19 - 06 - 2024

الشاعرة عبير العيسوي: تأثرتُ بمحمود درويش وكثيرا ما تورطت بمشاكسته مقصدا وقصيدة

الشاعرة عبير العيسوي: تأثرتُ بمحمود درويش وكثيرا ما تورطت بمشاكسته مقصدا وقصيدة

بعد أن كرَّمتْها العديد من الأندية الأدبية والثقافية والمعارض الفنية
عبير العيسوي: نحتاج إلى إعلام يسلط الضوء على قوتنا الناعمة
- الكتابة الأدبية فعل تراكمي لا غنى له عن المواكبة النقدية الأكاديمية

أرى أن الإبداع بصفة عامة والكتابة تحديدا فعل تراكمي وهو محصلة لمناوشات فكرية ووجدانية عميقة يمارسها الكاتب على مدار حياته وهو طيلة الوقت يدور في فلك تساؤلاته. الشاعرة عبير العيسوي؛ هي كما يرى بعض النقاد "كاتبة النصوص النثرية"، والتي قدمت خمسة عناوين شعرية تغوص من خلالها في بحور العطش بحثا عن يقين لا يأتي إلا من خلال الفن والأدب والقراءة، بالإضافة لمعينها الذي لا ينضب فيما يخص تلك المرارات المعيشية/ الواقعية، وهي دافعها الأول للكتابة واختيارها لمسار الشعر تحديدا، حيث تمتزج تلك الرؤى والعتبات. جدها هو المفكر الإسلامي الراحل حامد بدر دفعها نحو الأدب، وخاصة الشعر، الفصيح والعامي. 

عبير العيسوي، عضو نقابة اتحاد كتاب مصر، عضو نادي أدب قصر ثقافة مصر الجديدة، صدر لها عن دار "يسطرون": "لأن حجرتي مازالت دافئة"، و"هذا الفرح جاءني بالخطأ"، و"أثـواب لن ارتديها لك"، و"أحزان منتصف العمر". وناقش أعمالها العديد من النقاد والأدباء والإعلاميين، منهم الإعلامي والشاعر والناقد أحمد إسماعيل، الشاعر عبدالله الشوربجي، الشاعروالناقد سمير عبدالمطلب، الشاعر والناقد برهان غنيم. شاركت في ندوة "لقاء مع الشاعرات" بقاعة سهيرالقلماوي بمعرض الكتاب في دورته الخامسة والخمسين، وفي ندوة "الأدب النسائي العربي" بدار الأوبرا المصرية، ومؤتمر اليوم الواحد لفرع ثقافة القاهرة، وسجلت اشعارها لقناة النيل والبرنامج الثقافي، وإذاعة صوت العرب، ونشرت في الكثير من الدوريات المصرية والعربية.

"المشهد" التقت الشاعرة عبير العيسوي وأجرت معها الحوار التالي:

*ماهو جديدك بعد معرض القاهرة للكتاب؟

- بعد إصدار ديواني الخامس "ملح البحر" في يناير 2023، لي تحت الطبع ديوان "أنسجة حيَّة" وديوان "طعم الهوا والنور" بالعامية، وأستعد للمشاركة في بعض الأمسيات الثقافية الرمضانية في القاهرة وخارجها، لعل أولها سيكون في الإسكندرية ليقدمني الشاعر والناقد د. محمد السيد إسماعيل، وسألقي قصائد لي، مصحوبة بإطلالة نقدية على البعض منها. كما أعكف على اتمام ديوان آخر بعنوان "دونما تحريف" وسيصدر عن اتحاد كتاب مصر. 

*ماهي رؤيتك للدورة الأخيرة لمعرض القاهرة وخاصة وقد تم الاحتفاء بأعمالك على أكثر من مستوى؟

- في النسخة الخامسة والخمسين من معرض القاهرة الدولي للكتاب كان للشعر مساهمة كبيرة ومتميزة من خلال مشاركة أكثر من 200 شاعر من مصر والوطن العربي والعالم. كما استحدثت هذه الدورة مؤتمر اليوم الواحد، وكان من بينها مؤتمر عن الشاعرة العراقية الرائدة نازك الملائكة، كما جرت مناقشات لكبار الشعراء في قاعة الشعر وقاعة ديوان الشعر وكان هناك اهتمام خاص بإصدار الهيئة العامة للكتاب الجديد سلسلة "ديوان الشعر المصري" بإشراف من الشاعر الكبير أحمد الشهاوي والذي بدوره استضاف عددا من الشعراء والنقاد والمترجمين العرب والأجانب ضمن فعاليات المعرض. وفيما يخص قصيدة النثر تحديدا فمن دواعي الفخر والتوثيق أن يتم الإحتفاء بها بإختيار ديوان "كانت هنا موسيقى" للشاعر الكبير جمال القصاص كأفضل ديوان شعر فصحى بالمعرض لهذا العام.  

* بالنسبة إلى مفهومي الجدوى والخلاص، هل ينتهي دور الكاتب/ الشاعربعد الانتهاء من كتابة نصه/ عمله؟

- أرى ان الإبداع بصفة عامة والكتابة تحديدا فعل تراكمي وهو محصلة لمناوشات فكرية ووجدانية عميقة يمارسها الكاتب على مدار حياته وهو طيلة الوقت يدور في فلك تساؤلاته ومراجعاته، ومن هنا يكون الخلاص مؤقتا وقد يتحقق بانتهاء النص أو يستتبع في نصوص وأشكال أدبية وإبداعية لاحقة، ولربما يٌفني عمره دون أن يحققه. أما الجدوى باستعارتها كمصطلح من محيطها الاقتصادي بالأساس وبتطبيقها على المنتج الإبداعي والكتابة تحديدا، فلكل كاتب رؤيته من جدوى ممارسته للكتابة وفلسفته اللصيقة به لا بغيره. فإن لم يكن للكتابة جدوى سوى خلاص الكاتب من وخز الأسئلة وبث رعشته فيما حوله من كون وكائنات بإنتظام عشوائي وترقب لا محسوب ولامحسوم نتاجه حتى يشاء الله، فإنها جدوى تستحق مايتكبده من عناء.

 *عن علاقتك بما يخص المثال أو الرمز والدافع لكتابة الشعر، هل هناك رمز ما؛ شعري، عربي أو مصري أو عالمي، كان له دور في اختيارك للمسار الشعري؟

-اتخذتُ الشعر ملاذا للنفس، ومن خلال بث ما يعتري نفسي وذاتي. تأثرت بأسماء بعينها، وعسانا قطرة في بحر مدادهم. تأسيا بنهج أقلام ماسية كالزمخشري في "أطباق الذهب" والبحتري في "أطواق الذهب"، كتب أحمد شوقي "أسواق الذهب" ليلحق بركبهما، ويذيل طرف عقديهما الماسيين جدي لأمي رحمة الله عليه الأديب حامد بدر في رائعته "آفاق الذهب: خواطر على هامش الأدب"، وديوان بعنوان "العنفوان" والعديد من المخطوطات لكتب في الأدب والفكر الإسلامي. حظيتُ بالتربية في كنفه وتتلمذتُ على يديه ونهلتُ من مكتبته وعلمه المتمثل بشخصه قولا وفعلا، فكان مثالا في طفولتي، وهو الذي وجّهني وحرّك بوصلتي الروحية بشكل مختلف، مع الاعتداد بذاتي وإدراك أن لكل منا ميزته التنافسية التي يجب أن يدركها بفطرته السليمة وعليه ألا يهدرها في زحام الحياة، وان كنت "درويشية" الهوى (نسبة إلى محمود درويش) وكثيرا ما وجدتني متورطة بمشاكسته مقصدا وقصيدة. 

*عن الحروب بالإنابة وعبر الهوية والهويات والديانات والقوميات، كيف ترين مستقبل الفن والأدب؟

- الحرب هي الحرب؛ سواء بالإنابة عن الغير، أو بالأصالة عن الذات. الحرب طقس يهدر المنتج البشري بل هو يهدر كل بشري بالأساس، نتصارع من أجل الغلبة لهوية أو ديانة أو عرق وتأخذنا الحمية والتعصب لننتصر لجنس بعينه وهذا مالا يحقق تقدما انسانيا نموذجيا في اي من المجالات، وبخاصة فإن كل إبداع بحاجة أجواء من السلام النفسي واستقرار مجتمعي وتعاون مشترك بين كل صنوف البشر بل وبين البشرية وكونها وفضاءها المحيط
ولكننا نعيش في عالم تتخطفه الصراعات وهذا ما يفرز أدبا ملتهبا بنزعة حماسية تارة وانهزامية تارة ويجعل الشاعر مكبلا بهموم قومه في اغلب الوقت، فلا مفر من كون الشعر والآداب والفنون في مجملها تعكس البعد الحضاري للشعوب والموروث الثقافي والنفسي وعليه فالشاعر جزء لايتجزأ من واقعه وعليه تجري الرياح بما تشتهي ومالا تشتهي السفن. 

*عن الخارطة الثقافية ووجودك الشعري، لما لا نراك في الندوات والوسط الثقافي، وهل أنت مؤمنة بالشللية والجيتوهات الثقافية؟

- فيما يخص الجيتوهات أوالشللية في الوسط الثقافي وتأثيرها على الحركة الإبداعية، أحيلكم للشاعر العراقي علي جعفر العلاق الذي حل مؤخرا ضيفا على تظاهرة الكتابة الأكبر في وطننا العربي ألا وهي معرض القاهرة الدولي للكتاب في دورته الخامسة والخمسين، إذ يقول: أكبر آفة قد تواجه الشاعر هي "الشللية" والتي تؤدي الي نفي شاعر وإعلاء قيمة شاعر آخر حتى لو كان أقل شأنا. 

*وماذا عن علاقتك بالمشهد النقدي الشعري العربي والمصري انطلاقا من تعامله مع نصوصك؟

- لقد حظيت بإطلالات نقدية على بعض نصوصي ودواويني الشعرية من أساتذة أكاديميين متخصصين في النقد ومنهم حسام عقل، ورمضان الحضري ومحمد محمد عليوة، ومن الكتاب والشعراء محمد البنا وأحمد طنطاوي وسمير عبد المطلب، وعبد الله الشوربجي، وزين المعبدي، ومحمد العوينات، ومن خارج مصر الشاعرة السورية كنانة عيسى، والكاتبة الفلسطينية ميسر عليوة. كما حظيت بترجمة بعض نصوصي في مصر وخارجها للإنجليزية والبلغارية من جانب كل من تغريد بومرعي، وعماد الشرقاوي، وحاليا هناك مشروع لترجمة مجموعة من نصوصي للفرنسية. وأرى أن المشهد الثقافي في مصر بحاجة إلى ظهير إعلامي داعم، فما جدوى العديد من الأمسيات والحفلات الشعرية التي حضرتها وتفاعلت فيها بالالقاء والنقد في صالونات أدبية تابعة لوزارة الثقافة وفي حفلات تابعة لدار الأوبرا المصرية وصالونها الثقافي واعتليته باعتباره أهم المسارح الثقافية في مصر.. ما الجدوى وكل هذا لا يتابع إعلاميا ولا يوثق بشكل لائق ولا يتصدر المشهد الثقافي إلا الفتات منه، وهناك من الجهد المبذول الكثير المهدر دونما إعلام يعي دورنا كقوة ناعمة وريادة مستحقة لمصر في وطننا العربي. لقد كُرِمتِ في العديد من الأندية الأدبية والثقافية والمعارض الفنية وكرمت بصدور قصائدي ضمن مجموعاتهم الشعرية كمهرجان (شمس القصيدة) برعاية ملتقى السرد العربي ودار "يسطرون"، وأرى أن قصيدة النثر استطاعت أن تفرض وجودها في المهرجانات الشعرية والأدبية وتجد إرهاصات لتعاطٍ نقدي جيد، ومازلنا بحاجة لحركة نقدية أكاديمية تفرز وتقيم ما تعج به الساحة وتقدم دراساتها لمستجدات الإبداع ولا تنغلق على كلاسيكياته.
--------------------------
حوار - حسين عبد الرحيم






اعلان