18 - 06 - 2024

عن مستقبل الدوريات التاريخية العربية

عن مستقبل الدوريات التاريخية العربية

تعتبر الدوريات التاريخية شرياناً رئيساً من شرايين المعلومات، وأداة للتعرف على الجديد في الدراسات التاريخية، وبات وضع الدوريات التاريخية العربية في حاجة لمراجعة شاملة، سواء من حيث المضمون أو الشكل أو التوزيع. وتعد مجلة الجمعية المصرية للدراسات التاريخية أقدم الدوريات التاريخية العربية التي ما زالت تصدر إلى اليوم. حافظت هذه المجلة لسنوات على مستواها الأكاديمي الرفيع، حتى عدت دولياً من أفضل الدوريات التاريخية، وانفردت بنشر دراسات تاريخية جديدة في مجالها، إلا أنه غاب عنها بصورة كبيرة فرعان مهمان هما تأريخ التاريخ وفلسفة التاريخ، ولعل حرص القائمين عليها الزائد على تقليديتها لم يجعلها تطرح ملفات جريئة، لكن يبقى لها أنها قدمت لنا مؤرخين من دول عربية عدة لحرصها على التحكيم العلمي الدقيق للأبحاث أياً كان اسم وشهرة وكاتب البحث، فالمضمون لديها هو الحكم في النشر. 

اتحاد المؤرخين الذي هو في حقيقة الأمر اتحادان، أصدر مجلتين، أحداهما في بغداد والآخر في القاهرة، تتسمان أحياناً بنشر موضوعات جادة وأحياناً موضوعات مكررة لموضوعات أخرى، ويغيب عن كليهما إثارة النقاش حول القضايا التاريخية، غير أن مجلة اتحاد بغداد أخذت في فترة حكم الرئيس صدام حسين للعراق بعداً قومياً عربياً، في حين تأثرت مجلة اتحاد القاهرة بمجلتي الدارة السعودية ومجلة الجمعية المصرية للدراسات التاريخية. 

وتتناثر في شتى أرجاء الوطن العربي مجلات تاريخية عديدة، لعل أنجحها مجلة «تاريخ العرب والعالم» التي تصدر في بيروت، والتي مثلت مجلة وسطية فلا هي أكاديمية بحتة، ولا هي مجلة تاريخية مبسطة، ونجحت أعدادها في جذب الكثيرين، غير أن توزيعها محدود، مما اثر على انتشارها، وبالتالي صارت أعدادها القديمة تزداد قيمتها وندرتها، بل وارتفع سعرها لدى باعة الكتب القديمة، وتقف مجلة مصر المعاصرة التي تصدر عن دار الكتب المصرية كنموذج جيد للمجلات التاريخية المتخصصة، لكن كونها متخصصة في تاريخ مصر المعاصر يجعلها محدودة داخل نطاق المهتمين بتخصصها فقط، وإن كانت مجلة الدارة السعودية حققت انتشاراً بين المهتمين بالدراسات التاريخية لفترة طويلة، غير أن انكفاءها على شؤون الخليج العربي وتاريخه جعل منها مجلة متخصصة. 

لكننا في حقل الدراسات التاريخية لا نستطيع أن نتجاهل حوليات كلية الآداب في جامعة الكويت، التي يركز كل عدد منها على موضوع محدد، تميزت هذه الحوليات في دراساتها التاريخية ليس بالجديد فقط، بل بعمق موضوعاتها وقوة تحليلها للقضايا التي تطرحها، فتناولت فتح رودس وفتوح العرب للسند وموضوعات خاصة بتاريخ المماليك، والتاريخ الأموي والعباسي والأندلس، ألخ. 

حدث خرق لطبيعة الدوريات التاريخية العربية، بصدور أول دورية تاريخية محكمة هي دورية «كان»، صدر العدد الأول منها في أيلول/ سبتمبر 2008، كمجلة ربع سنوية، لها قراء كثر على شبكة الإنترنت من المغرب إلى الخليج العربي، بل وفي أوروبا والأميركيتين، وتميزت بتنوع موضوعاتها، من البحوث والدراسات وعروض الكتب والأطروحات الجامعية إلى تقارير عن اللقاءات العلمية، وانتظمت في صدورها إلى اليوم، وما ساعد على انتشارها اعتمادها على أهمية التواصل مع جمهور عريض عبر البريد الإلكتروني وأصحاب المدونات، وأقامت لها مجموعة على موقع Facebook لنشر أخبار المتواصلين معها من المؤرخين العرب، بل قفزت قفزة نوعية بنشرها موضوعات باللغة الإنكليزية، وكتب فيها إلى الآن ما يزيد على المئة باحث من جامعات الموصل وتكريت وتلمسان ومؤتة والزقازيق والبلقاء ووجدة والقاهرة وعين شمس، ومن العديد من المؤسسات العربية، ومما زاد في انتشارها توزيعها للعديد من الكتب الإلكترونية مجاناً مع أعدادها، بخاصة الكتب الجديدة. تكاد تكون الجرأة في النشر هي السمة المميزة لهذه المجلة الرقمية، ويعود هذا إلى أن القائمين عليها من الشباب خارج إطار الدراسات التقليدية، على غرار مدرسة عبدالله العروي في المغرب وخالد فهمي في مصر، فالمزج بين التاريخ والأنتروبولوجيا أو البحث في فلسفة التاريخ أو القفز نحو البحث في مستقبل الدراسات التاريخية هي سمة ستميزها عن غيرها، فهل تشهد الدوريات التاريخية تغييراً في السنوات القادمة، قياساً على نجاح تجربة دورية «كان» الرقمية؟
------------------------------
بقلم: د. خالد عزب

...






اعلان