مركزه السياسي في انتخابات تالية ، وتحاشي سقوط حكومته أو فض ائتلافه . ومن المرجح أن تكون هذه الجبهة هي سورية ؛ بهدف تدمير البنية العسكرية التي أنشأتها إيران هناك. فهذه الجبهة طبقا لحسابات الكيان قد تكون الأجهز سياسيا لعمليات عسكرية سريعة ومنجزة ، وستكون مفيدة أيضا في تسهيل العمل في لبنان لاحقا ؛ قبل أن يتفرغ لخصمه الإيراني مع بداية العام المقبل ؛ في وجود حليف أميركي يعتمد عليه ؛ يقوده صديقه الإنجيلي ترامب الذي يحركه صهره اليهودي الورع زوج ابنته المدللة التي يعشقها حموه بجنون!   

في الحد الأدنى نجحت القفزة الفاشلة لبنيامين نيتانياهو في كسب المزيد من الوقت وصولا إلى الانتخابات الأميركية ، ومكنته من ابتزاز الأميركيين ومشغليه الغربيين بالحصول على مليارات من المنح التي لا ترد ، وصفقات للسلاح والعتاد تعالج ما بدا من هشاشة منظومة الدفاع الصاروخي والتقني لدى الكيان ، وكسب قدر من التحسن النوعي لصورة كيانه الفاشي ؛ يسمح له بإعادة تمثّل صورة الضحية ، وحققت له مكاسب أخرى لا مجال لحصرها ، ولا تقل أهمية عن ما سبق ، بل قد تفوقها أهمية. 

لقد تم ترك الحوثي لتتعامل معه واشنطن و لندن تحت سقف معين لا يستثير القوى الكبرى المعنية ، وخاصة مع وجود فيتو سعودي مؤكد على عمليات قصف صهيوني قرب الحرمين في الحجاز . والمخاوف نفسها مع عدم التأكد من رد الفعل الإيراني والروسي منعت عملا فوريا مباشرا في شكل استعراضي يستهدف البنية العسكرية التي أقامتها إيران في سورية . وأجلت عملية الانقضاض على الضفة الغربية الاحتمالاتُ المتسلسلة لإشعال جبهة مفتوحة وملتهبة هناك لا يمكن احتمالها على الأقل في الوقت الراهن ، وهي عملية يمكن أن تفضي إلى نهاية الأردن الذي يشار إليه في دوائر التخطيط الغربية باعتباره اختراعا مقدسا اختطه ونستون تشرشل على الورق ؛ في ليلة هادئة خصصها لتأمل الخرائط . وضمن المتسلسلة بالطبع أن يتحول المثلت الحيوي لإسرائيل إلى جحيم مطبق . في ما يحتاج لبنان إلى تفرغ وتضحيات هائلة تقتضي بالضرورة تهدئة كاملة في غزة ، وهو أمر بدا من الصعب تدبيره بعد أن فشل الكيان في جرّ المرشد الإيراني من لحيته والرئيس الأميركي من ... إلى حرب طاحنة واسعة ممتدة متطاولة ؛ قد تستدعي حربا إقليمية قابلة للاتساع ؛ من غير المستبعد أن تتطور إلى حرب عالمية. 

إن التهدئة في جبهة غزة من أجل التوجه نحو لبنان لم تعد واردة بعد مغامرة القنصلية الإيرانية ، بل بات إلحاحُ العمل فيها أمرا لا بديل منه . فالكيان عمليا لم يرد على الرد الايراني ، وقد خرج من المغامرة أكثر احتياجا ورغبة في تنفيذ عملية في رفح . 

وهكذا تم رمي البطاطس الساخنة باتجاه مصر عبر رفح ! وهذا استنتاج تفضحه تصريحات نيتانياهو التي قال فيها إن الحرب في غزة هي جزء من مواجهة إيران كتهديد أكبر ، وهي تصريحات عطف عليها الرئيس الأميركي بالقول إنه في ما يخص رفح فإن الوضع يعتمد على قرار إسرائيل !  

والشواهد تبدو لي أكثر أهمية ، وفي مقدمتها بالطبع استقالة أهارون حليبه رئيس شعبة الاستخبارات العسكرية في جيش الكيان "أمان" ، وفي توقيت له دلالة ؛ مع توقعات قوية بأن تفجر استقالته موجة استقالات عاتية لقادة كبار آخرين . إن هذا التطور يعكس بمنتهى الوضوح حالة رفض وتمرد مرصودة في وقت مبكر جدا أعقب عملية السابع من أكتوبر داخل جيش الكيان ؛ يفسرها على الأرجح عدم رضاء عن التكليفات الآتية من المستوى السياسي إلى المؤسسة العسكرية ، وعن الآثار السلبية لها على هيكلية المؤسسة وجاهزيتها وعلاقتها بالجمهور، ومن ثم بتماسك ووجود دولة الكيان . وهذا يقودنا إلى نتيجة مفادها أن هناك رفض من جانبها للقيام بعملية في رفح يجري التكتم عليه ؛ حيث يراها العسكريون والأمنيون أيضا عملية غير مجدية ولا يثقون بقدرتها على تحقيق الأهداف التي أعلنت للحرب ، ومن ثم أحيلت إلى العملية في ذاتها ، والأهم أنها قد تقود إلى مواجهة عسكرية مع مصر ؛ أوصت " أمان " تحديدا على ما يبدو بتحاشي الدخول فيها ، وهي المكلفة أساسا بتنسيق الاتصالات الأمنية مع مصر طوال الوقت . ويمكننا أن نفهم أيضا أن حليبه تحديدا ربما يكون قد رفض الموافقة على الخطط المعدة ؛ بما يفيد بأن تقديرات جهازه الاستخباري هي أن الأمر لن يقود إلى هذه النتائج ، ولهذا ؛ فضل التقدم باستقالته في هذا التوقيت بالذات رغبة منه في عدم التورط في إخفاقات إضافية بعد السابع من أكتوبر وقصف القنصلية والرد الإيراني على هذا القصف . فالاستقالة إذن ليست بسبب إخفاقات سابقة تورط الكل فيها من المستويين العسكري والسياسي ، وإنما بسبب الخوف من إخفاقات تالية ترتبط بعملية رفح . وكان حليبه قد صرح منذ أسبوعين تقريبا بأن الأسوأ لم يأتِ بعد كأنه كان يشير إلى ضغوط تمارس عليه ليبارك خطة العملية ، وهو يأبى الاستناد إلى معلومات يراها غير كافية و آمنة لدعم العملية ؛ ليتجنب المزيد من التبعات التي تستوجب محاسبته لاحقا بموجب التحقيق الذي أشار إليه في بيان استقالته ، وهي معلومات تتعلق أساسا بوجود أسرى الكيان الباقين في رفح مع قادة الفصائل الفلسطينية وتحت إمرتهم أربعة كتائب من النخبة المقاتلة للقسّام الجناح العسكري لحركة حماس ، وتتعلق أيضا بردود الفعل المتوقعة من جانب القيادة العسكرية والسياسية المصرية التي يوهم نفسه المخبول بأنها ستكون غير مؤثرة أو يمكن السيطرة عليها !    

إذن رمى بنيامين البطاطس الساخنة إلى أيدي الأميركيين والإيرانيين فالتقطها الطرفان ببراعة ، وسارعا بردها إلى نحره ؛ فلم يجد مفرا من التقاطها ثانية بارتباكة المأزوم الحائر ؛ ليعاود رميها ؛ لكنْ هذه المرة باتجاه مصر. فكيف سيتصرف المصريون؟  

***

تستطيع مصر أن تتخذ إجراءات استباقية وحاسمة وسريعة في مواجهة احتمالات مرتفعة جدا لإقدام الكيان على بدء هذه العملية خلال أيام قليلة مقبلة ؛ لتدافع بها عن أمنها القومي ، وفي  مقدمتها ؛ تأمين شريطها الحدودي مع فلسطين التاريخية ؛ وضمنه ممر صلاح الدين ومعبر رفح – بالوسائل العسكرية اللازمة التي تظاهرها حالة تأهب عالية لقواتها في المناطق الثلاث المحددة في معاهدة السلام الموقعة مع الكيان في شبه جزيرة سيناء ، وفي ما وراء ذلك بالطبع . وتستطيع مصر أن تتوجه عاجلا إلى مجلس الأمن الدولي ؛ للمطالبة بتدخله الفوري لوقف هذه العملية ، وإنهاء القيود العسكرية المفروضة على معبر رفح من داخل غزة ، وهو أمر تسمح به نصوص ميثاق الأمم المتحدة تحاشيا لوقوع إخلال جسيم بالأمن و السلم الدوليين ، وأن تنبه إلى إمكانية أن تتخذ قرارا بإنهاء العمل بمعاهدة السلام الموقعة مع الكيان وليس التحذير من الإضرار بها أو تعليقها ، وأن تشير أيضا إلى العواقب الإنسانية الوخيمة الكارثية على المستوى الإنساني لهذا العمل ، وإلى أن العملية المرتقبة ليس لها ما يبررها ؛ لأن أهدافها المتصلة بالجانب المصري متحققة على الأرض بالفعل ، وإلى أنها ستؤدي الى توتر إقليمي عام ، وأن تنفي أمام هذا المحفل ما يروجه الإعلام الدعائي الصهيوني المغرض كذبا عن أنها أي مصر على علم بتفاصيل العملية التي يلوح بها الكيان و ترتيباتها . 

وخلال اليومين الماضيين ؛ استدعى الإعلام المصري تصريحات كان الرئيس أدلى بها في نهاية أكتوبر الماضي ، وكرر إذاعتها كثيرا ! وكان الأبرز فيها أن " مصر دولة قوية جدا لا تمس ، وأن احترام سيادتها ( أمر ملزم للجميع ) ، وأن الدولة قادرة على حماية مصر تماما " . فكأن المقصود بذلك في الظاهر هو استخدام مادة أرشيفية في المعالجة الإعلامية للاحتفال بعيد تحرير سيناء ، في حين أن الاستدعاء مثلما أفهمه يناسب على نحو مثالي ملابسات الموقف الراهن ؛ كون التصريحات تعادل في قوتها و مغزاها ما كان يتعين على الرئيس أن يرسل به في هذه اللحظات إلى الكافة من رسائل واضحة لا لبس فيها ؛ مع اتجاه الكيان المأزوم إلى عملية عسكرية في رفح . 

وكان لافتا أيضا أن يكون هذا الاستدعاء عشية إيفاد وفد أمني مصري إلى تل أبيب حاملا صيغة لحل ديبلوماسي – لا يستطيع رئيس حكومة الكيان التهرب من البت فيها بصورة فورية قطعية –  لمنع تنفيذ هذه هذه العملية ، وتجنب تداعياتها الخطيرة التي تعامى عن رؤيتها في إطار استراتيجيته المفضوحة لكسب الوقت التي قادته أخيرا إلى رمي البطاطس الساخنة باتجاه مصر ؛ لتعيدها بدورها من الفور إلى وجهه القبيح !!   

تستطيع مصر أن تفعل أشياء كثيرة حاسمة للدفاع عن أمنها القومي ؛ وفي صلبه حماية قطاع غزة وأهله إلا أن تمتنع عن اتخاذ إجراءات فورية صارمة لمنع هذه العملية ، وتحت قاعدة أن تفادي الدخول في مواجهة عسكرية مع تل أبيب على خلفية ما يجري من أحداث ؛ هو قرين منعها من تهيئة الظروف الدافعة لتهجير / ترحيل الفلسطينيين ؛ بمعنى فعل كل ما يلزم لتثبيت  الفلسطينيين على الأرض ؛ خاصة أن دعم صمودهم الذي لا تراهن القيادة المصرية عليه إلى ما لا نهاية ؛ يجعل الصدام العسكري بين القاهرة و تل أبيب المؤكد حال تحرك الفلسطينيين مهجرين عبر الحدود ؛ أمرا مستبعدا مع بقائهم على الأرض ، وعلى قيد الحياة !
-------------------------------
بقلم : عبدالمجيد إبراهيم 
[email protected] 

مقالات اخرى للكاتب

في مناسبة عيد الإعلاميين : النخبة و الميديا ... البيروقراطية و الحوار وقضية المتقاعدين في ماسبيرو





اعلان