11 - 05 - 2025

إبداعات | في غيابك

إبداعات | في غيابك

لا يؤلمني غيابك إلا عندما أكون بدونك، بلا كلماتك، بلا دفاترك ومسوداتك وحبرك. 

أوراق على الأرض فيها منك، ألتقطها برحمة من وجد لقيطا، وأحفظها في ديوان لك لا تعرف عنه شيئا. 

قالوا عودي فلقد أفقده الشعر صوابه، فقلت: رُبَّ ثمل خيرٌ من ألف يقظان. 

لا يعلمون أني أعصر لك قلبي، وكلما رأيت في عينيك ثمالة وجدتَني. 

أعلم أن القصيدة أنثاك الأولى، وأنك تسكن فوق غيمة، والغيوم لا عنوان لها. لكن كيف أرتد بعدما اغتسلتُ بحبك وتلوتُ شِعرَك وأعلنتُ عشقي وجعلنا السماوات لنا شهودا. كلما عاتبتني على كسر قلمي وبياض دفاتري، 

نسيتُ أن أقول لك أني أدرب الكلمات لتكتبك لكنها في كل مرة تخذلني. تصير الحروف كلمات، والكلمات تحاول أن تصبح جملا، لكن لا فائدة. عجز ممل، وسذاجة. حتى فاجأتني السنوات، لقد تولت تدريب الكلمات وتشريسها حتى نبشت جدران معبدنا، وترجمت نقوشنا، بل حتى طقوس عشقنا السري طالته الكلمات وعبثت به وأخرجته لتلقي به على بياض الصفحات وتريه لكل من يملك هاتفا. 

تبا لتلك الكلمات التي لا تترك شيئا سريا، ولا تحترم مبدأ الخصوصية، تجهر بما تكنه الروح حتى وإن لم يأت الأمر بالجهر. 

وضعت يدي على قلبك وقلت: "على هذه الصخرة سأبني كنيستي". ابتسمتَ. لحين بنيتُ كنيستي على صخر قلبك وانتظرت أن تتفجر منه الأنهار. 

حملك الشعرُ إلى أرض الغياب وغاب المعنى معك. صار حضور الأشياء غيابا. فكل صباح يحضر الماء والبن والنار وتغيب القهوة! وديوان المتنبي يبدو كأن حروفه رفعت، وكل الصور بيضاء، فمن أين تأتي الألوان؟ لا غيمة هناك ولا مطر، أسمع فيروز من بعيد تحذرني: "فينك قال عم بيقولوا صار عندك ولاد / أنا والله كنت مفكرتك برات البلاد". هل هي وشاية من فيروز بك؟ هل رويت أرضا يا رجل الغيوم وأنبتت؟ 

تنهاني أم كلثوم وتحرجني أمام قلبي: "أكاد أشك..". أشرد بعيدا عن الزمن الجميل وأغانيه المتعبة، وأرحل إليك. إلى يدك، عينيك، كلماتك.. تلك الساحرات الشريرات جدا اللاتي تبلي بهن مَن شئتَ. عندما رأيتك أول مرة علمت أنك حتما ولا بد قاتلي، فلا شيء أبشع فتكا من رجل وسيم أربعيني ويملك سحرا كالكلمات، "كأنه خلق من كل قلب، فهو يغني لكل إنسان بما يشتهي"، وكنتُ أشتهي صمتَك لأنجو بما تيسّر من قلبي، لكنك أبيتَ، ولم تصمت حتى استعمرتَني / دمرتَني.
------------------------------
هاجر مصطفى