08 - 07 - 2025

تحليل بفورين بوليسي يحاول "تقليل خسائر الاحتلال": نظرة استشرافية للحرب على المقاومة الفلسطينية

تحليل بفورين بوليسي يحاول

نشرت مجلة "فورين بوليسي" تحليلا للخبير في مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية، وأستاذ العلاقات الخارجية في جامعة جورج تاون دانيال بايمان، استعرض فيه رؤيته لمستقبل الحرب على المقاومة الفلسطينية وبشكل خاص "حماس"، في محاولة منه لتقليل قدر الإخفاق المتوقع من جهة الاحتلال كأحد نتائج تلك الحرب، والتي يستقيها من الأحداث الجارية.

يستهل الكاتب تحليله، بتخيل افتراضي، يذهب فيه إلى المستقبل حيث السابع من أكتوبر عام 2025، وفي اعقاب مرور عامين على الهجوم الذي وصفه بالمدمر من قبل حركة المقاومة، وأسفر عن سقوط 1200 شخص من أفراد الاحتلال.

وفي العام 2025 يضع تصورا استقاه من الواقع الحالي، رسم فيه صورة قاتمة للإحتلال الذي ستفشل سياسته في الحصول على أي مكاسب في قطاع غزة، بينما خرجت حركة المقاومة حماس من أنقاض الحرب في عام 2023، واستعادت السيطرة على غزة مرة أخرى، مع تعزيز هيبتها في الضفة الغربية ومكانتها في أماكن أخرى.

 في المقابل يمتد التدهور "الإسرائيلي" إلى الوضع الدولي، بما في ذلك في واشنطن.

داخليا يعيش كيان الاحتلال حالة فوضى، إذ تتجلى التفاوتات السياسية والاجتماعية، بشكل أكبر مما كانت عليه قبل الحرب، مما يؤدي إلى تعطل أي تقدم يمكن تحقيقه. 

وربما الأمر الأكثر إثارة للقلق في رأي الكاتب، أن من أطلق عليهم وكلاء إيران أصبحوا أكثر عدوانية من أي وقت مضى، مع هجمات صاروخية منتظمة نحو شمال الأراضي المحتلة، من جانب حزب الله وتهديد مقاتلي الحوثي في اليمن للشحنات البحرية الخاصة بالاحتلال.

يشرح لنا بايمان هذا النوع من التخيل الإفتراضي، ويعرفه باسم "التحليل القبلي"، وهو تقنية اقترحها المعالج جاري كلاين أولاً لتقليل مخاطر الفشل، وقد أوصى بها الحائز على جائزة نوبل دانيال كانيمان كوسيلة لمواجهة التفاؤل المفرط.

 الفكرة بسيطة، تخيل أن خطة أو سياسة تتبع حالياً تنتهي بفشل فظيع، الآن اسأل نفسك ماذا حدث من أجل أن تفشل، النتيجة هي قائمة بالمشاكل المحتملة يمكن للقادة دراستها اليوم لصياغة سياسات أفضل.

يقول بايمان: "لقد علمت بعض نقاط الفشل المحتملة خلال رحلة حديثة إلى الأراضي الاحتلال، مع مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية، حيث قمنا بمقابلة مسؤولين أمنيين وشخصيات كبيرة أخرى". ويستكمل رؤيته بالشرح " بالنسبة لإسرائيل في غزة، قد تنبع المشاكل من تقدير ضعيف لحماس نفسها، ما يعمل على تقويتها بطريقة غير مقصودة، وإضعاف التماسك الداخلي أيضا، وفشل التحول من الحرب إلى الحوكمة في غزة، وتقويض العلاقة بين إسرائيل والولايات المتحدة".

ضعف تقدير صمود حماس

بحسب الكاتب يسعى الإحتلال إلى تدمير "حماس"، وقتل قادتها، والعديد من أفراد قواتها العسكرية، الذين كانت تبلغ قوتهم 25,000 محارب، قبل غزو الإحتلال لقطاع غزة، يزعم الاحتلال أنه قتل حوالى 7,000 عنصر منذ منتصف ديسمبر، بما في ذلك العديد من القادة الرئيسيين.

ومع ذلك، كما يرى الكاتب ستثبت حماس صعوبة تدميرها تماما، ويمكن أن تعيد انتاج نفسها في غزة. يمكن للاحتلال تقدير قوة حماس من خلال تقييم الأعداد في تشكيلاتها، ومراقبة الجنائز وإعلانات الوفاة، وعدد القتلى.

 ومع ذلك، كما قال لي أحد الخبراء الإسرائيليين، - على لسان الكاتب - "سأكون متشككًا جدًا فيما يتعلق بأرقام قتلى حماس المقدرة من قبل إسرائيل".  الجنود في المعارك لن يكونوا على الأرجح يوثقون بعناية القتلى الأعداء وقد يعتبرون جميع الذكور ذوي السن القتالية كقتلى مفترضين.

 بالإضافة إلى ذلك، قد يلجأ بعض الأشخاص في غزة إلى حمل السلاح بسبب تعرضهم للهجمات، مما يزيد من أعداد حماس بشكل عام.

تتغلغل حماس أيضًا بشكل كبير في غزة، بحسب رؤية الكاتب، إذ سيطرت على القطاع منذ عام 2007، حيث أنشأت جيلا ينتمي لها. كما تعمل بشكل وثيق مع عشائر غزة وتمتلك قاعدة قوة في مجتمع اللاجئين، ومن قبل عام 2007 بكثير، كانت تدير مدارسًا ومستشفيات ومساجد، مما يمنحها وجودًا في معظم جوانب المجتمع.

 يتناقض هذا تمامًا مع جماعات مثل تنظيم الدولة الإسلامية "داعش" الذي كان غريبًا نسبيًا في المناطق التي احتلها وكان مقاتلوه غالباً أجانب ما يعدم احتمالات وجود العديد من الروابط مع السكان المحليين.

بفضل هذه الجذور العميقة، يمكن لحماس أن تعود بسهولة، حتى إذا تم تدمير معظم جهازها القتالي. ولتجنب ذلك، يجب أن تتخذ كيان سياسي مختلف مكان حماس ويضمن عدم ظهور الجماعة مرة أخرى بمجرد تخفيف الضغط الإسرائيلي، هكذا يقترح الكاتب ويضع خطته لإنهاء المقاومة.

السابع من أكتوبر عزز سردية المقاومة

يصف الكاتب حركة المقاومة حماس بأنها أكثر من مجرد منظمة، فيقول : "إنها تجسد أيضًا "المقاومة"، باستخدام العنف لإنهاء الاحتلال الإسرائيلي في الضفة الغربية وقطاع غزة، وفي نهاية المطاف لتدمير إسرائيل، وهو مبدأ يؤمن به العديد من الفلسطينيين وكذلك حزب الله اللبناني وإيران وغيرهم من الفاعلين الإقليميين".

إن أحداث السابع من أكتوبر أثارت إعجاب العديد من الفلسطينيين وكثير من العالم الإسلامي، حيث ارتفعت نسبة التأييد للهجوم إلى أكثر من 80 % في الضفة الغربية. (وليس من المستغرب أن يكون التحمس أقل في غزة، حيث يعاني الأهالي من فقدان أفراد عائلتهم وتدمير منازلهم.) 

كما أن رد فعل الاحتلال العدواني ومستويات الخسائر المدنية المرتفعة قد أكدت بشكل إضافي فاعلية أساليب حماس بين الكثيرين في المنطقة.

 يعني ذلك أن حماس أو أي مجموعة مقاومة أخرى لديها تربة خصبة للنمو - وهو عامل هام على المدى الطويل، في ظل حقيقة أن نصف سكان غزة البالغ عددهم 2.2 مليون نسمة هم دون سن الثامنة عشرة.

أيضا في خارج غزة، تولد هذه السردية دعمًا لإيران وأعداء آخرين للإحتلال، وتجعل الأمور أكثر صعوبة بالنسبة للدول الصديقة في العالم العربي مثل مصر، والإمارات العربية المتحدة للتعاون المفتوح مع الاحتلال، على الرغم من عدائها تجاه "حماس".

أزمة الثقة

أجبر هجوم السابع من أكتوبر العديد من الإسرائيليين على مغادرة منازلهم في الجنوب بالقرب من حدود غزة. كما أن الهجمات المتكررة في شمال إسرائيل من حزب الله أجبرت عشرات آلاف إضافيين على النزوح "من المستوطنات".

 يعيش الآن ما مجموعه 250,000 إسرائيليًا بعيدًا عن منازلهم، إما في فنادق يتحمل تكاليفها الحكومة أو مع العائلة، وإعادة الثقة لهؤلاء الأشخاص هي أولوية إسرائيلية.

ومع ذلك، ستكون استعادة الثقة أمرًا صعبًا، سواء من الناحية العسكرية أو النفسية، إذ يجب أن تكون إسرائيل قادرة على هزيمة أو ردع كل من حماس وحزب الله، كما يرى الكاتب.

 ولكن "الهزيمة" و"الردع" مفاهيم غامضة، إذ يجب على الإحتلال أن يقنع شعبه بأنهم آمنون، وهذا أمر صعب نظرًا لفشل المخابرات الإسرائيلية في اكتشاف والتحذير من الهجوم في 7 أكتوبر، وفشل القوات الإسرائيلية في الدفاع عن المستوطنات القريبة من غزة.

يرسم الكاتب خطة لاستعادة تلك الثقة بالقول: "في الجنوب بالقرب من غزة، ستتطلب استعادة الثقة هزيمة شاملة وواضحة لحماس؛ في الشمال، ستتطلب نقل حزب الله للمزيد من وحداته المتميزة، بعيدًا عن حدود إسرائيل لضمان عدم حدوث هجوم مفاجئ"

" قد تحتاج إسرائيل أيضًا إلى نشر أعداد كبيرة من القوات على كل جبهة وتوفير إمكانيات كبر للدفاع الذاتي عن منطقة مأهولة، ومثل هذه الإجراءات مكلفة وتعتبر صعبة بشكل خاص بالنسبة للإحتلال نظرًا لاعتمادها على القوات الاحتياطية، مما يجعل من الصعب الحفاظ على جيش كبير في حالة حرب طويلة.

جميع ما سبق من عوامل هي أمور تجعل الوضع أسوأ، فلاشك أن هناك أزمة ثقة في النظام السياسي، قبل السابع من أكتوبر، إذ كانت إسرائيل مجتمعًا منقسما تمامًا، وذلك مع انقسام حاد بين المجتمعات الدينية والعلمانية، والعرب الإسرائيليين واليهود الإسرائيليين، واليهود من الدول الأوروبية مقابل اليهود من الدول العربية.

كما قامت حكومة نتنياهو بتقسيم مجتمع الإحتلال بشكل أكبر من خلال إدخال شخصيات من اليمين المتطرف إلى الحكومة وتقويض استقلال القضاء. 

وبالفعل، يقول بعض الأشخاص من اليمين أن "حماس" قامت بهجومها، بسبب رؤيتها لإسرائيل كضعيفة بسبب احتجاجات معارضة للحكومة.

 قد يدعم الإسرائيليون فرض ضرائب أعلى لتمويل الجيش، وتمديد خدمة الاحتياط، وتدابير مؤلمة أخرى - ولكن ليس إذا كان يُنظر إلى هذه الاقتراحات كجزء من التنافس الحزبي للوصول إلى الحكم.

من الممكن أن تحدث كارثة محتملة لإسرائيل لاحقا، إذا اندلعت حرب شاملة مع حزب الله، فالفريق اللبناني يمتلك عددًا أكبر من المقاتلين الأكثر خبرة والأكثر تدريبًا، وصواريخ وهاون يتفوق على تلك التابعة لحماس ويشمل قذائف دقيقة التوجيه. 

حتى الآن، قام حزب الله بشن هجمات محدودة على إسرائيل لتظهر تضامنه مع حماس، وردت إسرائيل بزيادة تواجدها العسكري على طول الحدود، وتنفيذ هجمات صغيرة مصممة لدفع حزب الله بعيدًا عن حدودها، وباستخدام محدود للقوة فقط لإظهار العزم الإسرائيلي.

 يمكن أن تخرج هذه الهجمات المحدودة من السيطرة بسهولة، وربما تقرر "إسرائيل" أنها تحتاج إلى مهاجمة حزب الله لإنهاء التهديد الذي يمثله. 

في الواقع، قد تكون قد حاولت البدء في مثل هذه الحرب من قبل لولا الضغط الأمريكي.

فشل الانتقال..مابعد الحرب

في نقطة ما، ستنهي "إسرائيل" العمليات العسكرية عالية الكثافة في غزة، سواء لأنها دمرت إلى حد كبير "حماس" برأيها، أو لأن التكلفة في الأرواح والأموال - ووضعها الدولي الخاص بها - كانت مرتفعة جدًا. 

في هذه النقطة، ولتجنب أن تصبح سلطة احتلال على سكان معاديين لها، ولمنع الفوضى على حدودها مع غزة، ولوقف حماس عن إعادة جمع نفسها، ستحتاج "إسرائيل" على الأقل إلى تحويل بعض من السلطة في غزة إلى كيان فلسطيني.

 يمكن أن يكون هذا الكيان هو السلطة الفلسطينية، التي تحكم في الضفة الغربية بدعم "إسرائيل" أو ربما مجموعة من التكنوقراط غير المنتمين. 

هنا، خيارات "إسرائيل" ضعيفة، فبحسب الكاتب، السلطة الفلسطينية فاسدة وغير محبوبة، وقد قوضت سياسات "إسرائيل" في الضفة الغربية مصداقية السلطة الفلسطينية، وهجوم حماس وردة فعل الاحتلال قد زاد من تدهور شعبيتها. 

السلطة الفلسطينية لا تستطيع إدارة الأمن في الضفة الغربية دون مساعدة الاحتلال، وغزة ستكون تحديًا أكبر بكثير. ومع ذلك، لا توجد خيارات أفضل.

فشل في إدارة العلاقة مع الولايات المتحدة

تتزايد الانتقادات الدولية تجاه العدوان على غزة، بينما يعتمد الإحتلال على الولايات المتحدة للحصول على الذخائر (وهو أمر ضروري خاصة في حملته ضد حزب الله). تقدم الولايات المتحدة أيضًا دعمًا ماليًا ملحًا وتعد حيوية لردع إيران ووقف مجموعات مثل الحوثيين في اليمن.

 حتى الآن، نجح الرئيس الأمريكي جو بايدن في مساندة "إسرائيل" بدعمه القوي والمخلص بعد هجوم 7 أكتوبر.

ومع ذلك، يمكن أن تتدهور العلاقة بسهولة، فبايدن يحاول إدارة حزب ديمقراطي متشعب، يعارض الكثير منه دعمه القوي لإسرائيل، في حين يلعب رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو بالفعل لعبة السياسة مع علاقته الحرجة مع واشنطن.

 حثت الولايات المتحدة "إسرائيل" على تقليل عدد القتلى المدنيين في عملياتها العسكرية، وتجنب التصعيد مع حزب الله، في حين يعتقد الكثيرون في الإحتلال، أنهم يحتاجون إلى تدمير "حماس" تمامًا، حتى في ظل مقتل العديد من المدنيين الفلسطينيين في هذه العملية.

 يمكن أن تؤدي هذه الفجوات السياسية والاستراتيجية إلى وجود انقسامات في العلاقات بين الولايات المتحدة "إسرائيل" مما يترك الأخيرة في عزلة أكبر دوليًا وبدون الدعم العسكري الذي تحتاجه.

ما الذي يمكن القيام به الآن؟

يختم الكاتب تحليله بأن بعض التحديات التي تواجه الأحتلال لا يمكن التغلب عليها دون خلق مشاكل وضغوط إضافية. 

ويقول: "يدرك الإسرائيليون الذين تحدثت معهم أن قتل المدنيين الفلسطينيين يزيد من دعم السردية لحماس ويضعف مكانة إسرائيل الدولية، ولكنهم يشعرون أنه، لتدمير حماس، ليس لديهم خيار آخر سوى متابعة حملة عسكرية عدوانية تؤدي بالضرورة إلى وفاة العديد من المدنيين"

"وبالمثل، لتجنب حرب مع حزب الله، تحث الولايات المتحدة على ضبط النفس، ولكن النهج الذي يحافظ على الوضع كما هو لن يقنع الإسرائيليين بالعودة إلى منازلهم في الشمال".

ومع ذلك، تشير هذه المشاكل المحتملة أيضًا إلى أنه يجب على "إسرائيل" تقليص أهدافها، فقد تحتاج إلى تسوية ما لتقليل الغارات الدورية والردع، مع "حماس"، والوضع المضطرب في غزة، حتى وهي تعزز قدراتها الدفاعية لتطمئن شعبها.

يجب أيضًا على إسرائيل التخطيط للمدى الطويل، مدركة أنها لا يمكن أن تكون في حالة حرب دائمة، كما يجب أن تحافظ على علاقتها مع الولايات المتحدة.

-------------------------------
للإطلاع على المقال باللغة الإنجليزية يرجى الضغط هنا








.