13 - 10 - 2024

د. أحمد جمعة عبد الغني حسن: انضمام مصر لـ"بريكس" يخفف وطأة الاحتياطي النقدي الأجنبي

د. أحمد جمعة عبد الغني حسن: انضمام مصر لـ

مستشار جامعة الزقازيق للسياسات والشؤون الاقتصادية:
عضوية التجمع تساعد في تأمين احتياجات مصر من الغذاء والاقتراض يجب أن يخضع لمحددات أهمها تمويل مشروعات تتطلبها عملية التنمية

أكد الدكتور أحمد جمعة عبد الغني حسن أستاذ الاقتصاد ومستشار جامعة الزقازيق للسياسات والشؤون الاقتصادية أن خطوة الانضمام إلى تكتل كبير مثل بريكس يمكن أن تحد من تأثير الصدمات الاقتصادية الخارجية على الاقتصاد الداخلي لكل دولة في التكتل، وذلك بسبب التنويع الذي يحققه التعاون بين الدول في الإنتاج ونقل الفائض مع إمكانية فتح أسواق جديدة أمام الصادرات المصرية، والعمل على تخفيف مشكلات العملة الأجنبية التي تواجهها الدولة المصرية. 

وأوضح أنه ينظر الي تجمع "بريكس" على أنه شكل جديدا للتنافس على قيادة النظام الاقتصادي العالمي وأن التجمع يبحث عن خطوات جادة لقيادة عالمية وسط عالم تمزقه المنافسة والتوتر الجيوسياسي وتدهور الأمن العالمي والعديد من الآزمات الاقتصادية. 

عن التجمع والأثر الذي يمكن أن يحدثه عالميا ومحليا كان هذا الحوار:

* إلى أي مدى يمكن أن يؤثر التجمع على مكانة الدولار الأمريكي في الاقتصادات العالمية؟

- تبلغ حصة تعاملات الدولار الأميركي في مجمل الاحتياطات الأجنبية 60 %، ويبلغ حجم التبادلات التجارية به نحو 80%، إضافة إلى هيمنته على نظام المقاصة للتحويلات المالية (سويفت) بنسبة 90 % على الأقل. ومن هنا نجد صعوبة في الوقت الراهن في إمكانية تجاهل الدولار الأميركي كعملة احتياطية عالمية مهيمنة، كما أن طموح إطلاق عملة جديدة لا يعتبر تهديدا كبيرا للدولار الأمريكى لأن الدول الأعضاء فى بريكس ترتبط بالديون الأمريكية البالغة 30 تريليون دولار وهي على شكل سندات حكومية أمريكية وأسهم وحسابات جارية لمعظم الدول الخمس.

* ما هو الوزن الفعلي لتجمع بريكس الآن؟ وعلاقات مصر الاقتصادية الفعلية بدوله؟

-  يُعد تجمع "بريكس" (BRICS) من أهم التجمعات الاقتصادية على مستوى العالم، ويضم حتى الان البرازيل وروسيا والهند والصين، جنوب إفريقيا ويمثل التجمع قبل انضمام الأعضاء الجدد إليه نحو 30 % من حجم الاقتصاد العالمي، و26 % من مساحة العالم و43 % من سكان العالم، وتنتج دول التجمع أكثر من ثلث إنتاج الحبوب في العالم، حيث يشكل مجموع الناتج المحلي الإجمالي للدول الأعضاء في البريكس نحو 25.9 تريليون دولار خلال عام 2022 أي بما نسبته 25.6% من الناتج المحلي الإجمالي العالمي البالغ نحو 101 تريليون دولار في عام 2022، كما تُعَد دوله من الدول التي شهدت معدلات نمو اقتصادي سريعة؛ ما جعلها من أكبر الاقتصادات العالمية، كالصين الاقتصاد الثاني الأكبر عالميًّا بعد الولايات المتحدة الأمريكية. 

وبلغت قيمة الصادرات المصرية لدول مجموعة البريكس نحو 4.9 مليار دولار خلال عام 2022 مقابل 4.6 مليار خلال عام 2021. وبلغت قيمة الواردات المصرية من دول مجموعة البريكس 26.4 مليار دولار خلال عام 2022 مقابل 23.6 مليار خلال عام 2021. وبلغت قيمة التبادل التجاري بين مصر ودول مجموعة البريكس لتصل إلى 31.2 مليار دولار خلال عام 2022 مقابل 28.3 مليار دولار خلال عام 2021 بنسبة ارتفاع قدرها 10.5%. وجاءت الهند على رأس قائمة أعلى دول مجموعة البريكس استيراداً من مصر خلال عام 2022 وبلغت قيمة صادرات مصر لها 1.9 مليار دولار، وجاءت الصين في المرتبة الثانية 1.8 مليار دولار، ثم روسيا 595.1 مليون دولار، ثم البرازيل 402.1 مليون دولار، وأخيراً جنوب إفريقيا 118.1 مليون دولار.

وتصدرت الصين قائمة أعلى دول مجموعة البريكس تصديراً لمصر خلال عام 2022؛ حيث بلغت قيمة واردات مصر منها 14.4 مليار دولار، وجاءت روسيا في المرتبة الثانية 4.1 مليار دولار، ثم الهند 4.1 مليار دولار، ثم البرازيل 3.6 مليار دولار، وأخيراً جنوب إفريقيا 133 مليون دولار.

* ما هي أهمية انضمام مصر للبريكس، اعتباراً من يناير 2024، وهل يمكن أن يمثل حلا لمشاكل اقتصادية صعبة؟ 

- فكرة التعامل مع تكتل يضم ما يزيد عن 40 % من سكان العالم، سواءً من دول المجموعة أو دول تتعامل معها، كما ينتج أكثر من 30% من السلع والخدمات على مستوى العالم، ويساهم بأكثر 31.5 % من معدلات النمو للاقتصاد العالمي، تحمل فرصة كبيرة لزيادة معدلات التبادل التجاري والاستثمارات المشتركة بين مصر والدول الأعضاء، فضلا عن أهمية الوجود وسط تكتل يحمي المصالح السياسية والاقتصادية للدولة المصرية، ويضيف مزيدًا من التعاون وتبادل الخبرات بالإضافة إلي الاستفادة من اتجاه البريكس للتعامل بالعملات المحلية أو بعملات غير الدولار الأميركي، وهذا جزء تحتاج إليه معظم الدول الناشئة نظرًا لمشكلة النقد الأجنبي، وبالتالي تنويع سلة العملات الأجنبية. 

وبالنظر الي الحالة المصرية وما تشهده من ارتفاع غير مسبوق لأسعار السلع والخدمات، وكذلك زيادة تكلفة التمويل من الأسواق الدولية، يساعد التعامل بالعملات الوطنية بين الدول الأعضاء في البريكس على  ترشيد سلة عملات الفاتورة الاستيرادية، ومن ثم تخفيف الضغوط على الموازنة العامة للدولة التي تتحمل أعباءً ضخمة لتوفير الاحتياجات الأساسية من القمح والوقود. فضلا عن زيادة التجارة المتوقعة بين أعضاء بريكس الجدد، وزيادة التداولات والتسويات بالعملات المحلية.

وهنا نوضح أن للدولار العديد من التأثيرات السلبية على الأداء الاقتصاد المصري الداخلي، وعلى معدل التضخم، والارتفاع المستمر في الأسعار، والحقيقة إن علاقة الدولار بمنظومة الأسعار فى مصر هى علاقة معقدة وفى حاجة لتحرير. 

ذلك أن الدولار يؤثر فى الأسعار المحلية من ثلاث قنوات رئيسية؛ الأولى هى «قناة الاستيراد»، والثانية هى «قناة الإنتاج»، والثالثة هى «قناة التحفيز». وعبر هذه القنوات، عندما يرتفع سعر الدولار أمام الجنيه، سترتفع، وبطريقة مباشرة وبنسبة أكبر، قيمة المنتجات المستوردة وقيمة المنتجات المحلية ذات المكوّنات المستوردة. ولا يقف الأمر عند هذا الحد؛ إذ ستتحفز ــ لعوامل متعددة ــ أسعار المنتجات المحلية الخالصة، ثم تأخذ الاتجاه الصعودى.

ومن المنطقي إذن القول بأنه كلما انتشرت المنتجات المستوردة والمنتجات المحلية ذات المكونات المستوردة فى أى سوق، كلما كان للدولار مفعول قوى على هيكل الأسعار فيه. وهذا هو الوضع فى الأسواق المصرية. إلى جانب تعرض الاقتصاد المصري للتضخم المستورد حيث مازلنا نعتمد على الاستيراد لتلبية احتياجاتنا المحلية فنحن نستورد بفاتورة استيراد تقترب من 90 مليار دولار بينما نصدر في أفضل الأحوال بنحو 45 مليار دولار والتضخم المستورد ينشأ بسبب اعتماد الدولة على السلع والخدمات المستوردة من الخارج ومن ثم، فإنه كلما زادت أهمية السلع المستوردة ومكانتها، زادت في المقابل الضغوط التضخمية المستوردة من العالم الخارجي؛ ولهذا السبب تحديدا، فإن الدول المنكشفة تجارياً هي نفسها أكثر دول العالم معاناة من هذا النوع من التضخم. والانكشاف التجاري يقصد به النمو المستمر في الواردات دون أن يقابله أو يكافئه نموٌ في الصادرات.

* هل الانضمام للبريكس يمكن أن يخفف من الضغوط التضخمية المستوردة؟

- عندما تزداد الضغوط التضخمية المستوردة في الاقتصاد المحلي، فلا تقتصر آثارها على ارتفاع مستمر ومتواصل في المستوى العام للأسعار المحلية فحسب، بل إنها تترك تداعيات اقتصادية واجتماعية عديدة؛ ومن التداعيات الاقتصادية السلبية للتضخم المستورد أن تضعف القدرات التصديرية للاقتصاد المصاب بها كنتيجة منطقية لارتفاع نسبة المكونات المستوردة في هيكل صادراتها للعالم.  وهنا يجب التركيز على تخفيض الاستهلاك وتعزيز الإنتاج وتوليد استثمارات إضافية وتحسين الإنتاجية الي جانب الاهتمام بقطاعات التصدير والإنتاج في خفض أعباء الدين والتضخم وتحقيق نمو حقيقي في الناتج المحلي الإجمالي. 

 وانضمام مصر لـ"بريكس" سيكون فكرة مهمة لتحقيق التوازن الداخلي في العديد من المؤشرات الاقتصادية، خاصة في فكرة الاستغناء عن الدولار ومن ثم التخفيف من وطأة الاحتياطي النقدي الأجنبي، فضلا عن دعم سبل الصناعة والتجارة لتسهيل حركة الاستيراد والتصدير من هذه الدول ومصر، إضافة إلى المواد الغذائية، خاصة الحبوب والقمح، ما سوف يعمل على تأمين احتياجات مصر من الأمن الغذائي المطلوب، حيث أن مصر تحتاج خلال الفترة المقبلة إلى تقليل الطلب على الدولار من أجل إحداث التوازن في جميع المؤشرات الاقتصادية، خاصة في عملية الاستيراد، 

وتاتي من هنا مميزات مجموعة البريكس في تخفيف الأعباء الدولارية واحتمالية استخدام عملة جديدة مثل اليوان الصيني، وذلك في ضوء أن مصر لديها علاقات استراتيجية مع الصين، ففكرة الاستغناء عن الدولار ستكون مهمة جدا لأن الصين أهم مصدر للمواد الخام، ومصر تستورد كافة المواد الخام من الصين، مما يمثل خطوة مهمة في استمرار نجاح الاقتصاد المصري خلال الفترة المقبلة، وينعكس إيجابيا في تحقيق التوازن في الأسعار في كافة الصناعات والسلع الاستراتيجية، إذا ما أخذنا في الاعتبار التضخم المتسارع في مصر بسبب الدولار لتوغله وتوحشه في العالم وتأثيره السلبي على الاقتصاديات الناشئة.

* ماهي الضوابط التي تحكم اختيار أعضاء جدد لضمهم إلى بريكس؟ وهل تنوي مصر الحصول على تمويل بديل؟

 - هناك العديد من الاعتبارات الجيوسياسية في اختيار الأعضاء الجدد بالنظر لكون هذه الدول تمثل ثقلًا إقليميًا كبيرا في مناطقها، كما أن ثلاثًا من الدول الجديدة التي تم ضمها، تعتبر من كبار أعضاء منظمة الدول المنتجة للنفط " الأوبك " وتؤثر بشكل كبير على سعر النفط الذي يمثل اهمية كبرى لدول التجمع، وعلى رأسها الصين والهند. وبالنظر إلى انضمام مصر من قبل لعضوية بنك التنمية الجديد، وهو البنك الخاص بتجمع البريكس، الذي يمكن أن يوفر المزيد من الفرص التمويلية الميسرة للمشروعات التنموية، وهنا نؤكد أن التمويل الخارجي بصوره المختلفة، دينا كان أم استثمارا أجنبيا، يكون مُعززا للتنمية الاقتصادية إذا ساهم فقط في تطوير القدرات الإنتاجية والتكنولوجية والتصديرية للاقتصاد المصري. فكل نقد أجنبي يتدفق محليا يجب توظيفه بشكل يساعد في توليد مزيد من هذا النقد، وإلا وقعنا أسرى لدوامة الديون. ولن يحدث ذلك بطبيعة الأمور بدون توظيف النقد الأجنبي ــ بطريقة مباشرة أو غير مباشرة ــ لخدمة أنشطة التصدير. 

فالاقتراض يمكنه بالفعل تمويل الاستثمارات الحيوية وفقًا لعدة محددات توضح مدى حاجة مصر للاقتراض من الخارج وهي أن هذه القروض تستخدم في تمويل مشروعات تتطلبها عملية التنمية الاقتصادية، والتي يتعين أن تتم دفعة واحدة مع عمل دراسات جدوى للمشروعات التي سوف تستخدم تلك القروض في تمويلها والتأكد أن التدفقات المستقبلية للمشروع تغطى أصل القرض وفوائده. عندما يتم ذلك بشكل سليم يتحقق دخل أعلى يمكن أن يعوض تكلفة خدمة الدين.
-----------------------------------------
حوار-  آمال عبدالله
من المشهد الأسبوعية