صدرت للكاتب الجزائري عبد الرزاق بوكبة، عن دار "خيال" للنشر، مجموعة قصص قصيرة جدا، بعنوان "دمٌ سريع الالتهاب/ كتابةٌ من المسافة صِفر عن غزة"، فكان العنوان الرئيسي والفرعي دالّين معا على أنها كتابة تفاعلية مع حدث طارئ وصادم على كل المستويات، فقامت النصوص على التسلل إلى زوايا إنسانية مكثفة وجديرة بالتثمين أدبيا لأنها تجسد روح المقاومة لدى الإنسان الفلسطيني.
ويقول بوكبة الذي سبق له أن أصدر تجربتين في القصة القصيرة جدا، منها "كفن للموت" عن دار العين بالقاهرة، إنها جنس أدبي يملك القدرة على التكثيف، بالتالي فهو أصلح الأجناس الأدبية لمواكبة اليوميات المتسارعة والثرية بالأحداث وردود الأفعال الإنسانية مثل الحروب، فهو جنس أدبي شبيه بالصورة الفوتوغرافبة القائمة على الإحساس والاقتناص، لا إلى وقت مثلما تتطلبه الرواية، بما يجعل الكتابة تقوم على استهداف اللحظة الإنسانية تماما مثل القذيفة والرصاصة، فالكتابة عن الحرب، حسبه، تدفع الذات الكاتبة محتاجة إلى استعارة أدوات الحرب ذاتها تحقيقا لفعل التصويب.
ويضيف أنه وقف في بداية الحرب مصدوما أمام بشاعتها في تقتيل الإنسان وتخريب المكان، ثم مندهشا من مظاهر الصبر والمقاومة لدى الإنسان الفلسطيني، "حيث تحول إلى معلم لأبجديات ارتباط الإنسان بأرضه وحقه، من خلال سلوكيات لفتت إليها الرأي العام الدولي، وأسقطت سياسة تظليله من طرف مؤسسات ومنابر الاحتلال في الماء، فبدأنا نشهد انقلابا في المواقف لصالح الحق الفلسطيني، على مستوى القارات الخمس، وهي السلوكيات وردود الأفعال الإنسانية التي اتكأت عليها في كتابة هذه التجربة".
وتجلت هذه المواقف الإنسانية في كتاب "دم سريع الالتهاب لعبد الرزاق بوكبة، في احتفاظ المهرج بابتسامته، رغم أنه يدفن يوميا أطفالا كانوا من جمهوره، وتشبث المؤذن بالأذان راغم سقوط المئذنة، واستبدال سائق سيارة الإسعاف المقصوفة بعربة يجرها حصان، ثم استبدال الحصان بعد قصفه بنفسه، "إنها الروح العالية التي تقف شامخة وهي تعلم أنها قد تزهق أو تفقد بعض أو كل ما تملك من أقارب في أية لحظة".
وكتب بوكبة على صفحته على الفيسبوك: "تشكّل الأدب الجزائري داخل رحم المقاومة. وحتى بعد افتكاك الاستقلال الوطني ظلّ يقاوم أشكال المسخ والإجهاض المختلفة. فهو أدب مقاوم بامتياز".
وأضاف أن هذه الخصوصية التاريخية، تجعل أي كاتب لا ينحاز عفويا لنصرة الحق الفلسطيني، بعيدًا، ليس فقط عن القيم الإنسانية والقومية والأخلاقية، بل أيضا عن خصوصية الأدب الجزائري.
من جهته، قال المخرج والمؤلف المسرحي الهادي بوكرش الذي يعمل على نقل الكتاب إلى المسرح، إنه رافق التجربة منذ نشر أول أقصوصة منها في مواقع التواصل الاجتماعي، فوجد نفسه أمام مادة إنسانية وفلسفية خام جديرة بأن يعجنها المسرح وفق فلسفته وتقنياته الخاصة، "فما يحدث في غزة ولها يجعل الفنون تصاب بالعجز أمام هول ما يحدث، لكنها حين تجد العتبات النصية العميقة للتعبير، فإنها تكيّف نفسها وتنخرط في مواكبة الحدث، وهذا ما قدمه لنا كتاب "دم سريع الالتهاب" لعبد الرزاق بوكبة".