16 - 06 - 2024

عاجل ثانٍ إلى سيادة الرئيس : فَلْتَحيا مصرُ عزيزةً أبيَّة !!

عاجل ثانٍ إلى سيادة الرئيس : فَلْتَحيا مصرُ عزيزةً أبيَّة !!

لم تكن مقولة الرئيس السادات الأشهر (حرب أكتوبر هي آخر الحروب) أكثر من تصريح ضمن منظومة تطمينية داعمة ومسهلة للتفاوض مع الكيان الصهيوني ؛ للتمهيد لإبرام معاهدة السلام المصرية الإسرائيلية . وهي مقولة – مثلما يفهم الساسة و العسكريون – تتناقض تماما مع قواعد الاستراتيجية الراسخة ؛ فالدول تبقى دائما معرضة للاعتداء من جانب الأعداء الدائمين أو المحتملين.

و من المفهوم – بالطبع – للعاملين في مجال الأمن القومي في أية دولة ؛ أن التهديد المتمثل من جانب دولة أخرى بدفع أعداد هائلة من الناس عبر الحدود إلى أراضيها قسرا ؛ و بدون موافقتها ؛ هو إخلال فجّ بأمنها القومي ، واعتداء سافر لا يمكن التغاضي عنه ، ويستوجب استخدام الوسائل العسكرية ؛ ما لم تنجح الوسائل الأخرى في منعه و تطويقه . 

فإذن ؛ لا يمكن استبعاد احتمال نشوب حرب بين مصر وإسرائيل ؛ على خلفية ما يجري في قطاع غزة . والأبعد من ذلك ؛ أنه لا يمكن استبعاد وقوع حرب كتلك في أي وقت من الأوقات ، وبصفة دائمة ، وتحت أي ظرف ، مع الانتباه إلى القاعدة التي تقول إن مسائل الأمن القومي لا يجوز أن تتباين فيها مصلحة الدولة ومواطنيها ، ومع الاعتراف بأن الحروب تفرض على الدول الطبيعية الرشيدة ، ولا يمكن أن تكون مطلبا لها ، وبأن ما يدعو الدول إلى المبادرة بالحرب بدون دواعٍ تستند إلى مفهوم الحرب العادلة ؛ هو تبنيها لعقيدة إمبريالية تشكلها أطماع معينة ، ورؤى مبنية على أفكار العنصرية و التفوق و التفرد . 

ولكل ما تقدم ؛ فإن السؤال المتداول في بعض الأوساط عن كيفية الرد على عدوان قد تقدم عليه دولة الكيان الصهيوني تجاه الأراضي المصرية ؛ بهدف انتهاك سيادتها و الاقتطاع منها – و لو كان لتوطين مئات الآلاف من الأشقاء الفلسطينيين – هو سؤال وقح ومستهجن أحمق ويتسم بالغباء و الرعونة ، ويرقى إلى مستوى الخيانة و انعدام الشرف ! 

و حتى نكون واضحين تماما ؛ فإن تلفيقات وسائل الإعلام التي تتحدث عن أن اجتماعا للمجلس العسكري في مصر – لم يعلن عنه رسميا – تداول الموقف الراهن على الحدود المصرية مع قطاع غزة – قد عكس انقساما حادا حول طبيعة الوسائل التي يتعين استخدامها للرد على التهديدات الكامنة في هذا الموقف ؛ هي تلفيقات تهدم نفسها بنفسها ؛ من حيث تقرر أن رد العدوان أو الاعتداء يمكن أن يجري بأسلحة سياسية ! ومن حيث تتعامى عن حقيقة أن مصر لا تقبل – و لم تكن لتقبل في أي وقت من الأوقات – رسائل تهديد من الكيان الصهيوني أو من غيره ، و أنها كانت مستعدة دائما لبذل التضحيات الواجبة للدفاع عن مبادئها و كرامتها الوطنية و أمنها القومي ، ومن حيث تفترض أن المصريين سيقبلون بمبررات – يدّعون أن القيادة المصرية ستلجأ إليها ؛ بعد إتمام عملية ترحيل للأشقاء الفلسطينيين إلى سيناء – مبنية على دعاوى قومية وإنسانية و غيرها ! 

و المؤكد قطعيا أن مصر االعزيزة الأبيّة لا تشتري المساس بقيم الشرف و الهيبة ، وبمحددات السيادة الوطنية والأمن القومي ؛ بالإحجام عن الخوض في حرب عادلة قد تقتضيها الدواعي ؛ عبر تصريحات مجازية أو أفعال شكلية . وهذا ما يتعين أن يفهمه الجميع !! فكيف بمصر أن تتورط – مثلما تدعي الجوقة التي يشغلها سفاح الأطفال والنساء – في التنسيق مع عدو يهددها باعتداء ينتهك حرمة أراضيها ، و ينهي الوجود الفلسطيني على بقعة من الأرض الفلسطينية التي يحتلها ، و التي لها أهمية حاسمة في معادلة الأمن القومي المصري ؟! 

في العاجل الأول إلى سيادة الرئيس قبل عدة أيام (8 فبراير) ؛ قلنا : " إن الأوضاع  الراهنة  وملابساتها الحالّة تستوجب من مصر الدعوة إلى اجتماع مصغر عاجل على مستوى القادة ؛ يضم الدول العربية الفاعلة والمعنية مباشرة بمخططات ترحيل أبناء شعبنا الفلسطيني ؛ لإعلان موقف ضاغط بأقصى قدر ممكن من القوة على الكيان الصهيوني ؛ بتقدير أن هذا الموقف –  دون غيره – سيكون قادرا على تحريك الضغوط الأخرى الواقعة على المؤسسة الفاشية الحاكمة في الكيان الصهيوني ؛ باتجاه التأثير والفاعلية ؛ وبحساب أن هذه الضغوط  تبقى بدونه عاجزة عن وضع هذه المؤسسة في الاتجاه المطلوب ، وأنه سيكون بمقدوره تعزيز قدرة المقاومة على الوصول إلى اتفاق لوقف إطلاق النار ؛ يضمن حماية أبناء شعبنا الفلسطيني ، وحقه الثابت المشروع في تقرير مصيره ... "

بعد نشر العاجل الأول بساعات ، و بدون إعلان مسبق ؛ تواردت الأنباء عن انعقاد اجتماع تشاوري (9 فبراير)  لوزراء الخارجية لخمس دول عربية ؛ بحضور أمين سر اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية ، أعقبه بيان للخارجية السعودية ( 10 فبراير ) حذرت فيه من تداعيات بالغة الخطورة لاقتحام رفح ، وأكدت رفضها القاطع لمخطط الترحيل الصهيوني للفلسطينيين . و بينما أتابع التطورات لحظيا ؛ نقلت تصريحات فارقة للرئيس الأميركي ؛ نفض من خلالها يده من عملية عسكرية لجيش الاحتلال في رفح ، وقال إن رد  الكيان الصهيوني على عملية السابع من أكتوبر هو رد غير متناسب (بمعنى أننا بصدد حرب غير عادلة ضد الشعب الفلسطيني) ؛ ثم جاء الإعلان الصهيوني عن أن بنيامين نيتانياهو قد أوعز لجيشه الجبان بإعداد خطط لما سمّاه إجلاء الفلسطينيين من رفح ، و تفكيك كتائب المقاومة فيها

كل هذه التطورات أعطت الاقتراح الذي قدمناه تحت عنوان عاجل إلى سيادة الرئيس ؛ مزيدا من الوجاهة ، وأوجدت قدرا من التوقعات المتفائلة لديّ – على الأقل – باحتمال أن يكون اجتماع وزراء الخارجية كان بمثابة التمهيد والتحضير لاجتماع على مستوى القادة ؛ ينعقد لاحقا عند اللحظة التي تستدعيها وتستوجبها التطورات الجارية بسرعة شديدة ؛ خاصة مع ترقب الاجتماع المخطط له في القاهرة بين الرئيس السيسي ونظيره التركي الذي يتعين أن توازيه إشارات إيرانية إلى استعدادها – أو حتى رغبتها – في بلورة وإسناد الموقف العربي الضاغط الذي ندعو إليه . 

***

الآن أعتقد أن انتهاء الاجتماعات التي سيحضرها مدير المخابرات المركزية الأمريكية في القاهرة يمكن أن تمثل في كل الأحوال التوقيت المناسب لعقد مثل هذا اللقاء ، وأعتقد أيضا أن المغامرة التحليلية بوصف طبيعة الموقف العربي الضاغط المطلوب باتت متاحة ، مع انكشاف بعض المعلومات التي كانت تمنعنا من ذلك. وهذا الوصف يمكن اختصاره في نقاط محددة على النحو التالي : 

أولا – إلغاء أو تعليق أو تجميد أو وقف العمل بالاتفاقيات الموقعة من جانب عدد من الدول العربية مع الكيان الصهيوني ، وهي معاهدة السلام المصرية الإسرائيلية 1979 واتفاقية وادي عربة 1994 والاتفاقات الإبراهيمية 2020 ، وإعادة تأكيد و تطوير الموقف السعودي الذي يربط بين إنشاء علاقات مع هذا الكيان وإقامة الدولة الفلسطينية المستقلة على حدود الرابع من يونيو 67 و عاصمتها القدس.  

ثانيا – إعادة تأكيد جماعية للمواقف المعلنة من الدول العربية فرادى الرافضة والمحذرة من عملية ترحيل قسري للفلسطينيين ، وعلى أنها لن تكون مقبولة ، وسيتم منعها – و ليس مواجهتها – بإجراءات جوابية سياسية وحتى عسكرية ؛ تحت مظلة جامعة الدول العربية ؛ مع تأييد القادة لاتخاذ مصر والأردن أية إجراءات عسكرية احترازية تراها الدولتان؛ باعتبار أنها مطلوبة و مشروعة في مواجهة تهديدات الكيان المحتل بترحيل الفلسطينيين.  

ثالثا – الإعلان عن تحرك فوري جماعي باتجاه مجلس الأمن ؛ لإعادة المطالبة بإصدار قرار ملزم بالوقف الفوري لإطلاق النار في قطاع غزة ، ومنع ترحيل الفلسطينيين ، وتجريمه ، والتحذير منه ؛ مع افتراض أن يحظى هذه المرة بقبول أميركي ، وأن تحجم واشنطن عن استخدام حق الاعتراض لمنع صدوره.  

رابعا – إيقاف أية تعاملات أو تبادلات تجارية أو أي شكل من أشكال التعاون العربي الاقتصادي أو المالي مع الكيان الصهيوني ؛ حتى ينصاع إلى المطالبات الداعية إلى وقف إطلاق النار في قطاع غزة ؛ بحيث يشمل ذلك جميع محاور الحظر والحصار التي يعمل عليها الاحتلال ؛ لتنفيذ مخططه المعادل لعملية إبادة ممنهجة بحق الشعب الفلسطيني ، وبموجبه يمنع عن أبناء شعبنا الصامد الماء والغذاء والدواء والوقود والغاز والكهرباء والاتصالات والأموال ، وبحيث يتضمن وقف كل عمليات التفاوض والتبادل والتعاون في مجال الطاقة والغاز ، وحظر نقل أية مواد أو محاصيل زراعية إلى الكيان ؛ مع تشديد وتنظيم إجراءات المقاطعة العربية الرسمية والشعبية له.

خامسا – إغلاق الأجواء و المطارات و الموانئ البحرية و البرية المتاحة أمام الكيان في الوقت الحاضر ؛ بموجب الاتفاقات المشار إليها ، والامتناع المؤقت عن منح تأشيرات دخول إلى الدول العربية التي تستقبل رعايا الكيان ؛ مع تفعيل القرارات الصادرة عن قمة الرياض ؛ في ما يخص مقاضاة الكيان ، ومحاكمة المتورطين في جرائم حرب ضد شعبنا الفلسطيني.   

***

إن موقفا كهذا تسانده تغييرات تكتيكية في الأعمال المسلحة التي تقوم بها فصائل المقاومة الفلسطينية وأطراف عربية مقاومة تردفها ؛ لكبح جماح الكيان ؛ سيكون قادرا بكل تأكيد على حرف المسار الكارثي الذي يمضي فيه الإقليم ؛ من عينة استهداف مصانع الدواء والكيماويات ومراكز العمل التقني في وادي السيلكون وغوش دان و بيت سوريك وحيفا ، و ضرب محطات المياه القائمة في الكيان قرب الحدود السياسية ؛ اتباعا للعملية التي انطلقت بها حركة التحرر الوطني الفلسطيني فتح مطلع العام 65 ؛ مستهدفة مشروع الكيان لسرقة خزان مياه بحيرة طبرية وتحويله إلى صحراء النقب ؛ لنشر المغتصبات الصهيونية (المستوطنات) هناك التي استهدفتها كتائب القسام وسرايا القدس وغيرهما من فصائل المقاومة ؛ في عملية السابع من أكتوبر الماضي ؛ لتؤكد أن النضال الفلسطيني في مواجهة هذا الكيان الغاصب تحت أي مسمى لن يتوقف ؛ حتى تنتصر إرادة الشعب الفلسطيني في نيل حقوقه المشروعة. 

***

يبقى أن نعيد التأكيد على أن الاجتماع المقترح مطلوب عقده فورا ؛ فبدونه لن يتوقف الكيان الصهيوني المذبوح عن جنونه وغيّه ، ولأن عملية في رفح يحاول قادته المجرمون تمريرها بشكل متدرج ؛ لاستئصال الوجود الفلسطيني ، والتعدي على الأرض المصرية (والأردنية) – ستكون لها تاثيرات غير قابلة للارتداد على الأمن القومي العربي ، والأمن القومي للأقطار العربية بأسرها ، وعلى مستقبل القضية الفلسطينية. 

إن القيادة المصرية الغاضبة لغضب الشعب المصري الصامد في مواجهة صعوبات اقتصادية ليست بالهينة ؛ تدرك جيدا أنها – أي هذه الصعوبات – لن تثنيه بالطبع عن الالتحاق بأية أعمال تقررها لمواجهة الخطر الصهيوني ، والتهديد باستهداف رفح ، وعرقلة وصول المتطلبات الحياتية الحيوية لأبناء شعبنا الفلسطيني ؛ كطريق لتنفيذ مخطط التهجير ، والتعدي على الأرض المصرية ، وتصفية القضية الفلسطينية.  

***

في الأشهر الماضية ؛ كان المصريون يعانون و يتذمرون من انقطاع الكهرباء لساعات قليلة على مدار اليوم .

و اليوم هم  مستعدون للعيش في الظلام ؛ لتبقى مصر عزيزة أبيّة مصونة ؛ لا يمس لها بنان ، ولا يقيد لها قرار !!
-----------------------------
بقلم– عبد المجيد إبراهيم 
[email protected]  

   

مقالات اخرى للكاتب

في مناسبة عيد الإعلاميين ( 4 ) : قضية المتقاعدين في ماسبيرو أمنية وليست فنية !





اعلان