19 - 06 - 2024

مكتبات تحلق في الفضاء الرقمي بلا أجنحة (1 من 2)

مكتبات تحلق في الفضاء الرقمي بلا أجنحة (1 من 2)

يثار حاليا جدل دولي وعربي مناطه سؤال حول هل نحن بحاجة لبناء مكتبات جديدة، أم أن العالم يتغير، وأصبحت المكتبات فضاء رقميا، عُدّت المكتبات رمزًا دالاًّ على ارتقاء الشعوب ونهوضها، مخزنًا لمعارفها وكنوزها، ومكانًا لاحتضان المثقفين والمفكرين والأدباء والعلماء، وكأنها حضانة تفرخ وتنمي لنا أجيالاً جديدة منهم؛ لذا حرصت الشعوب على أن يكون لديها مكتبات قومية، وأخرى ذات اختصاصات في علوم بعينها، وغيرها لنشر الثقافة في المدن والقرى، لكن في عصر الإنترنت ومع ظهور المكتبات الرقمية، أصبح هناك تساؤلات عديدة حول ماهية هذه المكتبات؟ كما أن السيل الغزير بها منالمعلومات والمعارف هل يهدد الهوية الثقافية؟ وهل انتهى عصر المكتبات التقليدية؟

تعرف المكتبات الرقمية بأنها مجموعة من المعلومات الخاضعة لإدارة منهجية، تهدف إلى تقديم خدمة معرفية، من خلال اختزان المعلومات في صيغ رقمية، وإداراتها، ومن ثم إتاحتها عبر شبكة من الحاسبات. من المهم هنا التفريق بين السيل المتدفق من المعلومات إلى الحاسب الآلي لأي شخص في منزله، وبين إدارة المعلومات عبر شبكة الإنترنت، فالأولى تعني العشوائية والثانية تعني أن هناك من ينظم هذه المعلومات ويدققها ويمحصها قبل أن تصبح ذات مصداقية لدى من يتلقاها.

من هنا بات من الملحّ أن نؤكد أن هناك سباقًا بدأ في العالم اليوم نحو نوعية جديدة من أدوات تكوين المعرفة البشرية ليس عبر الورق، لكن عبر شبكة الإنترنت، ومن سيكون له وجود حقيقي مدار بشكل جيد.

تحولات جذرية 

من هنا ظهر مصطلح الأمن المعلوماتي. من سينتج المعرفة في الفضاء الرقمي سيكون له بالفعل مستقبل في الثقافة العالمية خلال السنوات القادمة، فهل هذا يعني أن مفهوم المكتبات بات حوله نقاش جديد؟ لاشك أن الإجابة بنعم ستكون منطقية، فهناك تحولات جذرية تحدث الآن، أدى بعضها إلى تشكيل اتحاد دولي للمكتبات الرقمية(DLF)  في مقابل الاتحاد الدولي للمكتبات (التقليدية) IFLA ، فالأول يضم المكتبات الجامعية في الولايات المتحدة والمكتبة البريطانية وجامعة أكسفورد ومعظم المكتبات الأمريكية. وهي تسعى من خلال معايير صارمة نحو خلق مجتمع مكتبي افتراضي يشكل وعاءً للمعرفة الإنسانية على شبكة الإنترنت، أما الثاني فهو مجتمع المكتبات التقليدية الذي يرتكز على مفهوم المكتبات الوطنية التي تقوم بخزن وفهرسة وحفظ الإصدارات الوطنية وغيرها من أوعية المعرفة، الفرق بينهما شاسع يماثل الفرق بين الورق والحاسبات الآلية. فالأول انتشاره محدود مقارنة بالثاني. والثاني يوجد في كل بيت يتجدد في كل ثانية. الثاني سيل يتدفق ويتجدد، والأول - وهو الورق - وعاء وحيد غير مترابط؛ كل مجموعة أوراق تشكل كتاباته صورًا أو أشكالاً أو جداول أو إحصاءات، لكن في النوع الثاني هناك ترابط بين النص والصورة والشكل والجدول فضلاً عن الأفلام. وهنا يمكن تغيير المادة وتحسينها بصورة مستمرة، من الممكن أن يتفاعل معها القارئ وينقدها، الفرق هنا هو الفرق بين جمود المعرفة التي يحملها الورق وحيوية التفاعل مع المعرفة عبر شبكة الإنترنت.

الهوية الثقافية

عبر شبكة الإنترنت وإمكانياتها غير المحدودة، لم يعد القارئ في حاجة إلى شراء الكتاب الورقي لكي يصل إلى المعلومة ولا إلى تصفح الموسوعات للوصول لها، كما لم يعد المؤلف في حاجة للناشر التقليدي لكي ينشر كتابه، بل أصبح لديه إمكانية أكبر في نشر مؤلفه، فأصبحنا نقرأ عن أدباء وشعراء ينشرون أعمالهم عبر أوعية رقمية مختلفة، ما الذي يجعل إذن للمكتبات الرقمية دورًا إذا كان القارئ مستقلاًّ عنها والمؤلف ليس بحاجة لمثل هذه المكتبات؟ إن عملية تنظيم المعلومات يقوم بها المختصون في المعلوماتية(Information Professionals) ؛ وهم الذين يفرقون بين الغث والسمين والهزل والعبث واللهو والجد، فضلاً عن دورهم الذي نتخيله في الحفاظ على الهوية الثقافية على شبكة الإنترنت، هذا الدور في غاية الخطورة ويحتاج إلى مكتبات تكون هي الحاضنة لهم والفاعلة في بث هذه المعلومات سواءً في شكل كتب رقمية أو مواقع إلكترونية أو بوابات Gateway ، أو غير ذلك من أشكال الأوعية الرقمية. 

من هذا المنطلق لا نستطيع أن نقول إنه مع التدفق المعلوماتي انتهى عصر المكتبات، وأصبح لدينا فضاء رقمي جديد للمعرفة بل إن هناك مفهومًا جديدًا للمكتبات سيكون بلا شك معتمداً بصورة أساسية على البث الرقمي للمعلومات. هذه مكتبات بلا جدران، وتحلق في الفضاء الرقمي الأزرق بلا أجنحة!

أكثر من طريقة

وإذا كانت المكتبات الرقمية تختلف عن مثيلتها التقليدية في كثير من المعطيات، فإن العامل المشترك بينهما هو العنصر البشري الذي ينتج المعرفة لكي يستخدمها. وما بين المنتج والمستهلك للمعرفة وسيط يتمثل في المكتبات سواءً كانت تقليدية أو رقمية. هذا الوسيط يحتاج دائمًا إلى كشّاف هو الإنسان الذي يقوم بعملية تكشف الأوعية أيًّا كان نوعها، وأنجح كشاف بحثي عالمي حاليًّا هو (Google) ظهر مفهوم المكتبة الرقمية الذي يدل على نظام معلومات تكون فيه موارد المكتبة متوفرة في شكل يعالج بواسطة الحاسوب، وفيه تستند جميع وظائف الاقتناء والحفظ والاسترجاع والإتاحة إلى تكنولوجيا الرقمنة.

أما المكتبة الافتراضية فإنها قد عرفت بأكثر من طريقة نورد منها على سبيل الذكر لا الحصر ما يلي: مجموعة إلكترونية منظمة تتألف من المواد الموزعة والمخزَّنة على شبكة والتي يمكن الوصول إليها والبحث فيها.أو مكتبة بلا جدران. أو الانتقال من الاقتناء إلى الوصول. وبناء على تلك التعريفات، يتبين أن مصطلح "المكتبة الرقمية" يحيل إلى طريقة للترميز، ثم بدأ في مرحلة لاحقة يشير إلى تحول فعلي في عملية إتاحة المجموعات والنصوص من الإتاحة المباشرة إلى الإتاحة عن بعد، وإلى تطور شكل المكتبة ونشاطها الذي تحول إلى صيغة افتراضية. 

والمكتبة الرقمية لها وجود مادي، فهي عبارة عن مجموعة من نصوص رقمية أتيحت للعرض بواسطة تقنية النص المترابط (Hypertext) ومتاحة على شبكة الإنترنت، ويطلع عليها المستفيد عن بعد، أي أن الاتصال بالمكتبة الرقمية لا يكون إلا عبر الحاسوب، ويمكن تنزيل هذه الوثائق ونسخها.

الرقمي والافتراضي

ويتطلب البحث في المكتبات الرقمية استخدام أدوات متطورة رافقت ظهور شبكة الويب، ونعني بذلك الأدلة الموضوعية (Subject Directories) ومحركات البحث (Search Engines)  وأدوات البحث الكبرى (Meta Search Tools) كما أنه يتطلب اعتماد طريقة جديدة في تكشيف المعلومات، وهو ما تقوم به بعض البرمجيات التي تحمل أكثر من اسم منها العناكب (Spiders) وزواحف الويب (Web  Crawlers)  والديدان (Worms) والإنسان الآلي (Robots)  

ويرى البعض أنه لا توجد اختلافات بين مصطلحي "المكتبات الرقمية"، ومصطلح "المكتبات الافتراضية"، مثل سعد الهجرسي الذي يؤكد على أنهما وبالمعايير الدقيقة "وجهان تعبيريان لمفهوم واحد، حقيقة وواقعياً". وقد حدا الأمر بالبعض إلى استخدامهما استخدام الترادف. ولا يفوتنا أن نشير إلى أن ذلك لا يمكن أن يتم من دون تجاوز.والرقمي مرتبط بآلية إضافة النص فهو يبدأ من الفكرة إلى التنفيذ وصولاً إلى النشر من خلال الحاسوب الذي يعتمد على الرقمين 0 و1، ومن هنا أتى مصطلح المكتبات الرقمية. أما الافتراضي فهو مرتبط بمكان وجود المكتبة وسمي افتراضياً لأنها موجودة في عالم افتراضي إلكتروني لا يرى، وقد لا يعرف موقع تلك المكتبة أي في أي مكان على الكرة الأرضية.
-----------------------------
بقلم: خالد عزب

مقالات اخرى للكاتب

عن مستقبل الدوريات التاريخية العربية





اعلان