26 - 04 - 2024

أحمد سيف الإسلام.. صوتُ الإنسانية الهادر يرحل في هدوء

أحمد سيف الإسلام.. صوتُ الإنسانية الهادر يرحل في هدوء

العدالة تبكي فارسها النبيل..

"كرامةُ الإنسان".. آخر وصاياه في فراش الموت

حائط صد الثوار والمظلومين.. وثلاثون عامًا من النضال

"أنا أحمد سيف الإسلام حمد، بتاع اليسار مش الإسلاميين، محامي بمركز هشام مبارك للقانون، عجوز الناس بتعرفني بجد خالد، وأبوسناء، منى، علاء، وجوز ليلى سويف"، هكذا كان يعرف نفسه دائما، إنه الناشط الحقوقى أحمد سيف الإسلام، الذى اشتهر بأنه محامي المقهورين والمعذبين، ومن القلائل الذين أوقفوا جهدهم ووقتهم بين ساحات المحاكم للترافع عن أصحاب الرأي والمظلومين، لأنه ببساطة ذاق مرارة السجون وتعذيبها وبالأخص عقب اعتقال نجله الناشط السياسي علاء عبدالفتاح، ونجلته سناء.

ببساطة كانت كلماته، تنزل على المقهورين، بردًا وسلام، لأانه كان يشعر بكل مهموم ومظلوم حتى لو شعر أنه مدان كان يقف بجواره حتي يعيده كما لصوابه.

سيف الإسلام، توفى الأربعاء الماضى، بعد صراع مع المرض داخل غرفة العناية المركزة بقصر العينى.

"خدوا بالكوا تبرير إهدار كرامة الإنسان شديدة الاتساع، لن نسمح في أي وقت من الأوقات أن نبرر حتى لأنفسنا إهدار كرامة الإنسان"، كلمات نطق بها الراحل أحمد سيف الإسلام، لتكون وصية لجميع الحقوقيين، وكل المجتمع المصري قبل رحيله عن عالمنا، عصر الأربعاء.

ظل سيف الإسلام يدافع عن حق الإنسان في الحياة الكريمة دون إهانة أو ذل، إضافة لمنع إهدار كرامة أي سجين، حتى لو كان مذنبًا.

لم يستسلمسيف لأى هزيمة وأي قمع أو سلطة "مستبدة" على مدار العهود السابقة، تحمّل الاعتقال في عهدي السادات ومبارك، ثم خرج ليحمل على عاتقه قضية الدفاع عن الإنسان، والوقوف ضد المقهورين والمظلومين.

ثورجى أصيل

أحمد سيف، أب لأسرة مكونة من زوجة وولد وابنتان، كانت من بين أول المشاركين في ثورة 25 يناير، حيث وقفوا ضد حكم الرئيس الأسبق، محمد حسني مبارك، ومن بعده الرئيس المعزول، محمد مرسي، وكرر الأمر نفسه مع المجلس العسكري، الذي قاده المشير محمد حسين طنطاوي.

وتعرض أفراد أسرة سيف الإسلام للسجن والاعتقال لمرات في عهد مبارك ومرسي والرئيس السابق، عدلي منصور، والرئيس عبدالفتاح السيسي، كما أنها تجاهد في الدفاع عن معتقلي الرأي.

استمر سيف الإسلام، ابن الـ63 عامًا، خلال السنوات الثلاث التي أعقبت ثورة 25 يناير في التصدى لانتهاكات حقوق الإنسان، وقدم استقالته من المجلس القومي لحقوق الإنسان في 2012 عقب إصدار الرئيس المعزول محمد مرسى الإعلان الدستوري في نوفمبر 2012.

نضاله العلمى

تخرج سيف الإسلام، في كلية الاقتصاد والعلوم السياسية بجامعة القاهرة 1977، وحصل على ليسانس الحقوق من جامعة القاهرة، 1989، أثناء قضائه لفترة الاعتقال لـ5 سنوات في قضية رأي، كما حصل على دبلوم العلوم الجنائية من نفس الجامعة.

شارك في تأسيس مركز هشام مبارك للقانون في 1999، وتولى إدارته منذ إنشائه، وأحد مؤسسي تجمع المحامين الديمقراطيين، وهو من مواليد حوش عيسى بالبحيرة، كما شارك في قيادة الحركة الطلابية في السبعينيات، واعتقل4 مرات، 2 في عهد الرئيس الراحل، محمد أنور السادات، والثالثة والرابعة في عهد مبارك.

اعتقاله

أكثر من 30 عامًا قضاها بين سجون الاعتقال، وتنكيل الأنظمة، ولم يهزمه سجن أو سجّان، استغل فترات سجنه ليدرس، حتى حصل على ليسانس حقوق، إلى جانب شهادته من كلية الاقتصاد والعلوم السياسية.

كان أول اعتقال له لمدة يومين 1972، على إثر مظاهرات الطلبة من أجل تحرير سيناء، وكان آخرها أيضًا ليومين، سنة 2011، وبينهما كان اعتقاله سنة 1973، بعد مشاركته في الاحتجاجات على خطاب السادات وتأخره في اتخاذ قرار بالحرب مع إسرائيل، وأفرج عنه مع زملائه قبل تحرير سيناء بأيام، بعد أن قضى 8 أشهر في السجن يقر أحمد سيف أنه لم يتعرض خلالها لضرب أو تعذيب.

وكانت أطول فترات اعتقاله، عام 1983، حيث قضى 5 سنوات في سجن القلعة، الذي يصفه سيف بأنه كان أبشع بكثير من سجن طرة في التعذيب، بتهمة الانتماء إلى تنظيم يساري، وتعرض أثناء هذه الفترة للضرب والتعذيب بالكهرباء والعصي وكسرت قدمه وذراعه، وتقدم وقتها ببلاغ للتحقيق في تلك الواقعة ولكن لم يحقق أحد فيه، وولدت ابنته منى أثناء وجوده في السجن.

قال ذات يوم: كانت أمامي فرصة للهروب إلى لندن ـ حيث كانت زوجتي الدكتورة ليلى سويف وابني علاء ـ ولكنني تراجعت، على الرغم من أن الأمن نفسه كان سيساعدني على الهرب للتخلص مني كناشط نهائيًا.. هكذا يشرح سيف، تجربة أطول اعتقال، مضيفًا: رغم ذلك اتفقت مع زوجتي أن أسلم نفسي رغم كل هذه الظروف ورغم أنها كانت حاملا في ابنتي الثانية منى، اخترت أن أقضي في السجن 5 سنوات في بلدي أفضل من أن أهرب خارج مصر وأظل محروما من بلدي 15 سنة على الأقل، وسلمت نفسي وقضيت المدة واستغليت تلك السنوات في الدراسة وحصلت على ليسانس حقوق، وأنا في الأصل معي بكالوريوس اقتصاد وعلوم سياسية، وولدت ابنتي منى وأنا في السجن مثلما حدث مع علاء ابني الذي ولد ابنه خالد وهو أيضًا في السجن كأن التاريخ يعيد نفسه.

ويبدو أن هذه التجربة دفعته إلى الدفاع عن حقوق الإنسان، وكان أحد المحامين المدافعين عن الـ13 المتهمين بتفجيرات طابا سنة 2004 المنتمين لكتائب عبدالله عزام، والصادر ضدهم أحكام بإعدام 3 منهم والسجن المؤبد لآخرين، كما كان عضوًا في فريق المحامين، الذي دافع سنة 2008 عن 49 شخصاً حوكموا أمام محكمة أمن الدولة العليا طوارئ في طنطا، بتهمة الاشتراك في الاحتجاجات الشعبية، التي خرجت في 6 أبريل 2008 تضامناً مع التحرك العمالي في مدينة المحلة، الذي نظمّه عمال النسيج وشابته أعمال عنف.

اعتقال نجله

لم يعلم أحمد سيف أنه سيستقبل حفيده خالد أثناء حبس نجله علاء، في ديسمبر 2011، لاتهامه بسرقة مدرعة على خلفية أحداث ماسبيرو، ليتشابه الحدث مع ولادة عمته منى، التي خرجت للدنيا وأبيها سيف الإسلام في سجون مبارك.

ولم تغب مشاعر الأبوة عنه، وحزنه على اعتقال نجله في عهد مرسي، قائلًا: أنا آسف إنى ورثتك الزنازين اللى أنا دخلته، لم أنجح في توريثك مجتمعا، يحافظ على كرامة الإنسان، وأتمنى أن تورث خالد حفيدي مجتمعا أفضل مما ورثتك إياه، وكانت رسالة وجهها لنجله في أحد المؤتمرات الصحفية بعد القبض عليه في نوفمبر 2013.

وفى  كل هذه الظروف الذى أحاطت به، ظل الأب واقف صلبًا يتحمل ويتحمّل الظروف التي تواجه من حبس لابنه علاء، وابنته الصغرى سناء، ويدافع عن حقوق المعتقلين، ويقف ضد أي ظلم يواجه من شاركوا في الثورة، ليسقط الشهر الماضى مريضًا في مستشفى المنيل الجامعي، ولتخرج ابنته منى سيف، مساء الجمعة 15 أغسطس الماضى، معلنة: امبارح الظهر بابا تعب وقلبه توقف لمدة دقايق عملوله إنعاش وقلبه رجع اشتغل لكن من ساعتها بابا فاقد الوعي، وعلاء وسناء شافوه.

جنازة بروح ثورة 25 يناير

وفى جنازة مهيبة، حضرت فيها روح ثورة 25 يناير، رغم أن شبابها معظمهم خلف القضبان، خرج جثمان الراحل سيف الإسلام، من مسجد صلاح الدين بالمنيل، إلى مثواه الأخير، ورغم غياب ولداه، علاء وسناء، المعتقلان، عن الجنازة إلا أنه أنهما لحقا به إلى مقابر السيدة عائشة، لوداع والدهما الملقب بـ"سيف الإنسانية".

وفيما عبرت زوجته، ليلى سويف ، العضو في حركة استقلال الجامعات، عن صدمتها لرحيل زوجها، وقفت ابنته منى، مؤسسة حركة لا للمحاكمات العسكرية للمدنيين، وقفت تائهة وحزينة في الزحام، تستقبل التعازي وبجوارها زوجة علاء عبد الفتاح.

رحل المنضال عن عالمنا، ولكن بقيت أخر كلماته في ذاكره الجميع، والتي تعتبر كوصية لأسرته، والتي قال فيها بقوله: "ممكن نبقى أضعف من أننا نواجه موجة القمع، لكن لن نسمح أن يستخدم أسمنا في تبرير موجة القمع ولنطلق على ذلك أضعف الإيمان، إذا لم استطع أن أواجه القمع المباشر لن أسمح لأحد أن يستخدم اسمي في تبرير هذا القمع، أوعوا تسمحوا لحد يجرفكوا من إنسانيتكم".

الجارديان تشارك لحظات الرحيل

صحيفة الجارديان البريطانية سلطت الضوء على وفاة سيف الإسلام.

وأشارت الصحيفة إلى أن مسيرة سيف الإسلام فى مجال حقوق الإنسان امتدت على أربعة عقود، حيث عمل سيف الإسلام على العديد من أهم القضايا المتعلقة بحقوق الإنسان فى البلاد.

ونوهت إلى أن المحامى الحقوقى الرائد كان خصما لا يعرف التعب أمام الديكتاتور السابق حسنى مبارك، وقد دافع عن كريم عامر، أول مدون مصرى يحاكم على كتاباته على الإنترنت، كما حارب من أجل عشرات المتظاهرين الذين اعتقلوا خلال الإضرابات العمالية فى مصر فى 2008 والتى غرست بذور ثورة 2011 التى أطاحت بمبارك.

ولفتت إلى أن سيف الاسلام تولى الدفاع عن مئات من المعارضين والإسلاميين أمام القضاء المصرى وكان من آخرهم ابنه الناشط الحقوقى علاء عبد الفتاح والذى يقضى عقوبة بالسجن 15 عاما لإدانته بانتهاك قانون تنظيم التظاهر المثير للجدل.

ورأت أن سيف الإسلام طالما عرف بنشاطه السياسى واعتقل أربع مرات اثنتان منهما فى عهد الرئيس الراحل أنور السادات والرئيس السابق حسنى مبارك، كانت أطولها عام 1983 حيث قضى فى السجن مدة خمس سنوات.

لاتوف ومشاهير الفيس وتويتر ينعون بطريقتهم

لم يقف النعى عند السياسين والنشطاء، فى الوسط الحقوقى فقط، بل تطرق إلى رسام الكاريكاتير البرازيلي كارلوس لاتوف، حيث نعى لاتوف، الناشط الحقوقي بريشته، كاريكاتير يظهر "سيف الإسلام" وهو يقبض على يد أحد جنود الشرطة الذي كان يمسك "عصا غليظة"، في إشارة إلى نضال أحمد سيف الإسلام ودفاعه عن المتظاهرين وأصحاب الرأي ضد القمع.

كما أن الحزن خيم على صفحات مشاهير فيس بوك وتويتر، سواء من تلاميذه، الذين تعلموا على يديه روح مهنة المحاماة أو من زملاء دراسته وحياته، وحتى من أشخاص لم تربطهم به صلة، ولكنهم عرفوه بمواقفه الثابتة ووقوفه أمام الظلم، من أبرزهم، مصطفي النجار، وعبد المنعم أبو الفتوح، وبثينة كامل، ومعتز مطر، وكذلك نبيل الحلفاوى، والمئات من نشطاء ثورة 25 يناير الذين كانوا أصدقاء ومقربين للراحل سيف الإسلام.

رحل أحمد سيف، أبو المظلومين والمعتقلين، صاحب النضال المستمر حتى لو عكس عقارب الساعة، لا يملك من يعرفه إلا احترامه، حتى لو كانت تخالفه، منذ بدايه عمله كحقوقى فى قضية نصر أبو زيد عام 1993، ثم متطوعا فى قضية إضراب كفر الدوار منذ عام 1994 وحتى 1999.

##






اعلان