27 - 07 - 2024

حواديت يكتبها: طاهـر البهـي | عبد المنعم إبراهيم.. أسعدنا وهو يتألم!

حواديت يكتبها: طاهـر البهـي | عبد المنعم إبراهيم.. أسعدنا وهو يتألم!

دورالتراجيدي الذي أدهشنا به عم جعفر في الشهد والدموع، لا تنسينا محطاته الكوميدية المضيئة عبر مسيرة فنية طويلة وثرية؛ نذكر من عباراته المصكوكة بخاتمه: من فيلم طاقية الإخفاء "البللم"، الذي أضحك ملايين المصريين والعرب، وفي الفيلم الفكاهي "إسماعيل ياسين في الأسطول": "ضرب"، وهل ننسى مشاهد "محروس" في "إشاعة حب" وتقليده لآداء هند رستم ويوسف وهبي"؟!، إنه الكوميديان المتعب لمن يقف أمامه عبدالمنعم إبراهيم ينبوع من الفن الصافي، الفطري وبركان متفجر بالكوميديا والضحكات، صاحب أجمل عبارات الغزل: "أحبك يا أبيض" في قصر الشوق من ثلاثية نجيب محفوظ، وفي هذا الفيلم الذي عرض العام 1967، وهو بالطبع كما هو معلوم مأخوذ عن رواية قصر الشوق وهي الجزء الثاني من ثلاثية نجيب محفوظ، ورغم وقوفه في مواجهة نجوم "معلمين تمثيل": نادية لطفي ويحيى شاهين وماجدة الخطيب وآمال زايد وسمير صبري ونور الشريف، إلا أن مخرجه الملقب بمخرج الروائع حسن الإمام وصفه بالمدهش (!)، وسوف يبقى عبد المنعم إبراهيم واحدا من ألمع وأحب نجوم الكوميديا في مصر وصاحب جمهور عريض من كل الأعمار، ترك لنا مسيرة متنوعة في الفن، حيث صنع في حياتنا الفرح والبهجة، كما طهرنا بالحزن والشجن، راجعوا نموذجين لهذا التنوع بين الكوميديا الصارخة في "سكر هانم" وهو ما كان ينبغي أن يطلق عليه "سكر بك" نسبة إلى من نتذكره كلما جاء الفيلم إلى الذاكرة أو العرض خاصة مع تجسيده لشخصية "فتافيت السكر" ليكون أروع النجوم الرجال الذين جسدوا شخصيات أنثوية، فهو أكثر شخصيات الفيلم تأثيرا.

أما الشخصية الثانية ـ أو اللون الثاني الذي قدمه بتمكن ـ فهو شخصيته التي نحتها نحتا في الدراما التليفزيونية، وأعني بها شخصية "جعفر" الذي يعني الضمير الذي يؤرق "حافظ" ويوخزه في وجع ـ يوسف شعبان ـ الذي جار على حق أولاد شقيقه، ولم تكن شخصية جعفر من تلك الشخصيات التي تمر على المشاهد مرور الكرام؛ ولكنها كانت الشخصية التي تملك الحل الدرامي للقصة بأكملها كما قال لي مؤلفها عمنا أسامة أنور عكاشة، كان جعفر على مدار جزءين يشاهد ويتألم ـ إلى أن نطق بعبارته الملهمة "كله رايح .. منه له .. ارمي يا حافظ واتخلص من حملك ..كله رايح.. منه له"، لم تكن عبارة جعفر صادرة عن دروشة، بل كانت صادرة عن حكمة شاهد على الأحداث ومتنبئ بها، في إشارة إلى تطهير حافظ من لعنة المال التي تسيطر عليه ونتج عنها وفاة شقيقه وبسببها عاشت "زينب" وأولادها معاناة لا يتحملها بشر، كانت عبارة جعفر سابقة لما بعدها من أحداث؛ فالمال لم يعد يجدي زينب ولا أولاد شوقي؛ لأنه مال ملوث بالحقد والضغينة؛ فما فعله حافظ مطابق إلى حد بعيد مع أول جريمة تحدث على وجه الأرض: جريمة الشقيقين قابيل وهابيل، وعبارة جعفر بقيت محفورة خالدة في أذهان من كانوا يشاهدون مسلسل أسامة أنور عكاشة الخالد في تاريخ الدراما التليفزيونية العربية، هو دور يليق بممثل خاض كل أنواع المعارك الإبداعية؛ فمنحته ثقلا وأصالة وعرف كيف يضحكنا ويبكينا.

أعرف وانحني احتراما لهذا الفنان الضاحك الباكي، أنه كان أثناء آداء شخصية جعفر في "الشهد والدموع"، يستسلم لممرضة كانت ترافقه، تعطيه حقنة لتسكين الألم الناتج عن إصابته بمرض ارتشاح الرئة، ثم يدخل إلى أستوديو الأهرام؛ ليبدع ويسعدنا ويعلمنا الدروس وهو يتألم، بعدها رحل عبد المنعم إبراهيم عن عمر 63 عاما رغم أن من يشاهده في الحلقات يتصور أنه في عقده الثامن بفعل الألم.. ترحموا عليه.
-----------------------------
بقلم: طاهر البهي