18 - 06 - 2024

الروائي حسين عبد الرحيم يحاور الإعلامية مايا الحاج: "تريندات عربية مع مايا" كشف الكثير من الأقنعة

الروائي حسين عبد الرحيم يحاور الإعلامية مايا الحاج:

* مازلتُ أزرع في مساحتي الخاصة ولا أنتظر سوى أن أرضى بما أفعله
* سعيدة بوصولي لشريحة من المثقفين العازفين عن عالم السوشيال ميديا 
* كاميرات أبناء غزّة قامت بما كان يفعله قديماً المؤرخون في أزمنة الحرب
* أكتب نصوص برنامجي بالشغف نفسه الذي أكتب به عملا إبداعيا 
* أتمنى أن تتوسّع التجربة وتتطوّر في اتجاه تحفيز الفكر النقدي والتحليلي 
* لا أتعجل نشر رواية جديدة لي بعد نجاح روايتي "بوركيني.. اعترافات محجبة" 

في باكورتها الروائية "بوركيني.. اعترافات محجّبة"، اقتحمت الروائية والإعلامية اللبنانية مايا الحاج، السرد من ممرّ الجسد الذي شغل حيّزاً واسعاً في الأدب. لكنّ الكاتبة تُقدمه في صورة قلّما عرفناها، متخذة منه بؤرة سردية تنطلق منها وتعود إليها بدائرية متقنة، فتصوّره مكشوفاً أنثوياً جذاباً، ومحجباً «مُكفنّاً» ممحوّاً. البطلة رسامة متحررة، لكنّ انفتاحها لم ينزع خوفاً داخلها، فلجأت إلى الحجاب. وبعدما اعتقدت أنه منحها الطمأنينة، وفرضها كإنسانة لا كأنثى، تكتشف أنّها تفتقد جسدها الملفوف بالأقمشة، ما يدفعها إلى القلق والسؤال عن جسدها وأنوثتها، «ما هي قيمة المرأة من دون جسدها؟». 

تتولّد أزمة الرسّامة خلال جلسة مع حبيبها قبل افتتاح معرضها، وتحديداً حين تظهر حبيبته السابقة الجميلة بملابسها المثيرة. هذا اللقاء كان كافياً لأن يثير قلقاً يتطوّر على مدار الرواية. فالبطلة التي اعتقدت أنّها المرأة المثالية، تصبح كائناً ممحوّاً في مرآة ذاتها بعد زجّ نفسها في مقارنة مع جسد غريمتها. 

لم تغب فلسفة الجسد عن صفحات الرواية، فالراوية رسامة عالمة بالأجساد تُبدع رسم العري الأنثوي، وتسمو بالجسد جاعلة إيّاه الحقيقة الوحيدة.

مايا الحاج والتي تواصل اللعب الفني الواثق في دروب شتى، مابين الفن والفكر والكتابة، سرد الأدب وتتبع بعشق جديد الميديا عبر الإبحار في مسارات النقد وتجليات السوشيال ميديا، بحنكة ودراية وموهبة لم تعرف إلا متون الجمال وإلتقاطه من كافة أوعية وصنوف السرد وإلقاء الضوء على كل ماهو حقيقي وحيوي ومثير. وآخر تلك التجليات الفارقة كانت "تريندات مايا" التي تقدمها على قناة تلفزيون "العربي 2" القطري والتي فضحت فيه زيف وإدعاءات "إسرائيل" فيما يخص الهويات وصرعة مفاهيم الوطن والأرض وتلك الحدود بل والوضوح المقلق فيما يخص تفنيد أكاذيب دولة الاستيطان. حتى كانت أول حلقانها مع بدء "طوفان الأقصى" في السابع من أكتوبر الماضي، هي خير كاشف لزيف وادعاءات الكيان الوهمي. حصد أول تريند أكثر من مائة ألف مشاهدة. 

هنا حوار أجراه الروائي والكاتب الصحفي حين عبد الرحيم لجريدة "المشهد" مع الكاتبة الروائية والناقدة والإعلامية المتفردة مايا الحاج.

* سألتها بداية:من باب الصحافة والكتابة.. كيف ولدت لديك فكرة برنامج "تريندات مع مايا"؟

- أجابت: لا شك أنّ ثورة التواصل الاجتماعي أثّرت في شكل الصحافة ومواضيعها، واحتلّت التريندات جزءاً أساسياً من عمل الصحف والمواقع والبرامج التلفزيونية. ولكن معظم ما يُقدّم في هذا المجال، هو مجرّد طرح للتريند (باعتباره مجرد خبر يشغل الناس لفترة قصيرة) من دون دراسة لأبعاد هذا التريند الذي يمكن أن يوحي بكثير من الدلالات حول هذا المجتمع ومزاجه ومشاكله واهتماماته.

لهذا، أحببتُ أن أملأ فراغاً ما في هذا المجال. فكرتُ في أن أستثمر خبرتي في النقد الأدبي للغوص في عمق هذه التراندات بغية تحليلها وتقديم فهم أعمق لمجتمعنا. أردتُ أن يكون هذا العمل مصوّراً لكي يصل الى شريحة أكبر من الناس. وحين ناقشتُ الفكرة مع ادارة "تلفزيون العربي 2"، تحمسوا للفكرة باعتبارها خطوة جديدة تجمع بين عالمي الثقافة والسوشيال ميديا، بأسلوب بسيط وإيقاع سريع.هكذا كان "تراندات مع مايا" أوّل برنامج يُقدّم على منصات "العربي 2"، وأنا سعيدة جداً بهذه التجربة الغنيّة والجديدة في شكلها ومضمونها. 

تريند غزة

* حقّق البرنامج نجاحاً لافتاً وتخطّت بعض الفيديوهات ملايين المتابعات على منصة انستغرام. كيف تفسرين التفاعل الايجابي مع هذه التجربة؟ هل هو ناتج عن أداء متفرد في الطرح الدرامي والحسي أم يعود الى النصّ الجامع بين عمق المعنى وسرعة الايقاع؟ 

-أظنّ التفاعل الجيد هو نتيجة أسباب متعددة، أبرزها أنّ النصّ لا يعتمد على إعادة طرح ما قيل ويُقال على السوشيال ميديا، وإنما يحمل تحليلاً ورأياً، ثم أختم بسؤالٍ للمتابعين كي أسمع منهم آراءهم الشخصية. مما أوجد نوعا من التواصل الحيوي مع المتابعين. سمعتُ من أصدقاء هم أساتذة في مجال الاعلام أنّ الفقرات تتميز بالجديّة من دون أن تبدو جافّة، وبالبساطة من دون أن تكون سطحية، وفي بعض الاحيان يتخلله شيء من التهكم من دون أن يصبح هزلياً.وهذا طبعاً يسعدني لأنّ البرنامج تمكّن من الوصول الى شريحة من الكتّاب والمثقفين العازفين بمعظمهم عن عالم السوشيال ميديا وبرامجه.

*تمكنت عبر وعيك النافذ من الجمع بين فكرة التريند وما تحمله من هشاشة وبين الأحداث الفلسطينية وما تحمله من قسوة. هل كان صعباً عليك التطرق الى مسار الحرب المدمرة في غزة عبر رصد الترندات المرتبطة بها؟

- عندما طرحتُ فكرتي، اختصرتها بجملة هي أنّ الترندات ليست مجرّد أخبار عاجلة وأحداث عابرة وإنما هي ظواهر اجتماعية قادرة على اختزال واقع المجتمع الذي نعيش فيه،.كانت الفكرة الأساسية هي تحليل لترندات السوشيال ميديا عموما، لكنّ الحرب على غزة حدثت ووجدت منذ الأسبوع الاول للحرب أنّ من الضروري التوقف عند الترندات المرتبطة بهذه المستجدات الخطيرة. 

وبالفعل، أسبوعا تلو آخر، تبيّن أن هذه التريندات غدت جزءاً لا يتجزأ من هذه الحرب.في برنامجي لم أرصد الحرب في بعدها السياسي والعسكري، وإنما في بعدها الانساني والاعلامي والاجتماعي. بعيداً عن الأمور اللوجستية ، نحن نطرح في كل حلقة مجموعة ترندات من المجتمع العربي والغربي ومن أهل الفن والسياسة والاشخاص العاديين. هذه الترندات التي تابعناها جميعاً عبر السوشيل ميديا يُمكن أن تُسجّل فعلا كوثائق للمستقبل. 

حياة الناس

*هل تقصدين أن الترندات العابرة يمكن أن ترقى الى مستوى الوثائق التاريخية؟

- المؤرخون سوف يسجلون حكايات الحرب، من انتصر ومن انهزم، من حكم ومن استقال، من تدخّل ومن لم يتدخّل. لكنّ هذه الترندات فرصة لمعرفة حياة الناس في ظلّ الحروب. قد تُعطي أجوبة عن تفاصيل لم تكن تحفظها كتب التأريخ التقليدية. تجيب عن أسئلة تفصيلية مثل كيف كان يعيش الناس تحت القصف؟ ماذا يأكلون وأين ينامون؟ ما هي الموضوعات التي تشغل بالهم؟ كيف تعامل المشاهير مع هذه الحرب؟ ما هي مواقف المؤثرين من الحرب؟

أظنّ أنّ كاميرات أبناء غزّة أنفسهم سجلّت ووثّقت وأرّخت ما كان يفعله قديماً الكتّاب والمؤرخون في أزمنة الحرب. لقد كتبوا يومياتهم بالكلمة والصورة على حدّ سواء. وهم صنعوا معظم ترندات المرحلة.

*هل اللجوء الى تلك الوسائط عبر الصورة أو الفيديو هو بديل للكتابة أو النقد في مسيرتك؟

- ليست بديلاً لكنها وسائط جديدة قد تصل الى متابعين يفضلون مشاهدة المحتوى البصري بدلاً من القراءة. وأظنّ أنّ واجبنا نحن ككتّاب ونقّاد أن نتوجه الى هذه الفئة وهي غالبية الجيل الجديد، وعلينا أن نجاري ذائقتهم من دون المساومة على جودة المضمون. في المقالة النقدية، أكتب ما يعادل الألف كلمة وأحياناً أكثر لكي أحلّل كتاباً أو فيلماً أو معرضاً أو حالةً اجتماعية معينة، بينما في السوشيل ميديا أنا أقدّم فقرة في أقلّ من دقيقتين وأضع فيها كلّ الجهد اللازم لأحلّل الترند في أبعاده المحتلفة. وحين نقول الترند يعني أي خبر يشغل الناس ويحصد تفاعلهم، بمعزل عن موضوعه وأهميته.

الاستفادة من النقد

*هل يمكن الترند أن يكون مادةً للتحليل والنقد مثله مثل أي منتج أدبي أو ابداعي؟ 

- حين تدرس النقد الأدبي المعاصر لا نتعلم فقط كيفية التركيز على داخل النص باعتباره (البنية، اللغة، الأسلوب)، وإنما نركز ايضا على اعتبارات خارجة عن النصّ وهي ما نسميها السياق العام. هذه الدراسة النقدية والإلمام بالمناهج النفسية والاجتماعية والانثروبولوجية وغيرها، تساعدك على فهم أعمق للإنسان في مظهره البيولوجي والاجتماعي والنفسي والثقافي. وهذا ما استخدمته واستفدت منه في قراءتي للترند الذي أدرسه كجزء من حياتنا ومجتمعنا وسلوكياتنا.

*حضورك عبر برنامجك عن الترندات يرصد حرفية في تعاملك أمام الكاميرا. هل كانت هناك خبرات سابقة في المجال التلفزيوني؟

- كانت لي تجربة تلفزيونية عبر برنامجٍ عُرض على محطة لبنانية، وإنما لم أكن مقدمة البرنامج الرئيسة فيه. هذا بالإضافة إلى تصوير فيديوهات سابقة بحكم عملي في مواقع صحفية. ولكن بشكل عام، الورقة تُرهبني أكثر من الكاميرا. أمّا إذا وجدت الموضوع وبحثت عنه وكتبته فأكون غالباً جاهزة للحديث أمام الكاميرا من دون الشعور بالقلق.

كشف الأقنعة

*والآن، بعد كل هذه الترندات... كيف تقيمين ما طرح في الإعلام التصويري والخبري عربيا وعالمياً فيما يخص الحرب على غزة؟

- أظنّ أن الترندات هذه كشفت الأقنعة. عرّفتنا على ترندات بمعايير مختلفة عن سذاجة الترندات السابقة. ترندات القوة والثبات والصمود عند الشعب الفلسطيني. وهناك ترندات أخرى كشفت لنا كذبة الاعلام الغربي وازدواجية معاييره وأنه لم يعد مجدياً أن نقدّم الاعلاميين الغربيين كمثال يُحتذى به. والأهمّ أن السوشيال ميديا تحولت الى ساحة أخرى للحرب والمطالبة بحقوق الفلسطينيين المهدورة، فشهدت على تفوق الرواية الفلسطينية ووصولها الى العالم، رغم كلّ المحاولات لإفشالها وإسكاتها.

*ما بين الرواية والنقد والحضور الإعلامي، أين تجد مايا الحاج نفسها أكثر؟

- كلّ ما ذكرته يصبّ في مكان واحد: الكتابة. أنا أكتب النصوص الخاصة ببرنامجي على مواقع التواصل بالشغف نفسه الذي أكتب فيه مقالتي النقدية أو نصي الابداعي. 

*خمسة عشر عاما من عملٍ صحفيّ متعدد المسارات، كيف ترى مايا الحاج حصاد الرحلة والمسيرة؟

-لا أدري إن كان يمكن الحديث عن حصاد في هذه المرحلة. مازلتُ أفلح وأغرس وأزرع في مساحتي الخاصة ولا أنتظر أكثر من أن أكون راضية وسعيدة بما أفعله. لا شكّ أنّ التطور يزيدُ تجربةً تلو التجربة، والمسار تصاعديّ. لكنّ الأهمّ أنه غنيّ ومنوّع وكنت فيه على احتكاك دائم مع أهمّ الأساتذة ممّن استفدت منهم ومن نصائحهم، وحصدتُ منهم على دعم معنوي متواصل، منذ اليوم الأول الى الآن.

*ما جديدك المقبل في الاعلام والرواية؟

-الجديد الآن هو "ترندات مع مايا"، وأتمنى أن تتوسّع التجربة وتتطوّر لأنّ أهميتها تكمن في تحفيز الفكر النقدي والتحليلي عند المتابع وحثّه على المشاركة في قراءة الترند بدلاً من الاكتفاء بالتلقي. 

أما الرواية فهو مشروع حاضر في حياتي، أنا في حالة كتابة مستمرة، لكنّ مسألة النشر لا تؤرقني. أنا مدركة أنّ التأخّر هو نتيجة طبيعية لإيقاع حياتي الموزعة بين مهامٍ كثيرة. وحين يكتمل المشروع بالطريقة التي تُرضيني، لن أتأخر في نشره.
----------------------------------
حوار: حسين عبدالرحيم






اعلان