19 - 06 - 2024

«العصفور المفترس».. هل أدرك المحتل حجمه؟

«العصفور المفترس».. هل أدرك المحتل حجمه؟

مؤخرًا، أعلنت وسائل إعلام عبرية تنفيذ مجموعة قرصنة إسرائيلية، تعرّف نفسها باسم "العصفور المفترس"، هجومًا إلكترونيًّا تسبب في تعطيل محطات وقود بإيران، فيما أشارت "إرنا"، وكالة الأنباء في طهران، إلى توقف نشاط بعض محطات الوقود في البلاد"، وأكد نائب وزير النفط الإيراني جليل سالاري، في بيان، "الحاجة من 6 إلى 7 ساعات لمعاودة الخدمة.
..

ليس المقصود من التعريج على هذه الأنباء تسليط الضوء على ما جاء فيها، وإنما مصطلح "العصفور المفترس" الذي أطلقه قراصنة إسرائيليون على أنفسهم، قد يكون لافتًا للانتباه، فصفة المفترس أو الافتراس من غير اللائق اقترانها بالعصفور، ذلك الكائن المعروف بوداعته ورقته وبراءته وحب الأطفال إليه، إلا أن حجم "العصفور" قد يتناسب، شكلا لا معنى، مع حقيقة الكيان الغاصب الذي أباح لنفسه قتل البشر وتدمير الحجر واجتثاث الشجر، وإبادة الشيوخ والنساء والشباب العزل، ووأد أطفال غزة وتجويع وسحل أهليها، وهدم البنى الطبية والبنايات المدنية والحكومية، والمدارس والمساجد والكنائس، وغيرها مما يسمعه العالم ويراه يوميًّا، مُذ تمت تعريته في 7 أكتوبر المجيد، يوم أن انكشف أمام نفسه قبل غيره، وقام من سباته على هول صدمة تلقاها على أيدي مجموعة فصائل يدافعون عن تراب وطنهم وأرضهم ومقدساتهم.
..

تلك الصدمة التي أضحت تكبر، ساعة بعد أخرى، مع كل صد ومقاومة وثبات من مناضلين لم يتدربوا يوما في معسكرات حربية ولا كليات شرطية، مستخدمين أسلحة محلية الصنع يصمدون بها، بل يوقعون خسائر جمة ويصيبون أهدافا محققة، على مدار 10 أسابيع ويزيد.
..

صدمة جعلت العالم الغربي والأوروبي وبعضا آخر من المنخدعين في الكيان المحتل، أو هكذا "كانوا"- فعل ماض ناقص ناسخ، وواو الجماعة ضمير مبني في محل رفع اسم كان- ينظرون إليه على أنه الجيش الذي لا يُقهر، بعتاده وتكنولوجياته والأموال التي تُشحن وتُسخّر إليه، وتسويقه لنفسه بأنه الذراع الطولى لخيرات بقاع الشرق الأوسط.
..

الصدمة التي قَصف على إثرها، وفي أوج بدايتها، مستوطنين إسرائيليين تابعين له، لا يزال، وعندما حاول أن يستفيق من غيبوبته، أو هكذا ظن، بحث، كالثور الهائج، عما يمكن أن يرد ولو جزءًا من كرامته التي تبعثرت، أمام نفسه، أولاً، قبل العالم "تِمّن"، فراح يفكر في تنفيذ مخطط صهيوني لوّح به أكثر من مرة في غير مناسبة، مستعملاً أكاذيبه المعتادة بتلفيق اتهامات للمقاومين أثبت دحضها ربما وقبل كل شيء، المعاملة التي تلقاها أسراه من قِبَلِ جنود المقاومة في أثناء جولةٍ أولى شملت تبادل محتجز واحد مقابل ثلاثة فلسطينيين، (أولى نعم، لأنه، حتما، سيقبل بأخرى مُرغما لا مُخيرا).
..

ذلك المخطط الصهيوني، الذي أراد من خلاله، الكيان الغاصب وعصفوره، لا مؤاخذة، المفترس، تصفية القضية الفلسطينية برمتها، وإعادة هيكلة غزة بعد تفريغها من ذويها ودفعهم إلى التهجير باتجاه سيناء، أرض الفيروز، التي هي ليست ببعيدة عن مطامعه، مستخدمًا في ذلك كل الأفعال الوحشية والنازية والإرهابية والحيوانية بمختلف مفرداتها اللغوية والمصطلحية، قبل أن يُصدم، مجددًا، أولاً بصمود أبناء وأهالي غزة العزة، شبابًا وشيوخًا وسيدات وأطفالاً، وثانيًا بكشف القيادة المصرية هذا المخطط للعلن، خاصة أمام قادات أوروبا، والتأكيد على أن القضية الفلسطينية هي قضية القضايا بالنسبة لمصر وجموع الشعوب العربية، وأن تصفيتها خط أحمر وبقاءها واجب مقدس، شاء من شاء وأبى من أبى.
..

وعليه وبعد 73 يومًا من مواصلة الكيان الغاصب عدوانه جوًا وبرًّا وبحرًا، وقتله- في حصيلة غير نهائية- أكثر من 19 ألف فلسطيني، وإصابته ما يزيد على 52 ألفًا آخرين، 70% منهم نساء وأطفال، في ظل صمت عالمي مخز، وإن بدأ يغير موقفه شيئا بعد انفضاح ضعف المحتل، الذي يستمر في قصفه الهمجي اليومي للشهر الثالث على التوالي، يراه الجميع على الشاشات رأي العين، ويشاهد تصرفات حكومة حرب تل أبيب وجنودها غير آبهين بطفلِ أو امرأة، بمسجد أو كنيسة، بمدرسة أو مستشفى، علاوة على نوايا المحتل وخططه تجاه القطاع وأهله، التي تستوجب على كل ذي ضمير عدم غفلتها أو غض الطرف عنها أو تجاهلها، كل ذلك وسط صمود شعب أبي، مستعد بكل فئاته لتقديم مزيد من التضحيات والأثمان الباهظة، في سبيل ألّا تصبح غزة، يوما، إسرائيلية.
..

إضافة إلى ذلك، يجب أن تدرك إسرائيل، التي يُظنُّ أنها وعت حجمها الطبيعي حتى مع الدعم الغربي، فما بالها من دونه، ولو لم تعترف بذلك، أنه مع استمرار نزيف خسائرها في صفوف جنودها وعتادها وحشوداتها العسكرية، مقابل لا شيء نصرا سوي إزهاق المزيد من أرواح المدنيين، حتى أرواح جنودها وأسراهم لم تسلم من همجيتها، وأمام كل هذا الصمود الغزاوي ومقاومته التي لقنتها درسا قاسيا، لا تزال- إن لم تتراجع عن إصرارها على محو القضية الفلسطينية بكل مَن تحمله، شعبًا وأرضًا، وكيانًا وتاريخًا، قد تكتب الدولة العبرية، بعصافيرها المفترسة، آخر فصول نهايتها.
-----------------------------
بقلم: عزت سلامة العاصي

مقالات اخرى للكاتب

«العصفور المفترس».. هل أدرك المحتل حجمه؟





اعلان