15 - 06 - 2024

ندوة ملتقى الشربيني (2 من 2) .. نبيل عبدالفتاح يتوقع تغيّرات جيو سياسية جديدة في الشرق الأوسط

ندوة ملتقى الشربيني (2 من 2) .. نبيل عبدالفتاح يتوقع تغيّرات جيو سياسية جديدة في الشرق الأوسط

في ندوة "بعد أن تسكت المدافع في غزة" بملتقى الشربيني  
المدير الأسبق لمركز دراسات الأهرام:
- إسرائيل دفعت المنطقة دفعا نحو تديين الصراع عبر هيمنة الأيديولوجيا الدينية وأساطيرها التأويلية التوراتية ومعها شرعنة دينية للقتل والاستيطان
- احتقار القانون الدولي لم يترك أمام الفلسطيني سبيلا غير اللجوء للإسلام كهوية وعقيدة وأداة للتعبئة والتعاضد الاجتماعى، وسط الدمار


في الجزء الثاني من ندوة ملتقى الشربيني  "بعد أن تسكت المدافع في غزة"، توقع المتحدثون أن يشهد الشرق الأوسط تغيّرات جيو سياسية جديدة، اتساقا مع المفاهيم الغامضة التي يطرحها بايدن ونتنياهو.

كما لفتوا إلى أن تديين الصراع هدفه تحويله من صراع مقاومة مشروعة ضد الاحتلال  إلى صراع أديان، ما ينذر باحتمالات خطيرة بعد انتهاء العدوان.

وأكد الباحث والمفكر نبيل عبد الفتاح أن مباديء القانون الدولي بالكامل انتهكت في غزة وحكام اسرائيل لايبالون بالشرعية الدولية، موضحا أن استمرار العقاب الجماعى، والتهجير القسرى، والتطهير العرقى، ورفض وقف النار لم يكسر صمود المدنيين والمقاومة الباسلة.

في الجزء الأول من الندوة التي اقامها الملتقى  بعنوان " ماذا بعد أن تسكت المدافع في غزة"  تحدث الكاتب الكبير عبد الله السناوي عن لحظة الخطر المتوقعة او المحتملة في هذا العدوان، وتساءل قائلًا :ماذا يحدث اذا تدافع الغزاويون نحو الحدود متأثرين بالقصف ومحتمين بحدودنا من وابل النيران؟ وقال السناوي إن إعادة إحياء القضية الفلسطينية من مواتها المتوهم يظل أكبر مكاسب "طوفان الاقصي" رغم الخسائر البشرية الفلسطينية الفادحة.

انتهاك مباديء القانون الدولي 

من جانبه تحدث نبيل عبد الفتاح وهو خبير بمركز الدراسات السياسية والاستراتيجية بالأهرام فقال:" نحن أمام لحظة خطر .. القانون الدولي انتهك وكل مباديء وقيم العالم الحر التي كنا نطمح اليها انتهكت".

ونبيل عبد الفتاح هو مدير مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية السابق ومستشار المركز حاليا، ومشرف تقرير الحالة الدينية في مصر وصاحب العديد من المؤلفات المرموقة (النص والرصاص ) و"تفكيك الوهم" ، "الحرية والحقيقة" و "التدين والثورة الرقمية" ، كانت له مساهمات بارزة في إلقاء الضوء على ما يجري في فلسطين، وسقوط القانون الدولي في مستنقع العنصرية والكراهية. وكتب العديد من الدراسات في هذا الاطار.

و في دراسة له ألقى جانبا منها خلال الندوة أكد أن  انتهاكات إسرائيل الفاضحة لقواعد القانون الدولى العام، وقانون الحرب، والقانون الدولى الإنسانى، تبدو كاشفة عن لا مبالاة الطبقة السياسية الإسرائيلية - فى الحكم والمعارضة - بقواعد الشرعية الدولية المنظمة للعلاقات بين دول الاحتلال، وبين الشعوب المحتلة، وذلك تحت ذريعة الدفاع الشرعي عن النفس، فهي تأخذ بهذا المبدأ، وتتناسى القواعد المنظمة له، وغيره من القواعد القانونية الدولية. 

ويثير بعضهم أن ما قامت به حركة حماس، والجهاد الإسلامى فى عملية «طوفان الأقصى» هو عدوان على إسرائيل، نظرا لأن قطاع غزة تديره حركة حماس، منذ  2006، ثم نشوء الانقسام بين السلطة الفلسطينية وسلطة حماس 2007! وشدد عبدالفتاح على أن هؤلاء  يتناسون  أن الأراضى الفلسطينية فى الضفة والقطاع محتلة منذ عدوان 67، وباستيلاء إسرائيل على الضفة والقطاع، باتت كل الأراضى الفلسطينية تحت الاحتلال، ولا تزال تحت هذا الوصف القانونى، وأيضا فإن سلطتى الضفة وقطاع غزة تشكلان معا أراضى محتلة حتى تحت الحكم الذاتى - بعد اتفاق أوسلو!

العقاب الجماعي محظور

لم يقتصر الأمر على الممارسات اللا شرعية فى قطاع غزة، وإنما امتد لعمليات قتل واغتيال بعض كوادر حماس من خلال القصف الجوى لبعض سيارات ومنازل هؤلاء القادة! من ناحية أخرى فرض الحصارالكامل على القطاع منذ 2007 برا وبحرا وجوا مع إغلاق المعابر، ثم سياسة العقاب الجماعى بين الحين والآخر وهى أمور محظورة قانونا !. .

و ذكر عبد الفتاح أن  سياسة التهجير القسرى والتطهير العرقى من شمال القطاع إلى جنوبه تشكل انتهاكا صارخا لهذه المادة، كما أن  المادة 53 تنص على «حظر تدمير الممتلكات، والمبانى من سلطة الاحتلال"، إلا إذا كان لهذا التدمير ضرورة مطلقة بسبب العمليات العسكرية»، مضيفا: نحن  إزاء حالة انتهاك واسع المدى للقانون الدولى. ناهيك عن القتلى والجرحى، وهو ما يخالف المادة (23 من اتفاقية جنيف 12 أغسطس 1949) التى ذهبت إلى انه فى حالة قيام نزاع مسلح ليس له طابع دولى فى أراضى أحد الأطراف السامية المتعاقدة، يلتزم كل طرف فى النزاع بأن يطبق كحد أدنى الأحكام الواردة في الاتفاقية

وقال: إن الأشخاص الذين لا يشتركون مباشرة فى الأعمال العدائية، بمن فيهم أفراد القوات المسلحة الذين ألقوا عنهم أسلحتهم، والأشخاص العاجزون عن القتال بسبب المرض أو الجرح أو الاحتجاز أو لأى سبب آخر، يعاملون فى جميع الأحوال معاملة إنسانية دون أى تمييز ضار يقوم على العنصر أو اللون، أو الدين أوالمعتقد أو الجنس أو المولد أو الثروة، أو أى معيار مماثل آخر، ولهذا الغرض تحظر الأفعال التالية فيما يتعلق بالأشخاص المذكورين أعلاه، وتبقى محظورة فى جميع الأوقات والأماكن. 

أ- الاعتداء على الحياة والسلامة البدنية، وبخاصة القتل بجميع أشكاله، والتشويه، والمعاملة القاسية والتعذيب. 

ب - أخذ الرهائن. 

ج - الاعتداء على الكرامة الشخصية، وعلى الأخص المعاملة المهينة والحاطة بالكرامة.

ونظرا لارتفاع معدلات القتلى والجرحى من الأطفال والنساء والمسنين جاءت المادة (16)- ومابعدها - من الباب الثانى، حول الحماية العامة للسكان من بعض عواقب الحرب، تنص على أن يكون الجرحى والمرضى وكذلك العجزة والحوامل موضع حماية واحترام خاصين. وبقدر ما تسمح به المقتضيات العسكرية، يسهل كل طرف من أطراف النزاع الإجراءات التى تتخذ للبحث عن القتلى أو الجرحى، ولمعاونة الغرقى وغيرهم من الأشخاص المعرضين لخطر كبير ولحمايتهم من السلب وسوء المعاملة.

وشدد عبد الفتاح على ان  غالب نصوص قانون الحرب، والدولى الإنسانى باتت موضوعا للانتهاك السافر والكامل من الاحتلال الإسرائيلى، وعدوانا على القطاع والبشر، والحجر، وانفجار شلالات الدماء والأشلاء، والأخطر غطرسة ووحشية القوة الغاشمة فى مواجهة المدنيين الأبرياء والمستشفيات، دون رادع دولى حتى هذه اللحظة، ورفض وقف إطلاق النار، فى ظل سياسة العقاب الجماعى، والتهجير القسرى، والتطهير العرقى، ومع ذلك ثمة وقفة باسلة للمقاومة وصمود للمدنيين الأبرياء سعيا وراء حل الدولة الفلسطينية المستقلة وعاصمتها القدس الشرقية، وفقا لقواعد الشرعية الدولية ومقرراتها منذ القرار 242، وغيره من القرارات النظيرة.

سلوك عدواني اسرائيلي

لا شك أن تفسير هذا السلوك العدوانى المتعصب مرجعه تركيبة الثقافة السياسية والدينية داخل المجتمع الإسرائيلى، والطبقة السياسية، وجذور بعضها العسكرية والدينية الراديكالية إزاء الأغيار، خاصة العرب، والمسلمين. إن بعض الخطاب الدينى التوراتى لرئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو، وحكومة الحرب المصغرة، وغيرهم فى الحكومة الموسعة، ومعهم الحاخامات المتطرفون تعيد طرح سؤال جديد، وقديم هل نحن إزاء صراع دينى، ومن ثم حرب دينية؟

هذا السؤال القديم/ الجديد مرجعه استخدام الميثولوجيا ذات السند الدينى، فى بناء تصورات أطراف النزاع المسلح فى خطاباتهم، وفى أنظمة التنشئة الاجتماعية والدينية والسياسية، وفى نظام التعليم الإسرائيلى، على نحو يؤدى إلى إنتاج هذه الميثولوجيا الدينية التأويلية وإعادة إنتاجها، فى تكوين وتشكيل المواطنين من مراحل الطفولة والصبا، إلى مراحل الرشد المدنى. من هنا تدخل هذه الميثولوجيا الدينية التأويلية من منظور غالبية الحاخامات، والمعلمين فى تشكيل إدراك، ورؤية المواطنين الإسرائيليين تجاه الأغيار “ الجويم” عموما، والفلسطينيين والمسلمين والإسلام خصوصا ، على نحو يؤدى إلى هيمنة رمزية للأيديولوجيا الدينية وأساطيرها التأويلية التوراتية تجاه الشعب الفلسطينى، ومعها شرعنة دينية للقتل والاستيطان واحتلال أراضى الشعب الفلسطينى، خاصة ما بعد 5 يونيو 1967!

أسطرة الصراع 

إن عملية أسطرة الصراع الإسرائيلى، الفلسطينى، وتحويله من صراع بين المحتل الكولونيالى/ الاستيطانى، وبين الشعب الفلسطينى المستعمر، مرجعه استمداد أطرافه تاريخيا المرجعية الدينية سنداً، فى تبرير وتسويغ وشرعنة عمليات القتل والتدمير، والأهم الاستخدام الوظيفى الإسرائيلى للميثولوجيا الدينية التأويلية فى بناء العقيدة العسكرية للجيش والجنود والضباط إزاء الفلسطينيين والعرب عموما. هذا الدور الوظيفى للدين فى الميثولوجيا التأويلية للمسيحية الصهيونية مسيطر إعلاميا وسياسيا فى الولايات المتحدة وبريطانيا وألمانيا!

إن تديين الصراع، يهدف إلى تحويله من صراع بين الشعب المستعمر، وحقه فى الدفاع الشرعى عن نفسه، ومقاومة المحتل الاستيطانى على الأراضى الفلسطينية المحتلة ما بعد 5 يونيو 1967 إلى صراع أديان، وهو ما ينذر باحتمالات خطيرة بعد أن تنتهى هذه الحرب العدوانية، وظهور راديكاليات إسلامية سياسية جديدة، ترد على مذابح الحرب الإسرائيلية. إن تديين الصراع السياسى بين الكونيالية الاستيطانية الإسرائيلية، وبين الشعب الفلسطينى، خطر على كل الأطراف، لأنه يزكى عمليات القتل والمذابح والتدمير الممنهج للمبانى، والبشر.

قد يقال إن حماس والجهاد الإسلامى حركتان دينيتان، وخطابهما دينى! وهذا صحيح وجذوره ترجع إلى الاستدعاء المقابل للمرجعية الدينية التوراتية إزاء الكولونيالية الاستيطانية التى احتلت أراضى فلسطينية على أساس دينى! 

من ناحية أخرى جذر هذه الجماعات -الإخوان المسلمين لحركة حماس - الدينى والأيديولوجى واستخدامها الوظيفى للدين الإسلامى، يعود إلى فشل الأمم المتحدة، والدول الخمس الكبرى، فى إنفاذ قرارات الشرعية الدولية، وحل الدولتين، واللامبالاة بالعدوان المستمر على المدنيين. 

من هنا هذا التوظيف الدينى للمقاومة، مرجعه أن إسرائيل استخدمته فى مواجهة الجماعات الراديكالية فى تكوين منظمة التحرير الفلسطينية، وفى إفشال اتفاق أوسلو -42% من الأراضى المحتلة بعد 5 يونيو 1967 - ، وفى دعم وتوظيف الانقسام الفلسطينى بين سلطة أوسلو، وسلطة حماس. عندما يغيب أفق حل الدولتين، والدولة الفلسطينية المستقلة وعاصمتها القدس الشرقية ، لا يجد الفلسطينيون أداة للتماسك الاجتماعى والتضامن والتعاضد، سوى الإسلام والمسيحية الشرقية، كأداة هوياتية ضد المستعمر الاستيطانى، ووحشيته خاصة فى ظل القصف الجوى والمدفعى والصاروخى والقنص، وأنهار الدمار المتفجرة من الأطفال والنساء والمسنين والآباء والأمهات والأجداد! 

هنا يبدو السند الرئيس للمدنيين، والمقاومة المشروعة للاحتلال متمثلا فى الإسلام كهوية، وعقيدة، وأداة للتعبئة والتعاضد الاجتماعى، وسط الدمار، لأن العالم لا يقدم سوى بعض الكلمات الفارغة التى تذهب هباء منثوراً فى الفراغ الإنسانى!

واختتم نبيل عبد الفتاح حديثه بالقول. أن هناك فيما يبدو  احتمالات أن يشهد الشرق الأوسط تغيّرات جيو سياسية جديدة.. بحسب المفاهيم الغامضة التي يطرحها بايدن ونتنياهو.

ملتقي الشربيني يطرح السؤال الشائك: ماذا لو أُجْبِر الفلسطينيون تحت القصف على عبور الحدود؟ (1 من2)






اعلان