18 - 06 - 2024

الدوري المصري الإنجليزي!

الدوري المصري الإنجليزي!

«TG -NBE - ISC - MSC - ZSC - AFC - MFC – 1TT ....».. قديمًا قالوا إن اللحنَ خطأٌ في اللغة، ومنذ أعوامٍ صارت اللغةُ خطأً في اللحن، حتى إن بعضًا (كبيرًا) من حاملي المؤهلات العُليا لا يعرفون الفرق، أو التفرقة، بين التاء المربوطة والهاء المتطرفة مثلاً، منهم من قد يستخف بمن يريد أن يلفت انتباههم لتصويب هذا الأمر العظيم، ناهيك عن رفع المنصوبات وجر المرفوعات وكسر فواتح الكلم.. ما يزيد الطين بلة وسْم فرق الدوري المصري الممتاز - بعض أسمائها الذي بدأ به المقال - بأحرف إنجليزية، بدعوى توافر عروض لدى رابطة الأندية المحترفة لبيع حقوق بث مباريات أو ملخصات بعينها خلال الموسم الحالي، لتسير لغتنا الباسلة، كما وصفها الأستاذ الدكتور فتحي جمعة، رحمه الله، في طريق الـ«لغة بلا أمة!»، ولم لا؟ والتاريخ المسجل للحضارات، يثبت الارتباط الوثيق بين الدولة والحضارة واللغة، وجودًا وعدمًا، وقوة وضعفًا، تلك حقيقة ممتدة في جميع الأزمان والأوطان، إذ إن أي حضارة لها دولة ولغة، عندما تضعف الدولة تأفل الحضارة ثم تتبعها اللغة زوالاً، أو احتجابًا إلى حين، لكن هذا التاريخ لم يعرف لغة تبقى، سابقًا، إلا في مَثَلٍ واحدٍ هو العربية، التي ظلت صامدة وقت تمزقَ العربُ وتشتت كلمتهم ووهنت وحدتهم وضاعت هيبتهم.. 

تأثر العرب بالغرب، إلى الحد الذي وصل إلى التقليد الأعمى، وكأن التقدم الغربي، لا يُدْرَك إلا بالمتابعة والمحاكاة التي تذوب فيها الذات، بمختلف عناصر الحياة من الملابس والشباب إلى طريقة الطعام، ثم إلى حروف الكلام الذي أخذ يسرى في العروق، حتى امتد إلى الروح فأزهقها، وأمات شعور الانتماء والحرص على الخصوصية القومية..

ويبدو أنه رغم زوال الإنجليز منذ عشرات السنين، والذين جاؤوا لاحتلال أرضنا قبل أكثر من مئة عام، فإن لغتهم أحكمت سيطرتها، ومدت نفوذها حتى استوطنت مكان لغتنا فصرنا- بقصد أو بغير- أدوات في يد المحتل تنفذ خططه، وتحقق غاياته! وبتنا نمجد لغته، ونحقر شأن العربية، بالإعراض عنها وانتهاك حرمتها وإباحة حماها في الشوارع والأسواق.

ويومًا بعد آخر أضحت تُستبدل الألفاظ العربية الباسلة النبيلة بأخرى أعجمية ممسوخة بدأ انتشارها بين مترفين في الأحياء الراقية من العاصمة والمدن الكبرى، ثم امتد إلى سائر الطبقات في جميع مدنها وقراها، دانيها وقاصيها، وتعدى الأمر حد ألقاب العلاقات الاجتماعية، إلى الميادين، وأسماء المحال والشركات والمؤسسات الخاصة، وبعض الشركات الحكومية العامة، وأخيرا، لا آخر، طالت الإنجليزية فرق الدوري المصري!
--------------------------
بقلم: عزت سلامة العاصي


مقالات اخرى للكاتب

«العصفور المفترس».. هل أدرك المحتل حجمه؟





اعلان