قالت إدارة عمليات البحرية البريطانية إن كيانا عرف نفسه بأنه من البحرية اليمنية أمر سفينة بتغيير مسارها إلى ميناء يمني
وأعلن مكتب التجارة البحري البريطاني في منشور على إكس، قبل قليل، إنه تلقى تقريرا عن كيان يعلن نفسه على أنه من البحرية اليمنية ويأمر سفينة بتغيير مسارها إلى ميناء يمني.
وفي تقرير سابق الثلاثاء، قال مكتب التجارة إنه تلقى تقريرا عن حادث أثر على سفينة في محيط باب المندب غربي ميناء المخا في اليمن، ما أدى إلى نشوب حريق عليها. وأضاف أن جميع أفراد الطاقم بخير.
وهددت جماعة الحوثي، السبت الماضي، باستهداف جميع السفن المتجهة نحو إسرائيل عبر باب المندب قبالة اليمن، ما يؤشر على الأهمية القصوى التي يكتسيها هذا المضيق المائي. ويأتي هذا التهديد في سياق الحرب المستمرة منذ أكثر من شهرين بين إسرائيل وحماس. ورغم أن اليمن ليس موقعا استراتيجيا لمهاجمة إسرائيل، إلا أنه مثالي لمهاجمة السفن في البحر الأحمر، إذ تمتلك جماعة الحوثي مخزونا من الصواريخ المضادة للسفن، ما يجعلهم قادرين على تهديد أي سفينة تعبر في مضيق باب المندب الذي يمر عبر الساحل اليمني، بحسب تحليل نشرته "الإيكونوميست".
وفي الآونة الأخيرة، استهدف الحوثيون سفنا يقولون إنها مرتبطة بإسرائيل، إلا أن تهديدهم، السبت، يوسّع نطاق عملياتهم لتشمل كل السفن المتّجهة إلى إسرائيل.
وكانت الجماعة استولت، في نوفمبر الماضي، على سفينة الشحن "غالاكسي ليدر" في جنوب البحر الأحمر، وقالت إنها مملوكة لإسرائيل وهو ما نفته الأخيرة. ومؤخرا، أسقطت البحرية الأميركية مسيرات أُطلقت من اليمن، إضافة إلى صواريخ خلال الأسابيع الستة الماضية، خلال تقديمها الدعم لسفن تجارية في البحر الأحمر. بينما أسقط الحوثيون مسيرة أميركية، الشهر الماضي.
وأعلن الناطق باسم القوات المسلحة اليمنية، العميد يحيى سريع، السبت عن منع عبور السفن المتجهة إلى «إسرائيل» مهما كانت جنسيتها، إذا لم يدخل الغذاء والدواء إلى غزة.
وجاء الإعلان اليمني تصعيدًا لمسار من الخطوات التي اتخذتها جماعة أنصار الله الحوثي في البحر الأحمر، بدأت بالإعلان عن إطلاق صواريخ بالستية ومجنحة ومسيرات نحو أهداف إسرائيلية في مدينة «إيلات» جنوب النقب، ثم تصاعدت بدرجة كبيرة بالإعلان عن احتجاز سفينة «غالاكسي ليدر» المملوكة إسرائيليًا، ثم استهداف سفنتيْ «يونيتي إكسبلورر» و«نمبر ناين»، ليعلن بذلك البحر الأحمر «محرّمًا» على السفن الإسرائيلية.
لكن الخطوة الأخيرة بتوسيع دائرة الحظر والاستهداف لتشمل أي سفينة تتجه إلى «إسرائيل»، يأخذ التهديد اليمني إلى مستوى جديد. وهو ما رحبت به حركة حماس معتبرةً القرار «شجاعًا وجريئًا ينتصر لدماء شعبنا في قطاع غزّة، ويقف ضد العدوان الصهيو أميركي الذي يمعن في حرب الإبادة الجماعية». وشكلت الخطوة تهديدًا أكبر لـ«إسرائيل» إلى الحد الذي دفع مستشار الأمن القومي الإسرائيلي تساحي هنغبي إلى القول بأن اليمن بات يفرض «حصارًا بحريًا» على بلاده، وهو ما قد يدفعها، والولايات المتحدة من أمامها، إلى اتخاذ رد واضح، بعد أسابيع من التجاهل ومحاولة تجنب المواجهة في البحر الأحمر.
مصالح إسرائيلية كبرى في خطر
بدأ الانخراط اليمني في مواجهة الحرب على غزة من على بعد أكثر من 2000 كم بسلسلة من الهجمات بالصواريخ والمسيرات، أُسقط بعضها عبر منظومة «حيتس» الإسرائيلية للدفاع الجوي، وعبر سفن بحرية أميركية، إضافة لاعتراض السعودية أحدها على الأقل. لكن عددًا منها بلغ الداخل المحتل بالفعل، لتخلق حالة من التوتر في «إيلات» التي كانت قد تحولت لمقصد لـ35 ألفًا من النازحين الإسرائيليين من مستوطنات «غلاف غزة».
لكن الخطوة التي فتحت جبهة البحر الأحمر بشكل أوسع كانت السيطرة اليمنية على سفينة «غالاكسي ليدر» في 19 نوفمبر واقتيادها مع طاقمها إلى ميناء الحديدة. والسفينة المخصصة لنقل السيارات، والقادرة على حمل أكثر من 5000 مركبة، تابعة لشركة «راي» للشحن المملوكة لرجل الأعمال الإسرائيلي رامي أُنغَر، المصنف كأحد أثرى أثرياء «إسرائيل».
ثم جاء استهداف سفينة «يونتي إكسبلورر» المملوكة لشركة مسجلة في بريطانيا يديرها دان أنغر، وهو ابن أنغر الأول، بصاروخ بحري، إضافة لسفينة «نمبر ناين» بمسيرة بحرية، وهي التي ظلت حتى عام 2021 مملوكة لشركة «زيم»، إحدى أكبر الشركات الإسرائيلية، والمملوكة جزئيًا لعيدان عوفر، رابع أثرى رجل في «إسرائيل»، والتي تملك الحكومة الإسرائيلية كذلك «حصة ذهبية» فيها، بما يمكنها من استخدام أسطول الشركة «في حالات الطوارئ أو لأغراض الأمن القومي».
وإضافة لهذه السفن الثلاث التي أعلنت القوات المسلحة اليمنية استهدافها، تحدثت صحيفة «غلوبز» الإسرائيلية عن استهداف سفينة أخرى قرب شواطئ عدن هي «سنترال بارك»، التابعة لشركة «زودياك» المسجلة في بريطانيا، والمملوكة لإيال عوفر، شقيق عيدان.
تعكس هذه الملكيات المتشابكة جانبًا من حجم المصالح الإسرائيلية في البحر الأحمر. إذ تمتلك «إسرائيل» حضورًا كبيرًا في مجال الشحن البحري العالمي، يفوق ما يتعلق باستيراد حاجاتها وتصدير بضائعها. فشركة «راي» التابعة لأنغر تملك أسطولًا من ناقلات النفط والمركبات وناقلات البضائع الجافة. فيما يمثل عيدان عوفر أحد أكبر مالكي السفن في العالم. فإضافة إلى حصته في شركة «زيم»، التي تعد من أكبر 20 شركة شحن بحري في العالم، وتشغل أكثر من 150 سفينة، يمتلك عوفر حصصًا في شركات «XT» و«آيس تانكرز»، و«إيسترن باسيفيك»، تنقل إضافة للنفط والمركبات والبضائع، الكيماويات والغاز الطبيعي المسال. أما شقيقه إيال، فيشغل عبر «زودياك» أكثر من 130 سفينة تنقل كذلك البضائع والمركبات والكيماويات والنفط والغاز البترولي المسال. كل ذلك يرفع عدد السفن المملوكة إسرائيليًا أو المشغلة من قبل شركات إسرائيلية أو المرتبطة بها، ما يرفع بدوره حجم التهديد الاقتصادي.
ومنذ احتجاز «غالاكسي ليدر»، بدأت «زيم» وشركات أخرى بالفعل بتحويل مسارات بعض سفنها القادمة من شرق آسيا إلى «إسرائيل» لتلتف حول رأس الرجاء الصالح ثم تقطع البحر المتوسط كله لتجنب المرور بالبحر الأحمر، متخذة طريقًا أطول بقرابة أسبوعين، وتزيد كلفتها بما بين 400 و700 ألف دولار، ويتوقع أن ترتفع هذه التكاليف أكثر مطلع العام المقبل.
وبحسب بيانات شركة «فرايتوس» لخدمات حجز ودفع الشحن البحري، والمملوكة إسرائيليًا، فقد ارتفعت تكاليف النقل البحري من الصين إلى «إسرائيل» بما نسبته 16%-36% منذ بدء الحرب، علمًا بأن الصين تحتل المرتبة الأولى في الواردات الإسرائيلية بأكثر من 14% منها. وقد فرضت «زيم» علاوة مخاطرة بلغت مائة دولار للحاوية الواحدة (علمًا بأن معدل الحاويات الصغيرة على متن السفينة الواحدة ضمن أسطول «زيم» يفوق الـ3600).[1] ورغم أن الرئيس التنفيذي للشركة، إيلي غليكمان، قال في نوفمبر الماضي إن الشركة «تواصل عملها وخدماتها، بما في ذلك من وإلى إسرائيل»، إلا أن «زيم» عبّرت في السابق عن إدراكها أن «وضعها كشركة إسرائيلية.. أثر تاريخيًا سلبًا على عملياتها وقدرتها على المنافسة». وهو ما يتضح اليوم في تراجع قيمة سهم الشركة، التي باتت منذ بدء الحرب تقدم خدماتها بسعر مخفض عن مثيلاتها عالميًا، رغم أن البحر الأحمر لا يمثل سوى جزء بسيط من الممرات البحرية التي تبحر سفن «زيم» عبرها.
لكن مع إعلان اليمن نيته توسيع نطاق الاستهداف لمنع أي سفينة من وصول موانئ «إسرائيل»، أصبحت المخاطر أكبر بكثير من مصالح شركات بعينها. فحوالي 98% من التجارة الإسرائيلية تتم بحرًا، وعلى مدى العقدين الماضيين، ازداد اعتماد «إسرائيل» تجاريًا على اقتصادات شرق آسيا، التي يمر القسم الأعظم من وارداتها بمضيق باب المندب، وصولًا إلى «إيلات» أو ميناء أسدود مرورًا بقناة السويس، ما زاد الأهمية الاستراتيجية لاستقرار البحر الأحمر في السنوات الأخيرة.
لذلك، فإن تنفيذ التهديد اليمني بإغلاق باب المندب أمام كل السفن المتجهة إلى «إسرائيل» قد يفرض طوقًا خانقًا على اقتصادها سينعكس سريعًا على توفر السلع الاستهلاكية وأسعارها. هذا ما حذر منه يورام سيبا، رئيس غرفة الشحن الإسرائيلية، حين قال إنه في حال نفذ أنصار الله تهديداتهم، فإن الأسعار في «إسرائيل» ستقفز بنسبة 30%. وحتى الآن، حالت هذه التهديدات دون وصول 14 ألف مركبة إلى ميناء «إيلات»، الذي تشكل واردات المركبات 85% من مداخيله. ورغم أن مصادر إسرائيلية تحدثت عن اتفاق مع شركة لوجستية إماراتية، نال بالفعل موافقة الحكومة الإسرائيلية، لإنشاء جسر بري بين مينائي دبي وحيفا، يمر بالسعودية والأردن، كبديل عن التجارة المارة بالبحر الأحمر، إلا أن ترتيب مثل هذا البديل إن تحقق لن يتم بسرعة تمنع الخسائر الإسرائيلية.
رغم التأكيدات اليمنية على أن الاستهدافات في البحر الأحمر لن تطال أي سفينة غير مرتبطة أو متجهة إلى «إسرائيل»، إلا أن الولايات المتحدة سعت لتصوير الخطوات اليمنية على أنها «تهديد مباشر للتجارة العالمية والأمن البحري». فمضيق باب المندب الذي تمر عبره 10% من مجمل التجارة البحرية عالميًا، يحمل يوميًا 8.8 مليون برميل نفط، يتجه معظمها نحو أوروبا والولايات المتحدة. وفي ظل التضخم الذي تعاني منه الأخيرة، خاصة في ارتفاع أسعار الوقود، فإن انعدام الاستقرار في البحر الأحمر يمكن أن ينعكس على اقتصادها، وعلى أسعار النفط عالميًا، في وقت حساس للإدارة الأمريكية التي ستدخل قريبًا عامًا انتخابيًا.
وإلى جانب التكاليف السابقة التي بدأت الشركات الإسرائيلية تتكبدها، فإن شركات أخرى بدأت تفكر أيضًا بتحويل مساراتها إلى رأس الرجاء الصالح، كما أن كثيرًا منها باتت تضمّن رحلاتها المارة بالبحر الأحمر فرقًا مسلحة تتبع لشركات أمنية خاصة، وهو ما سيرتب عليها كلفًا إضافية يمكن أن تنعكس على أسعار البضائع المنقولة. إلا أن بعض الخبراء يقللون من قدرة مثل هذه الشركات الأمنية على التصدي لأي هجوم يمني في حال حصوله، إذ أن هذه الشركات تشكلت في الغالب للتعامل مع هجمات القراصنة، لا صواريخ ومسيرات قوات مسلحة رسمية.